يشترط لصحة عقد الرهن أمور منها : أن يكون الراهن والمرتهن ممن تحققت فيهما أهلية البيع فلا يصح عقد الرهن من مجنون وصبي غير مميز ومنها : غير ذلك على تفصيل مبين في المذاهب .
( المالكية - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى أربعة أقسام : قسم يتعلق بالعاقدين الراهن والمرتهن . وقسم يتعلق بالمرهون وقسم يتعلق بالمرهون به وهو دين الرهن . وقسم يتعلق بالعقد فأما الأول : فهو كل من يقع بيعه صحيحا فكذلك يقع رهنه . وكل من يقع بيعه لازما فكذلك يقع رهنه فيشترط لصحة الرهن أن يكون الراهن مميزا فلا يصح من مجنون ولا من صبي غير مميز . أما الصبي المميز والسفيه ونحوهما فإن رهنهم يقع صحيحا ولكن لا يكون لازما إلا إذا أجازه الولي ويشترط أن يذكر ذلك في صلب عقد البيع أو القرض كأن يقول : بعتك هذه السلعة بثمن قدره كذا مؤجلا لمدة كذا برهن كذا أو أقرضتك مبلغ كذا إلى أجل كذا برهن كذا على أن هناك فرقا بين البيع وبين الرهن في حالة المرض فإن المريض إذا استدان وهو سليم فلا يصح أن يرهن في نظير الدين وهو مريض بخلاف البيع فإن له أن يقترض مالا وهو سليم ثم يبيع به عينا وهو مريض : .
أما إذا استدان وهو مريض فله أن يرهن في نظير ذلك الدين وهو مريض كما أن له بيعه . ويشترط للزوم الرهن التكليف فلا يلزم من الصبي كما ذكر آنفا . والرشد فلا يلزم رهن السفيه إلا بإذن الولي ويتضح من هذا أنه يجوز للولي سواء كان أبا أو وصيا أو قاضيا أن يرهن مال المحجور عليه الذي له عليه ولاية بشرط أن يكون ذلك في مصلحة المحجور عليه . كأن يرهنه لكسوته أو لطعامه أو لتعليمه إذا لم يجد شيئا غير ذلك . أما إذا كان الرهن لمصلحة الولي فإنه يقع باطلا ولا يلزم الولي ونحوه بيان السبب في الرهن . أما البيع فإنه لا يصح له أن يبيع مال المحجور عليه إلا بعد أن يثبت أن ذلك فيه مصلحة للمحجور عليه عند الحاكم .
وإذا كان للمحجور عليه وصيان فإنه لا يصح لأحدهما أن ينفرد برهن مال المحجور عليه بدون الاتحاد مع الآخر كما لا يصح له أن ينفرد ببيعه . وأما القسم الثاني وهو ما يتعلق بالمرهون : فهو أن ما يصح بيعه يصح رهنه وبالعكس . فلا يصح رهن النجس كجلد الميتة ولو بعد دبغه ولا رهن الخنزير ولا الكلب لأنه لا يجوز بيع ذلك . وكذلك الخمر سواء كانت ملكا لمسلم ورهنها عند مسلم أو ذمي أو كانت ملكا لذمي ورهنها عند مسلم . فإن رهنها فاسد على أي حال على أنه يستثنى من قاعدة كل ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه : الأشياء التي بها غرر كالثمرة التي لم تخلق والجنين الذي في بطن أمه والثمر قبل بدو صلاحه ونحو ذلك مما فيه غرر " أي خطر " بمعنى أن وجوده غير متحقق فقد يوجد لا يوجد فإنه لا يصح بيعه ولكن يصح رهنه .
فأما الذي فيه غرر شديد كالجنين في بطن أمه والثمرة التي لم توجد ففيه خلاف فقيل : لا يجوز رهنه كما لا يجوز بيعه وقيل : يجوز رهنه ولو عدة سنين . ومحل الخلاف ما إذا اشترط الراهن في عقد البيع أو القرض كأن قال له : بعتك هذه السلعة بثمن إلى أجل بشرط أن ترهن لي الجنين الذي في بطن الناقة أو ثمر حديقتك سنتين قبل أن يخلق . ومثل ذلك ما إذا قال له : أقرضتك كذا الخ أما إذا لم يشترط الرهن في عقد البيع أو القرض . بل باع لأجل أو أقرضه لأجل ولم يشترط رهن الجنين فإنه يجوز له أن يرهنه بعد ذلك بلا خلاف .
وأما الذي غرره غير شديد كالثمر قبل ظهور صلاحه فلا خلاف في جواز رهنه فإذا رهن الثمرة قبل بدو صلاحها فإنه ينتظر بدو صلاحها ثم يبيعها في الدين . وإذا مات الراهن أو أفلس قبل ظهور الصلاح وكان عليه دين لغير المرتهن وعنده مال آخر غير المرهون فإن للمرتهن أن يتشرك مع الغرماء بجميع دينه في المال الذي تركه غير المرهون لأن الدين متعلق بالذمة لا بالعين المرهونة وما دامت غير صالحة ووجد ما يفي لغيره من أرباب الديون فإن له الحق أن يسترك معهم في ذلك حتى إذا ظهر صلاح الثمرة بيعت واختص بثمنها إن وفى دينه ورد ما أخذه أولا وإن زاد رد الزيادة وإن نقص استوفى ماله والفرق بين حالة البيع وحالة الرهن : أن المالك له أن يقرض ماله أو بيعه لأجل بدون أن يرهن شيئا أصلا فيصح له أن يرهن شيئا محتمل الوجود والعدم لأنه خير من لا شيء على كل حال . ويشترط أن يكون الدين عينا فيصح رهن الدين بالدين سواء كان للمدين نفسه أو لغيره . ويشترط في رهن الدين للمدين : أن يكون أجل الدين الذي جعل رهنا أبعد من أجل الدين الذي هو سبب في الرهن أو مساويا له . فإن كان أقرب منه فإنه لا يصح . مثاله : أن يشتري شخص من آخر قمحا مثلا بمائة جنيه بثمن مؤجل إلى ثلاثة أشهر . أو كان للمشتري على البائع دين اقترضه منه أو اشترى به سلع ويحل دفعه بعد ثلاثة أشهر أو أربعة فإنه يصح أن يجعل الدين الذي له رهنا في الدين الذي عليه . أما إن كان الدين له وهو ما جعل رهنا أجله أقرب أو حل فإنه لا يصح جعله رهنا لأنه بعد حلول أجله يكون بقاؤه عند المدين سلفا في نظير بيعه القمح واجتماع بيع وسلف " باطل لما يجر إليه من الربا " .
أما رهن الدين بغير المدين وهو ما إذا كان لزيد مائة جنيه على عمرو وكان لعمرو مائة على خالد فإنه يصح لعمرو أن يرهن ماله من الدين على خالد لزيد في دينه الذي عليه وذلك بأن يسلم عمرا وثيقة الدين على خالد حتى يقبضه دينه .
ولا يشترط في صحة الرهن أن يكون المرهون مقبوضا كما لا يشترط القبض في انعقاده ولزومه فيصح الرهن وينعقد ويلزم وإن لم يقبض المرتهن المرهون بل يتحقق الرهن بالإيجاب والقبول فليس للراهن أن يرجع بعد ذلك وعلى المرتهن أن يطالب بالقبض .
ولا يشترط أن يكون المرهون غير مشاع بل يصح رهن المشاع كما تصح هبته وبيعه ووقفه سواء كان عقارا أو عروض تجارة أو حيوانا فإذا كان لشخص دين على آخر فله أن يرهنه جزءا مشاعا من داره مقابل ذلك الدين ولو كانت الدار ملكا للراهن كما أن له أن يرهنه نصيبه المشاع في دار له شريك فيها إلا أنه إذا رهن جزءا شائعا من دار يملكها جميعها . فإن المرتهن يضع يده عليها كلها لأن الراهن لو وضع يده معه لكانت يده ممتدة إلى الجزء الشائع أيضا فيبطل الرهن لأن من شروط صحته أن لا يكون للراهن عليه يد .
ولا يشترط أن يستأذن الراهن شريكه في رهن نصيبه إنما يندب له ذلك كما أن لشركيه الحق في أن يقسم ولكن بإذن الراهن وله أنيبيع بدون إذنه .
ويصح رهن المستعار كأن يستعير شخص من آخر عينا ليرهنها في دين عليه فإن وفى المستعير دينه رجعت العين المستعارة لصاحبها وإلا بيعت في الدين المرهونة بسببه ورجع صاحبها وهو المعير بقيمة العين على الذي استعارها وتعتبر القيمة يوم إعارتها وإذا استعار سلعة على أن يرهنها في ثمن قمح فرهنها في ثمن لحم كان عليه ضمانها لتعديه بمخالفته لما وصفه لصاحبها وللمعير أن يأخذها من المرتهن وتبطل العارية .
ويصح رهن الشيء المستأجر عنده من استأجره له قبل مضي مدة الإجارة فإذا استأجر دارا من شخص لمدة سنة ثم رهنها منه قبل مضي تلك المدة فإنه يصح ووضع يده عليها أولا يعتبر قبضا لها .
ويصح رهن المكيل والموزون والمعدود بشرط أن يجعل في مكان مغلق عليه طابع " ختم " بحيث لو فتح مكانه يعرف فإذا لم يطبع عليه لا يصح رهنه خوفا من أن يجعل الدين الذي أخذه الراهن سلفا وأن السلعة التي رهنها هي رهن صوري وإنما هي فائدة للمدين فيكون ربا . وإذا وضع المكيل والموزون عند أمين : لا يشترط طبعه . وأما القسم الثالث وهو ما يتعلق بدين الرهن : فيشترط فيه أن يكون الدين لازما حالا أو مالا فيصح الرهن في الجعل وهو ما يجعله الإنسان لآخر في نظير عمل فإذا قال له : ابن لي هذه الدار بمائة فإنه يصح أن يرهنه في نظيرها عينا لأن المائة وإن لم تكن دينا لازما ابتداء ولكن مآلها إلى اللزوم / وخرج بالدين : الوديعة ونحوها مما ليس بدين فإنه لا يصح أن يرهن لمودع عنده عينا للمودع مقابل وديعته لأن الوديعة ليست دينا عنده .
ويصح أن يبيع شخص شيئا لآخر بثمن مؤجل ثم يرهن في نظير ثمنه شيئا كما يصح للأجير أن يأخذ رهنا في أجر عمله الذي يشرع فيه لأنه دين لازم مآلا كالحداد والنجار والبناء . وكذلك يصح لمن يستأجر على عمل أن يأخذ رهنا من العامل الذي أعطاه أجره حتى يتمه له . ويصح أن يرهنه شيئا مقابل الوعد بإعطائه قرضا كأن يقول له : خذ هذا رهنا عندك في نظير ما أقترضه منك أو ما يقترضه منك فلان أو في نظير ما تبيعه لي أو تبيه لفلان فالرهن صحيح لازم لأنه ليس من شرط صحة الرهن أن يكون الدين ثابتا قبل الرهن ولكن لا يستمر لزومه إلا إذا حصل قرض أو بيع في المستقبل فإن لم يحصل كان للراهن أخذ رهنه . وأما القسم الرابع وهو ما يتعلق بالعقد : فهو أن يشترط شرطا منافيا لمقتضى العقد مثلا : عقد الرهن يقتضي أن المرهون يقبض من الراهن وأنه يباع إذا لم يوف الراهن الدين فإذا شرط الراهن أن لا يقبض منه وأن لا يباع في الدين الذي رهن فيه كان ذلك الشرط مناقضا لما يقتضيه عقد الرهن فيبطل .
الحنفية - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى ثلاثة أقسام .
- 1 - شرط انعقاد .
- 2 - شرط صحة . ويسمى الجواز .
- 3 - شرط لزوم . فأما القسم الأول وهو شرط الانعقاد : فهو أن يكون المرهون مالا وأن يكون المرهون به المقابل له وهو دين الرهن مضمونا فمثال ما ليس بمال : الميتة والدم ونحوهما من كل ما لا يعتبره الشرع مالا فلا يصح أن يكون شيء منه مرهونا : ومثال المرهون به غير المضمون : الأمانات . والوديعة . فإذا وضع شخص عند آخر أمانة فلا يصح أن يرهن بها عينا فإذا فعل ذلك وقع الرهن باطلا لأن الأمانة إذا هلكت عند الأمين بآفة سماوية فلا يضمنها ولا يلزم بشيء لصاحبها وإذا استهلكت بفعل فاعل لم تكن أمانة وإنما تكون مغصوبة وعلى كل حال فلا تصلح بعنوان كونها أمانة أن تكون سببا في الرهن . ومثل الأعيان غير المضمونة : الأعيان الشبيهة بالمضمونة وتسمى الأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع قبل قبضه فإذا باع شخص لآخر سلعة ولم يقبضها المشتري فإنه لا يجوز للبائع أن يرهن للمشتري سلعة أخرى في مقابلها حتى يسلمها له فإذا فعل يقع الرهن باطلا لأن المبيع إذا هلك في يد البائع لا يكون مضمونا عليه بغير الثمن بمعنى أنه يرد الثمن على المشتري إن كان قد قبضه فإن لم يكن قد قبضه فإنه يسقط ولا شيء عليه . وبعضهم يقول : إن الرهن جائز وعليه الفتوى لأن المرهون مال والمبيع متقوم مضمون بالثمن فيصح أن يكون سببا في الرهن كالدين .
أما الأعيان المضمونة بأنفسها فإنه يصح أن تكون مرهونا بها : وهي الأعيان التي لها مثل كالمكيلات والموزونات والمعدودات والأعيان التي ليس لها مثل ولكن لها قيمة كالحيوان والثوب لأنها إذا هلكت تكون مضمونة بمثلها إن كان لها مثل وبقيمتها إن لم يكن لها مثل .
ومن ذلك تعلم أن الأعيان بالنسبة للضمان وغيره ثلاثة أقسام : مضمونة بأنفسها . وهي : المثلية والقيمية ومضمونة بغيرها وهي المضمونة بمثنها وليست مضمونة أصلا .
فالمضمونة يصح أن تكون سببا في الرهن بلا خلاف . والشبيهة بالمضمونة فيها الخلاف الذي سمعته وغير المضمونة لا يصح أن تكون سببا في الرهن بلا خلاف . ومن المضمونة العين المغصوبة فإذا باع شخص لآخر عينا مغصوبة ورهن له شيئا في نظيرها حتى يستلمها فإن الرهن يصح لأنها إذا هلكت تكون مضمونة على الغاصب ومثلها العين التي جعلها مهرا أو بدلا عن خلع فإنه يصح أن يرهن شيئا في مقابلها حتى يستلمها صاحبها لأنها مضمونة .
ومن الأعيان غير المضمونة : العين المأخوذة بالشفعة فإذا اشترى شخص عينا فطلبها من له حق الشفعة فإنه يجب في هذه الحالة تسليمها ولا يصح للمشتري أن يرهن بها للشفيع عينا حتى يسلمها له وإذا فعل يقع ذلك في الرهن باطلا لأن الرهن يكون قد وقع في مقالبل عين غير مضمونة لأن العين المبيعة ليست مضمونة على المشتري فإذا هلكت في يده قبل أن يستلمها الشفيع فلا شيء عليه .
ومثل ذلك الكفالة بالنفس كما إذا كان لمحمد دين على خالد فكفل عمرو شخص خالد على أن يحضره لمحمد بعد سنة مثلا فإن لم يحضره يكون ملزما بالدين الذي عليه فلا يصح لعمرو في هذه الحالة أن يأخذ رهنا من المكفول وهو خالد في نظير هذه الكفالة لأنه لا يجب على خالد دين حتى يأخذ عمرو في نظيره رهنا . فإذا وقع يكون باطلا . وذلك لأن سبب الرهن وهو المرهون به إما أن يكون دينا حقيقة أو دينا حكما .
والدين الحكمي : هو الأعيان المضمونة بأنفسها لأنها هي ليست نفس الدين وإنما الدين مثلها أو قيمتها لأنها إذا هلكت كان الواجب المثل في المثلي أو القيمة في القيمي فيصح أن تكون الأعيان المضمونة سببا للرهن كالدين الحقيقي .
ولا يشترط في الدين أن يكون مقدما على الرهن بل يصح أن يرهن شيئا في مقابل دين يعده به فإذا وعده أن يقرضه ألفا على أن يرهنه داره فرهنها له على ذلك صح الرهن فإذا دفع له بعض ما وعده به وامتنع فإنه لا يجبر على دفع الباقي . وإذا هلك هذا الرهن في يد المرتهن كان مضمونا عليه بالدين إذا كان الدين مساويا للقيمة أو أقل . أما إذا كان الدين أكثر كان مضمونا بالقيمة . وكذلك يشترط في الدين أن يكون عينا فلا يصح رهن الدين ابتداء أما إذا رهن عينا فباعها المرتهن بإذنه فإن ثمنها يكون رهنا بدلها لأن الثمن وإن لم يكن عينا لكنه يرهنه ابتداء بل هو بدل عن القيمة المرهونة .
هذا ويصح رهن الذهب والفضة . فإن رهن كل منهما بجنسه وهلك هلك بمثله وإن رهن بغير جنسه كالذهب بالفضة أو الحنطة وهلك هلك بقيمته .
( يتبع . . . )