- كل من يملك حق التصرف في شيء كان له أن يوكل غيره فيه مادام ذلك الأمر يقبل النيابة كما هو موضح في الجزء الثالث في مباحث الوكالة ولا شك أن عقد النكاح من الأمور التي تصح النيابة في مباشرتها فيصح لكل من يملك تولي عقد الزواج أن يوكل غيره فيه على تفصيل في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : للمرأة البالغة بكرا كانت أو ثيبا أن توكل غيرها في مباشرة العقد . وكذلك للرجل البالغ الرشيد أن يوكل غيره وعلى الوكيل أن يضيف الزواج إلى موكله أو موكلته بأن يقول : زوجت فلانة موكلتي ويقول الوكيل : قبلت الزواج لموكلي فإذا قالت : قبلت الزواج لنفسي فإنه ينعقد له لا لموكله ويشترط في الوكيل أن يكون أهلا للتصرف سواء كان ذكرا أو أنثى فلا تصح وكالة الصبي الذي لا يعقل والمجنون الذي لا يفيق على التفصيل المذكور في الوكالة في الجزء الثالث على أن للمرأة العاقلة البالغة أن تباشر عقد زواجها بنفسها ثيبا كانت أو بكرا فلا يتوقف عقد زواجها على ولي ولا على وكيل يعقل أن يباشر عقد زواجه على امرأة له في زواجها مصلحة وله أن يوكل عنه في ذلك ما دام يعقل المصلحة وإنما الذي يناط امره بالولي لا محالة فهو الصغير الذي لا يميز . والمجنون جنونا مطبقا صغيرا كان أو كبيرا كما تقدم .
وقد علمت مما مضى أن الولي إذا استأذن البكر هو أو وكيله أو رسوله فسكتت أو ضحكت كان سكوتها توكيلا له بالزواج حتى لو قالت بعد ذلك : لا أرضى ولكنه زوجها قبل العلم برضاها صح الزواج لأن الوكيل لا ينعزل إلا إذا علم وإذا كان لها وليان فاستأذناها فسكتت فزوجاها معا من رجلين فإنه يصح عقد السابق منهما أما إذا زوجاها معا فأجازتهما معا بطلا وإن أجازت أحدهما صح لمن أجازته ولو زوجها فضولي بدون إذنها وعلمها سواء كان قريبا منها أو بعيدا وكانت بالغة عاقلة وأجازت النكاح فإنه يصح وكذا إذا زوج رجلا بدون إذنه وأجاز فإنه يصح ما دام العقد مستوفيا للشرائط الشرعية . فإذا مات الفضولي قبل إجازة العقد ثم أجازته أو أجازه الرجل فإنه يصح بخلاف البيع فإنه إذا باع شخص جمل آخر بدون إذنه مثلا فأجاز صاحب الجمل فإنه لا يصح إلا إذا كان الفضولي حيا وكان الجمل حيا وكان المشتري حيا وإن كان الثمن عروض تجارة يكون باقيا . فبيع الفضولي لا ينفذ إلا ببقائه حيا مع هذه الأشياء أما النكاح فيكفي وجود أحد العاقدين .
ولا ينفذ إقرار الوكيل بالنكاح فلو قال الوكيل : أقر بأنني زوجت موكلتي لفلان وأنكرت ولايته فإنه لا يصح إلا إذا شهد الشهود على النكاح أمام القاضي ومثل ذلك إقرار ولي الصغير والصغيرة فإنه لا ينفذ إلا أن ينصب القاضي خصما عن الصغيرة فينكر وتشهد البينة على النكاح . المالكية - قالوا : يجوز للولي أن يوكل عنه مثله في الشروط المتقدمة من ذكورة فلا يصح له أن يوكل أنثى . وبلوغ فلا يصح أن يوكل صبيا غير بالغ وحرية فلا يصح توكيل عبد . وإسلام فلا يصح توكيل كافر في زواج مسلمة أما الكافر فيتولى عقد الكافرة وإن عقد مسلم لكافرة ترك عقده . وعدم إحرام فلا يصح أن يوكل عنه محرما بالنسك أما الزوج فإنه يصح أن يوكل عنه الجميع إلا المحرم والمعتوه فيصح أن يقبل العقد عنه العبد والمرأة والكافر والصبي بطريق التوكيل .
وإذا قالت المرأة لوليها غير المجبر وكلتك على أن تزوجني ممن تحب وجب عليه أن يعين لها من أحبه قبل العقد فإنه لم يعين لها الحق في الإجازة والرد سواء اطلعت على العقد بعد حصوله بزمن قريب أو بعيد أما إذا وكل الرجل شخصا على أن يزوجه ولم يعين له المرأة التي يريدها فزوجه من امرأة لزمته بشرط أن تكون ممن تليق بمثله .
وإقرار وكيل المرأة بزواجها إذا أنكرت وادعاه الزوج صحيح بلا يمين أما إذا لم يدع الزوج ذلك فلا ينفع إقرار الوكيل ولها أن تتزوج من تشاء . وإن أذنت غير المجبرة لوليين فعقدا لها متعاقبين وعلم الأول والثاني كانت للأول بشروط ثلاثة : .
الشرط الأول : أن لا يتلذذ بها الزوج الثاني فإن تلذذ بها بأن عمل مقدمات الجماع من قبلة وعناق وتفخيذ ونحو ذلك وهو غير عالم بالعقد الأول كانت للثاني . الشرط الثاني : أن يكون الأول قد تلذذ بها قبله فإن تلذذ الثاني في هذه الحالة لا يفيد فإن لم يتلذذ بها الثاني أصلا أو تلذذ بها بعد تلذذ الأول فسخ نكاح الثاني بطلاق على الظاهر لأنه نكاح مختلف فيه ولهذا لو وطئها الثاني عالما لا يحد وترد للأول بعد العدة وقيل : يفسخ بدون طلاق ويرد للأول بعد الاستبراء .
فهذان شرطان والثالث : أن لا تكون في عدة وفاة من الأول فإن عقد لها على اثنين متعاقبين ثم مات أولهما كانت في عدته فيفسخ نكاح الأول وتنتظر حتى تكمل عدتها منه ولها الحق في ميراثه أما إذا عقدا في زمن واحد فإن العقدين يفسخان بلا طلاق .
الشافعية - قالوا : للولي أن يوكل عنه غير سواء كان وليا مجبرا أو غير مجبر فأما الولي المجبر فإنه يوكل عنه غيره بتزويج من له عليها الولاية بدون إذنها ورضاها سواء عين له الزوج الذي يريده في توكيله أو لم يعين ولو اختلفت أغراض الأولياء والزوجات في اختيار الأزواج لأن شفقة الولي تدعوه إلى أن لا يوكل عنه إلا من يثق بحسن نظره وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يزوجها من الكفء بمهر المثل فلو زوجها من غير كفء أو بدون مهر المثل فإنه لا يصح وإذا زوجها بكفء ولها طالب أكفأ منه فإنه لا يصح للوكيل أما الولي المجبر - وهو الأصيل - فيصح له ذلك لأنه غير متهم في نظره وشفقته . أما الولي غير المجبر فله أن يوكل غيره . بتزويج من له عليها الولاية وإن لم تأذن في التوكيل ولم يعين الولي زوجا في التوكل بشروط : .
أحدها : أن تأذن للولي في تزويجها قبل التوكيل لأن إذنها شرط في صحة تزويج الولي فلا يملك تزويجها بدونه وفي هذه الحالة لا يملك التوكيل .
ثانيها : أن لا تنهاه عن توكيل الغير فإذا نهته فلا يصح له أن يوكل .
ثالثها : إذا عينت له زوجا خاصا كأن قالت له : رضيت أن تزوجني من فلان فإنه يجب أن يعين من عينته له في التوكيل .
وإذا باشر وكيل الولي العقد يقول للزوج : زوجتك فلانة بنت فلان فيقول : قبلت فإذا باشر الولي العقد وكان الطرف الثاني وكيل الزوج يقول الولي للوكيل : زوجت بنتي فلانا فيقول وكيله : قبلت نكاحها له فإن له يقل له لم يصح النكاح ولو نواه لأن الشهود لا إطلاع لهم على النية وعلى الوكيل أن يصرح بالوكالة إذا لم يكن للزوج والشهود علم بها .
هذا ويشترط في الوكيل الشروط المذكورة في مباحث الوكالة فارجع إليها في صحيفة 148 وما بعدها جزء ثالث . ومنها أن لا يكون فاسقا فإن كان فاسقا فإنه لا يصح لأن الفسق يسلب الولاية من الأصل فلا يملكها الوكيل حينئذ . ومنها أن لا يكون صبيا ولا مغمى عليه ولا مجنونا ولا سكران متعديا بسكره الخ .
وإذا زوج وليان مستوليان امرأة من اثنين بعد إذنها لهما وكانا كفأين . فإذا علم السابق منهما كانت له حتى ولو بها الثاني . أما إذا لم يعلم السابق منهما فقيل : تصبح معلقة فلا يحل لأحدهما قربانها حتى يطلقها الآخر وتنقضي عدتها وقيل : هذه حالة ضرورة يفصل فيها الحاكم فيفسخ العقدين رفعا للضرر . أما إذا زوجها أحدهما لغير كفء والآخر للكفء فإنها تكون للكفء بشرط أن لا تكون الزوجة والأولياء قد أسقطوا الكفاءة برضائها ورضاء الولي فإن كانوا قد أسقطوها عادت المسألة . وكذلك إذا زوجها أحدهما بإذن والآخر من غير إذن فإنها تكون لمن تزوجها بالإذن ولو كان الأول سابقا .
الحنابلة - قالوا : يصح للولي المجبر وغيره أن يوكل عنه في تزويج من له عليها الولاية بدون إذن منها لأن الولي له حق مباشرة العقد فله أن يوكل عنه غيره في هذا الحق ويثبت لوكيل الولي ما للولي من إجبار وغيره إلا أنه إذا كانت المرأة غير مجبرة بأن كانت ثيبا بالغة أو سن تسع سنين بالنسبة للأب ووصيه أو كانت ثيبا كذلك أو بكرا بالغة عاقلة بالنسبة لغير الأب والوصي والحاكم فإنه ليس لوكيل الولي أن يزوجها من غير إذنها ورضاها كما أنه ليس للولي نفسه أن يزوجها بغير إذنها فإذا أذنت لوليها بتوكيل الغير عنه أو أذنته هو في تزويجها فوكل عنه فإنه لا يصح للوكيل أن يزوجها بدون أن يرجع إليها ويستأذنها فترضى .
ويشترط أن يستأذنها وكيل الولي بعد توكيله لا قبله وإلا فلا يصح .
ويشترط في الوكيل ما يشترط في الولي من ذكورة وبلوغ وغيرهما من الشروط المتقدمة لأن التوكيل في الولاية ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها على أنه يصح توكيل الفاسق في قبول النكاح فللزوج أن يوكل عنه فاسقا يقبل له النكاح لأنه هو لو كان فاسقا صح منه القبول وكذلك له أن يوكل النصراني ليقبل له زواج امرأة كتابية لا مسلمة .
للولي المذكور أن يوكل توكيلا مطلقا كأن يقول له : زوجها من شئت ويوكل توكيلا مقيدا فيقول : وكلتك على أن تزوجها من فلان وفي حالة الإطلاق يجب على الوكيل أن يزوجها بالكفء ولا يملك الوكيل به أن يزوجها من نفسه وفي حالة التقييد بمن عينه له : فإذا باشر الولي العقد بنفسه مع وكيل الزوج وجب على الولي أن يقول : زوجت فلانا فلانة أو زوجت فلانة لفلان بذكر اسميهما ويقول الوكيل : قبلت لموكلي فلان أو قبلته لفلان فإذا لم يقل : لفلان فإنه يصح اكتفاء بذكره أولا على الصحيح .
وكذا إذا باشر العقد وكيل الولي مع ولي الزوج فإنه يلزم أن يقول : زوجت فلانا فلانة بذكر اسميهما على البيان المتقدم