والحاصل أن من لا عدالة له لا يوثق بحكمه ولا يلزم الخصوم قبوله وبهذا يبطل الغرض من نصبه مع كونه مظنة للحكم بخلاف الحق زاعما أنه الحق لغرض من الأغراض الدنيوية فإن فاقد العدالة لا يتورع من شيء .
قوله وولاية من إمام حق .
أقول وجه هذا أنه لم يتصدر أحد في زمن النبوة للقضاء إلا بأمره A ولا تصدر أحد في أيام الخلفاء الراشدين للقضاء إلا بأمر من الخليفة وهذا أمر ظاهر لا ينبغي أن ينكر وأما التحكيم فهو باب آخر ليس من القضاء في شيء لأن الخصمين ألزما أنفسهما بقبول ما حكم به المحكم بينهما فكان هذا الإلزام هو سبب اللزوم وقد فتح الله باب التحكيم في كتابه العزيز وثبت في السنة المطهرة كما في جزاء الصيد وفي حكم سعد في قصة بني قريظة وغير ذلك وهكذا استمر الأمر بعد انقضاء عصر الخلفاء الراشدين فلم يسمع بقاض إلا بولاية من سلطان زمانه إلى هذه الغاية .
وأما اشتراط أن يكون الإمام حق فقد ثبت وجوب الطاعة لمن بايعه المسلمون بالأحاديث المتواترة وثبت الأمر بالصبر على جور الجائرين وظلم الظالمين مع أمرهم بما هو معروف ونهيهم عما هو منكر ومن الطاعة الواجبة أن لا يتولى أحد بولاية إلا بإذن منهم وإلا كان ذلك من المنازعة في الأمر وقد ثبت تحريم ذلك ما أقاموا الصلاة ما لم يظهر منهم كفر بواح والأحاديث الصحيحة في مثل هذا أكثر من أن تحصر وقد كان القضاة من التابعين وتابعيهم وهما القرنان اللذان هما خير القرون بعد قرن الصحابة يأخذون الولاية من الملوك المعاصرين لهم من الأموية والعباسية ثم هكذا من تولى