وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

- عن عبد الله بن عمر Bهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله وعليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله وعليه وسلم عن ذلك فقال : رسول الله صلى الله وعليه وسلم : " مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " رواه البخاري .
سنورد لك في شرح هذا الحديث خلاصة لما تقدم لأنه يشتمل على أمور : .
- 1 - بيان معناه .
- 2 - هل طلاق الحائض ومن في حكمها حرام . أو مكروه ؟ .
- 3 - هل للزوج أن يطلق زوجته في غير زمن الحيض والنفاس بدون سبب أو لا ؟ وما رأي الأئمة في ذلك ؟ .
- 4 - هل قوله A لعمر : " مره فليراجعها " أمر لابنه عبد الله أو لا ؟ .
- 1 - معنى هذا الحديث أن النبي A نهى عن الطلاق في حالتين : احداهما أن تكون المرأة حائضا . ثانيهما : أن تكون طاهرة من الحيض ولكن زوجها أتاها في هذا الطهر لأنه E خيره بين إمساكها وبين طلاقها في الطهر قبل أن يمسها وقد جاء في بعض الروايات أنه E قد غضب من تطليق عبد الله زوجته حال حيضها وسبب غضبه فيما يظهر أن الطلاق حال الحيض قد نهى الله عنه بقوله : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وما كان لعمر وابنه أن يخفى عليهما ذلك الحكم مع ما لهما من المنزلة العلمية الرفيعة في الدين أما كون عبد الله قد فعل ذلك عمدا لعدم استطاعته ضبط نفسه وهو عالم بالحكم فهو بعيد لأن عبد الله بن عمر كان شديد التمسك بأحكام الدين معروفا بالورع والتقوى والقدرة على ضبط نفسه .
ومعنى قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } لوقت عدتهن : أي طلقوهن عند حلول وقت العدة لا قبلها بحيث تشرع المرأة في العدة عقب الطلاق بدون فاصل .
وظاهر أن الطلاق في الحيض يعوق المرأة عن الشروع في العدة فإن الحيض الذي طلقت فيه لا يحسب لها من العدة باتفاق بين من يقول : إنها تعتد بثلاث حيض . وبين من يقول : إنها تعتد بثلاثة أطهار أما الثاني فظاهر وأما الأول فلأن الحيضة التي وقع الطلاق في خلالها لا تحسب إذ الشرط عندهم أن تكون الحيضة كاملة بعد وقوع الطلاق فلا يعتد بالناقصة ولو لحظة . وظاهر هذا التعليل يؤيد الشافعية والمالكية الذين يقولون : إن المرأة تعتد بالطهر لا بالحيض فإذا طلق الرجل امرأته في الطهر الذي لم يقربها فيه فإنها بذلك تشرع في العدة عقب الطلاق مباشرة بدون أن يفوتها من الزمن شيء ما وذلك لأن الطهر الذي طلقت فيه يحسب لها من الأطهار الثلاثة التي تنقضي بها عدتها حتى ولو بقيت منه لحظة واحدة مثلا إذا طلقها قبل طلوع الشمس بخمس دقائق وهي طاهرة ثم نزل بها دم الحيض بعد طلوع الشمس حسبت لها الخمس دقائق طهرا كاملا فإذا كانت ممن يحيض كل خمسة عشر يوما مرة فحاضت مرة ثانية وطهرت احتسب لها الطهر ثانيا فإذا حاضت بعد خمسة عشر يوما مرة ثالثة وطهرت احتسب لها طهرا ثالثا وتنقضي عدتها بمجرد أن ينزل عليها دم الحيضة الرابعة وعلى هذا القياس .
أما الحنفية والحنابلة الذين يقولون : إن المرأة تعتد بالحيض ويقولون : إذا طلقت وهي حائض فإن هذه الحيضة لا تحسب من حيض عدتها الثلاث فإنهم يقولون : إن الغرض من الآية الكريمة إنما هو الأمر بطلاق المرأة في وقت الذي تستقبل فيه عدتها بلا فاصل فإذا طلقها في الطهر الذي لم يجامعها فيه فإنها بذلك تستقبل أول حيضة تحسب لها من العدة وليس الغرض أن تشرع في العدة عقب طلاقها فورا لأن ذلك مما لا لزوم له ولكل من الفريقين أدلة يؤيد بها رأيه محلها مباحث العدة .
وسواء أكان هذا أم ذاك فإن الكل متفقون على أنه لا يجوز للرجل أن يطلق زوجته وهي حائض أو نفساء . كما لا يجوز له أن يطلقها وهي طاهرة من الحيض والنفاس إذا جامعها في هذا الطهر وهذا صريح حديث ابن عمر الذي بين به النبي A آية { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وكذلك قد اصطلحوا على تسمية الطلاق في هذه الحالة بدعيا وتسمية ما يقابله وهو ما إذا طلقها في طهر لا وطء فيه ولا في حيض قبله سنيا .
ومما لا خفاء فيه أن المراد الزوجة المدخول بها وهي التي تجب عليها العدة فإن أراد أن يطلق زوجته قبل الدخول وهي حائض فإن له ذلك وكذا إذا أراد أن يطلق زوجته الصغيرة التي لا تحيض أو اليائسة من الحيض فإن له أن يطلقها بدون تحديد وقت لأن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر لا بالحيض وأيضا زوجته الحامل فإن له أن يطلقها بدون تحديد لأن عدتها تنقضي بالحمل وقد أصبح معلوما لهما فلا يندم على طلاقها .
- 2 - أما الجواب عن السؤال الثاني فقد أجمع الأئمة الأربعة على أن طلاق المرأة وهي حائض أو نفساء معصية محرمة ويقال له : بدعي منسوب للبدعة المحرمة بخلاف طلاقها في الطهر الذي جامعها فيه فإن المالكية قالوا : إنه مكروه لا حرام ولكن الحديث الذي معنا لم يظهر منه فرق بين الحالتين فمن أين نأخذ أنه في الأول حرام وفي الثاني مكروه ؟ ولعلهم يفرقون بين الحالتين بأن النبي A قد غضب لما قال له عمر : إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض وغضب النبي A على أنه معصية أما في الحالة الثانية فإنه بين الطريق التي تتبع فخيره بين أن يمسكها وبين أن يطلقها من قبل أن يمسها ولا دليل في هذا على التحريم إذا طلقها بعد أن يمسها غايته أنه يكره .
- 3 - أما الجواب عن السؤال الثالث فبالسلب فلا يجوز للرجل أن يطلق امرأته بدون سبب ولو كان طلاقا سنيا . وقد أجمع الأئمة الأربعة على أن الأصل في الطلاق المنع ما عدا المالكية فإنهم قالوا : خلاف الأولى ثم إن الشافعية والحنابلة قالوا : مكروه وظاهر عبارات الحنفية تفيد كراهة التحريم وعلى هذا فلا يحل للزوج أن يطلق زوجته إلا لحاجة تقتضي الطلاق وذلك لأن الطلاق يقطع عقد الزواج وقد شرعه الله لضرورة التناسل الذي لا بد منه لبقاء العمران إلى الأجل الذي أراده الله وقضاه فخلق من أجل ذلك الزوجين وجعل بينهما مودة ورحمة فطلاق الزوجة من غير سبب سفه وكفران لنعمة الله فضلا عما فيه من أذى يلحق الزوجة وأولادها إن كان لها أولاد . فما يفعله بعض الشهويين الذين لا خلاق لهم من تطليق زوجاتهم بدون سبب لا يقره الدين الإسلامي ولا يرضاه ولا بد أن ينتقم الله من هؤلاء في الدنيا وفي الآخرة ولا يبرر جنايتهم على زوجاتهم الغافلات المخلصات وأبنائهم الضعاف ما يزينه لهم بعض السخفاء من جواز الحصول على أكبر قسط ممكن من اللذات المباحة لأن العدوان على الزوجة المخلصة بدون سبب يجعله حراما لا مباحا فلا يصح للإنسان أن يؤذي الناس من أجل أن يتلذذ وإلا كان هو والحيوان المفترس سواء على أن الذين يعتقدون أن علاقة الزوجية منحصرة في الاستمتاع والتلذذ بالمرأة بدون أن تتجاوزه إلى معنى آخر فيندفعون وراء شهواتهم كالبهم بدون حساب مخطئون كل الخطأ فإن علاقة الزوجية لها من التقديس والاحترام فوق هذا الذي يظنون كيف لا وهي أساس بناء العمران وسبب وجود الإنسان إذ لولا ما أوجده الله من الرحمة والمودة بين الزوجين وأودعه في قلبيهما من العطف الذي يدفع كل واحد إلى التعلق بالآخر لما وجد النوع الإنساني فلا يحل للرجل أن ينظر إلى زوجته نظرا مهينا فيظن أنها ليست سوى محل لقضاء اللذة بدون تدبر للسبب الحقيقي الذي جمعهما الله من أجله .
أما الأسباب التي تعرض للطلاق فإن بعضها يرجع إلى الزوج وبعضها يرجع إلى الزوجة .
فالأسباب التي ترجع إلى الزوج تنقسم إلى قسمين : قسم يجعل الطلاق واجبا وقسم يجعله محرما .
فأما القسم الأول فإنه يجب الطلاق في حالتين : الحالة الأولى أن يعجز عن اعفاف المرأة بأن كان عنينا بحسب خلقته . أو عرض له ما أقعده عن اتيانها بسبب مرض أو كبر وكانت المرأة تتوق للرجال فلا تستطيع عنهم صبرا فإنه يجب عليه في هذه الحالة طلاقها فرارا بعرضه وكرامته لأن إمساكها على هذه الحالة يترتب عليه فساد أخلاق وانتهاك حرمات وضياع أعراض وكل ذلك شر وبيل يجب القضاء عليه واجتنابه بكل الوسائل على أن العنة وعدم القدرة على اعفاف المرأة قد يكون سببا لإجبار الزوج على الطلاق في بعض الأحوال كما تقدم في بابه .
والحنابلة يقولون : إنه إذا عجز عن اتيانها كل أربعة أشهر فإن لها أن تطلب طلاقها ويطلق القاضي عليه . الأمر الثاني : أن يعجز عن الانفاق عليها وهذه الحالة أسوأ من الأولى لأن الذي يترك زوجته بدون انفاق فقد عرضها بذلك للفساد الدائم إذ لا مناص لها من الحصول على قوتها وملبسها وما يلزم من ضروريات العيش فتضطر لسلوك أخس السبل للحصول على ضرورياتها . خصوصا إذا كانت ممن يرغب فيها وقد يطيب لبعض فاسدي الأخلاق الاتجار بعرض زوجته وذلك واقع كثيرا ولذا أجمع ثلاثة من الأئمة على إجبار الرجل على تطليق زوجته إذا لم ينفق عليها أما الحنفية الذين يقولون : إن الطلاق في يد الرجل وحده فإنهم لا يتركون المرأة بدون نفقة بل يقولون : إن من لم ينفق ولم يسرح زوجته بالمعروف يعزره القاضي بالحبس ونحوه حتى يرغمه على الطلاق أو الإنفاق فهذان السببان هما اللذان يوجبان الطلاق على الزوج . ومتى كان الرجل قادرا على اعفاف المرأة وصيانة عرضها . وقادرا على الإنفاق عليها ولم يقصر معها في حقوقها فإنه لا يتصور وجوب الطلاق عليه عند ذلك .
ويجب أيضا إذا حكم به الحكمان في صورة الشقاق المذكورة في قوله تعالى : { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } فإذا قضي الحكمان بالطلاق فإنه يجب تنفيذ طلاقهما بعوض أو غير عوض خلافا للحنفية ولكن الواقع أن الشقاق مهما اشتد أمره فإنه قابل للزوال فلا يصح للحكمين تطليقها بسبب الشقاق إلا إذا أفضت معاشرتهما إلى فساد كأن ترتب على شقاقهما كره طبيعي يسوق المرأة إلى البحث عن غيره وخيانته في عرضه أو غير ذلك من المفاسد الخلقية والاجتماعية التي تقضي على الأسرة وتخل بنظامها فإنني أرى في هذه الحالة وجوب الفراق .
وأما القسم الثاني : فإن الطلاق يكون محرما في حالتين أيضا : .
احداهما : أن يطلقها فرارا من إعطائها حقها كما إذا كان تحته أكثر من زوجتين فأعطى بعضهن حقوقهن في القسم حتى إذا جاءت نوبة واحدة طلقها قبل أن يقسم لها لأن ذلك ظلم لها فلا يحل له أن يطلقها قبل أن يعطيها حقها . الحالة الثانية : أن تكون عفيفة مستقيمة وله فيها رغبة ويخشى على نفسه الزنا إذا طلقها لعدم قدرته على غيرها فإن في هذه الحالة يحرم عليه تطليقها وقد مثل بالأول الشافعية وبالثاني المالكية وكلاهما حسن لأن الغرض درء المفاسد بقدر المستطاع فهذه هي الأسباب التي ترجع إلى الزوج وبها يجب عليه الطلاق أو يحرم . أما الأسباب التي ترجع إلى الزوجة فإنها تارة تكون متعلقة بعرضها ودينها وتارة تكون متعلقة بعدم صلاحيتها للاستمتاع فإن كان الرجل يرتاب في سلوك المرأة أو اعتقد أنها زانية بالفعل أو كانت فاسقة بترك الصلاة ونحوها من الفرائض فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز للرجل أن يمسكها متى عجز عن تقويمها وتربيتها إلا أنهم اختلفوا في عدم الجواز فقال بعضهم : إنه يحرم عليه إمساكها ويجب عليه طلاقها وبعضهم قال : إنه يكره له إمساكها ويسن له طلاقها والأول مذهب الحنابلة ويظهر أن الذين قالوا بالكراهة فقط نظروا إلى ما عساه أن يترتب على تطليقها من شر وفساد يلحق الرجل فربما كان متعلقا بها لا يستطيع أن يسلوها فيضطر إلى معاشرتها بالحرام أو يكون غير قادر على ضبط نفسه وليس لديه من المال ما يتزوج به غيرها فيقع بسبب طلاقها في الزنا ومثل هذه الأمور تحتاط لها الشريعة الإسلامية كل الاحتياط .
فليس من محاسن التشريع الإسلامي المشهور بدقته أن يكون فراقها حتما لازما لأن النفوس تتفاوت . وحاجات الناس تختلف . فمن كان قوي الإرادة ذا غيرة وحماس فإن الشريعة تشجعه على طلاق فاسدة الأخلاق وتقول له : إن لك عليه أجرا ومن كان ضعيف الإرادة يؤذيه طلاق امرأته فإنها لم تحتم عليه طلاقها وذلك هو أعدل الموازين أما أنا فأميل إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد من أن المرأة فاسدة الأخلاق إذا عجز زوجها عن تقويمها ويئس من اصلاحها وعلم أنها غير مصونة العرض فإن طلاقها يكون واجبا وإمساكها يكون محرما . فإن الرضا بها معناه الرضا بتكوين أسرة فاسدة تضر المجتمع الإنساني إذ المرأة الفاسدة لا يقتصر ضررها عليها وحدها ولكنه يتناول أولادها ومن يتصل بها ومثل هذه يجب على الناس كلهم أن ينبذوها ولا يتخذوها أما لأولادهم ولا مربية لأبنائهم وبناتهم وهذا هو الذي تؤيده قواعد الدين الحنيف دين الأدب والأخلاق فقد حثت السنة على الغيرة على الأعراض وأوجبت الدفاع عنها في كثير من المواضع وزجرت الذي يرضى بالفساد زجرا شديدا فقد قال رسول الله A " ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا : الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر . فقالوا : يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال الذي لا يبالي من دخل على أهله . قيل : فما الرجلة من النساء ؟ قال : " التي تشبه بالرجال " رواه الطبراني وروى مثله النسائي والحاكم وقال : صحيح الإسناد وقد روى البخاري أن سعد بن عبادة قال للنبي A " لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح " فقال النبي A : " أتعجبون من غيره سعد ؟ لأنا أغير منه والله أغير مني " .
( يتبع . . . )