- ولعل قائلا يقول : إن هذا لا يجعل للحد كبير فائدة لأن إثباته منوط بأربعة شهداء والشهود الذين يعلمون أن من ورائهم حد القذف وهل ترى أنه إذا وجد الزوج أجنبيا مع امرأته يتركها على هذه الحالة ويخرج يتلمس الشهود حتى إذا جاؤوا وجدوا الرجل قد قضى وطره من المرأة وضاع حق الزوج ؟ .
والجواب : أن هذه الجريمة الشنيعة والفاحشة المنكرة لم يقتصر ضررها على الزانية والزاني وحدهما بل يتعداهما إلى الأسرة بتمامها فتهدم شرف قوم غافلين لا ذنب لهم ويعرضهم للمهانة والعار وتسقطهم عن مرتبتهم المحترمة بين الناس .
فحرصا على كرامة الأسرة وصيانة لأعراض الناس شددت الشريعة الإسلامية في إثبات هده الجريمة كي لا يجرؤ الناس على اتهام بعضهم بعضا بدون مبالاة .
وفي الوقت نقسه جعل لها أقصى عقوبة ( إذا كان فاعلها محصنا ) تقديرا لفظاعتها وإشعارا للناس بأنها تساوي جريمة القتل .
وبذلك يزدجر المؤمنون الذين يخافون الله تعالى ويخشون غضبه وبطشه ويحسبون لغيرته على عباده حسابا .
فالمؤمن الذي يقرأ قول الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه كجهنم خالدا فيها وغضب الله علي ولعنه وأعد له عذابا عظيما } .
ويعلم أن حد الزنا يساوي القتل فإنه يدرك عظم المسؤولية إذ افلت من عقوبة الزنا .
ولهذا ذهب بعض المؤمنين حقا " إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه واعترف بجريمة الزنا الموجبة للقتل لينجو من عذاب الآخرة بالحد الدنيوي ( 1 ) .
( 1 ) ( أخرج أبو داود والنسائي وعبد الرزاق في مصنفه عن آبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه قال : جاء الأسلمي نبي الله A فشهد على نفسه انه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل في الخامسة فقال انكحتها ؟ قال : نعم . قال حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ قال : نعم . قال : كما يغيب المرود في المكحلة وكما يغيب الرشاء في بئر ؟ قال : نعم قال : فهل تدري ما الزنا ؟ قال : نعم أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال : فما تريد بهذا القول ؟ قال : أريد أن تطهرني فأمر به رجم . وكذلك جاء إليه ماعز بن مالك واعترف بالزنا وجاءت إليه الغامدية واعترفت بالزنا - وذلك يدل على خوفها من الله تعالى ومن عذابه )