@ 402 @ منها خلاف ذلك . فمن الأدلة الدالة على قيام الإشارة مقام الكلام قصة الأمة السوداء التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أين الله ) ؟ فأشارت إلى السماء . فقال صلى الله عليه وسلم : ( أعتقها فإنها مؤمنة ) فجعل إشارتها كنطقها في الإيمان الذي هو أصل الديانات . وهو الذي يعصم به الدم والمال ، وتستحق به الجنة ، وينجي به من النار . والقصة المشهورة مروية عن جماعة من الصحابة ، منهم أبو هريرة ، وابن عباس ، ومعاوية بن الحكم السلمي ، والشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنهم . وفي بعض رواياتهم : أنها أشارت إلى السماء . قال أبو داود في سننه : حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، ثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرني المسعودي عن عون بن عبد الله ، عن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة : أن رجلاً أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ؟ فقال لها : ( أين الله ) ؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها فقال لها : ( فمن أنا ) ؟ فأشارت إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وإلى السماء ، يعني أنت رسول الله . فقال : ( اعتقها فإنها مؤمنة ) . والظاهر حمل الروايات التي فيها أنه لما قال لها أين الله قالت في السماء من غير ذكر الإشارة ، على أنها قالت ذلك بالإشارة . لأن القصة واحدة والروايات يفسر بعضها بعضاً . قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره في سورة ( آل عمران ) في الكلام على قوله تعالى { قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } ما نصه : في هذه الآية دليل على أن الإشارة تنزل منزلة الكلام ، وذلك موجود في كثير من السنة ، وآكد الإشارات ما حكم به النَّبي صلى الله عليه وسلم من أمر السوداء حين قال لها : ( أين الله ) ؟ فأشارت برأسها إلى السماء ، فقال : ( اعتقها فإنها مؤمنة ) فأجاز الإسلام بالإشارة الذي هو أصل الديان الذي يحرز به الدم والمال ، وتستحق به الجنة وينجي به من النار ، وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك ، فيجب أن تكون الإشارة عاملة في سائر الديانة ، وهو قول عامة الفقهاء . .
وروى ابن القاسم عن مالك : أن الأخرس إذا أشار بالطلاق أنه يلزمه . وقال الشافعي في الرجل يمرض فيختل لسانه : فهو كالأخرس في الرجعة والطلاق . وقال أبو حنيفة : ذلك جائز إذا كانت إشارته تعرف ، وإن شك فيها فهذا باطل ، وليس ذلك بقياس ، وإنما هو استحسان . والقياس في هذا كله أنه باطل ، لأنه لا يتكلم ولا تعقل إشارته انتهى محل الغرض من كلام القرطبي رحمه الله . وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة تدل على قيام الإشارة مقام الكلام في أشياء متعددة ، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن