أقول أما اشتراط كونه مباحا فلأن ملك الغير الذي لم يأذن الشرع باستعماله يكون مغصوبا وذلك ينافي التقرب به لأن بتلك القربة وهي الوضوء وما يترتب عليه يؤجر عليها الفاعل وغصب مال الغير يعاقب عليه الغاصب له والطاعة والمعصية لا يجتمعان .
وقد يقال إنه يؤجر عليه من وجه ويعاقب عليه من وجه آخر .
ويجاب عن ذلك بان الوجه الذي استحق به الأجر هو استعمال ذلك الماء وبهذا الاستعمال كان استهلاك ما هو ملك للغير .
وعلى كل حال فقد ثبت النهي عن أكل مال الغير واستهلاكله والانتفاع به والنهي يقتضي الفساد المرادف للبطلان على ما هو الحق إذا كان النهي لذات المنهي عنه أو لجزئه أو لوصفه الملازم له لا الخارج عنه .
وأما المنع من التطهر بالماء الذي شيب بمستعمل فلا وجه له إذا لم يخرج بالاستعمال عن الماء المطلق .
والحاصل أن الماء طاهر مطهر فمن ادعى خروجه عن كونه طاهرا أو مطهرا لم يقبل منه ذلك إلا بدليل وهذا الأصل هو مجمع عليه فالرجوع إليه متحتم حتى ينقل عنه ناقل صحيح صالح للاحتجاج به ولا يصلح للاحتجاج ما ورد في أمور خاصة لم يصرح فيها بأن السبب هو الاستعمال كحديث النهي عن الاغتسال في الماء الدائم فإنه لم يرد البيان من الشارع بأن سبب النهي أن يصير مستعملا والمستعمل غير مطهر .
وغاية ما يمكن أن يستخرج منه أن علة النهي هي أنه يفسد الماء بذلك لكونه دائما غير جار ويؤيد ذلك أنه ورد النهي عن البول في الماء الدائم كما ورد النهي عن الاغتسال فيه بل ورد النهي عن الجمع بينهما في حديث واحد فلا يصلح ذلك دليلا بمحل النزاع .
وهكذا حديث إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها