@ 18 @ يؤتي الحذر ) ، فيكون قوله تعالى : { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أخذهم ودهاهم وباغتهم من حيث لم يحتسبوا من قتل كعب بن الأشرف وحصارهم ، وقذف الرعب في قلوبهم . .
وهناك موقف آخر في سورة البقرة يؤيد ما ذكرناه هنا ، وهو قوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } . فقوله تعالى : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } وهو في سياق أهل الكتاب ، وهم بذاتهم الذين قال فيهم : { فَأَتَاهُمُ } فيكون ، فأتاهم الله هنا هو إتيان أمره تعالى الموعود في بادىء الأمر عند الأمر بالعفو والصفح . .
وقد أورد الشيخ رحمه الله عند قوله تعالى : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } أن هذه الآية في أهل الكتاب كما هو واضح من السياق ، وقال : والأمر في قوله : { بِأَمْرِهِ } ، قال بعض العلماء : هو واحد الأوامر ، وقال بعضهم : هو واحد الأمور . .
فعلى القول الأول بأنه الأمر الذي هو ضد النهي ، فإن الأمر المذكور ، هو المصرح به في قوله : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاٌّ خِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } . وعلى القول بأن واحد الأمور ، فهو ما صرح الله به في الآيات الدالة على ما أوقع باليهود من القتل والتشريد كقوله : { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِى الاٌّ بْصَارِ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ } ، إلى غير ذلك من الآيات ، والآية غير منسوخة على التحقيق . ا ه ( من الجزء الأول من الأضواء ) . .
فقد نص رحمه الله على أن آية : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } مرتبطة بآية : { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } هذه كما قدمنا : أن هذا هو الأمر الموعود به ، وقد أتاهم به من حيث لم يحتسبوا ، ويشهد لهذا كله القراءة الثانية فآتاهم بالمد : بمعنى أعطاهم وأنزل بهم ، ويكون الفعل متعدياً والمفعول محذوف دل عليه قوله : { مِنْ