@ 29 @ .
وقيل في سبب نزولها : إن اليهود قالوا : يا محمد إنك تنهي عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله الآية . .
وقيل : إن المسلمين نهى بعضهم بعضاً عن قطع النخيل ، وقالوا إنما هو مغانم المسلمين ، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطع من الإثم ، وأن قطع ما قطع وترك ما ترك { فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ } . .
وعلى هذه الأقوال ، قال ابن كثير وغيره : إن قوله تعالى : { فَبِإِذْنِ اللَّهِ } أي الإذن القدري والمشيئة الإلهية ، أي كما في قوله تعالى : { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ } ، وقوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } . .
والذي يظهر والله تعالى أعلم . أن الإذن المذكور في الآية ، هو إذن شرعي ، وهو ما يؤخذ من عموم الإذن في قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } ، لأن الإذن بالقتال إذن بكل ما يتطلبه بناء على قاعدة الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به . .
والحصار نوع من القتال ، ولعل من مصلحة الحصار قطع بعض النخيل لتمام الرؤية ، أو لإحكام الحصار ، أو لإذلال وإرهاب العدو في حصاره وإشعاره بعجزه عن حماية أمواله وممتلكاته ، وقد يكون فيه إثارة له ليندفع في حمية للدفاع عن ممتلكاته وأمواله ، فينكشف عن حصونه ويسهل القضاء عليه ، إلى غير ذلك من الأغراض الحربية ، والتي أشار الله تعالى إليها في قوله : { وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ } أي بعجزهم وإذلالهم وحسرتهم ، وهم يرون نخيلهم يقطع ويحرق فلا يملكون له دفعاً . وعلى كل فالذي أذن بالقتال وهو سفك الدماء وإزهاق الأنفس وما يترتب عليه من سبي وغنائم لا يمنع في مثل قطع النخيل إن لزم الأمر ، ويمكن أن يقال : إن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبإذن الله أذن . .
وبهذا يمكن أن يقال : إذا حاصر المسلمون عدواً ، ورأوا أن من مصلحتهم أو من مذلة العدو إتلاف منشآته وأمواله ، فلا مانع من ذلك . والله تعالى أعلم . .
وغاية ما فيه ، أنه إتلاف بعض المال للتغلب على العدو وأخذ جميع ماله ، وهذا له