- قوله " ألا أخبركم بخير الشهداء " جمع شهيد كظرفاء جمع ظريف ويجمع أيضا على شهود . والمراد بخير الشهداء أكملهم في رتبة الشهادة وأكثرهم ثوابا عند الله .
قوله : " قبل أن يسئلها " في رواية قبل أن يستشهد وهذه هي شهادة الحسبة فشاهدها خير الشهداء لأنه لو لم يظهرها لضاع حكم من أحكام الدين وقاعدة من قواعد الشرع .
وقيل أن ذلك في الأمانة والوديعة ليتيم لا يعلم مكانها غيره فيخبر بما يعلم من ذلك .
وقيل هذا مثل في سرعة إجابة الشاهد إذا استشهد فلا يمنعها ولا يؤخرها كما يقال الجواد يعطي قبل سؤاله عبارة عن حسن عطائه وتعجيله .
قوله : " خير أمتي قرني " قال في القاموس القرن يطلق من عشرة إلى مائة ووعشرين سنة ورجح الإطلاق على المائة وقال صاحب المطالع القرن أمة هلكت فلم يبق منهم أحد .
قال في النهاية القرن أهل كل زمان وهو مقدار المتوسط في أعمار أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم . قيل القرن أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مائة وقيل هو مطلق من الزمان وهو مصدر قرن يقرن اه .
قال الحافظ لم نر من صرح بالتسعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل . والمراد بقرنه صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث هم الصحابة كما في حديث أبي هريرة المذكور بلفظ " الذي بعثت فيه " والمراد بالذين يلونهم التابعون والذين يلونهم تابعوا التابعين .
وفيه دليل على أن الصحابة أفضل الأمة والتابعين أفضل من الذين بعدهم وتابعي التابعين أفضل ممن بعدهم . وثم أحاديث معارضة في الظاهر لهذا الحديث وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله في باب ذكر من حلف قبل أن يستحلف وهو آخر أبواب الكتاب .
قوله : " يخونون " بالخاء المعجمة مشتق من الخيانة . وزعم ابن حزم أنه وقع في نسة " يحربون " بسكون المهملة وكسر الراء بعدها موحدة قال فإن كان محفوظا فهو من قولهم حربة يحربه إذا أخذ مله وتركه بلا شيء ورجل محروب أي مسلوب المال .
قوله : " ولا يؤتمنون " من الأمانة أي لا يثق بهم لخيانتهم .
وقال النووي وقع في نسخ مسلم " ولا يتمنون " بتشديد الفوقية .
قال غيره هو نظير قوله " يتزر " بالتشديد موضع يأتزر .
قوله : " ويظهر فيهم السمن " يكسر المهملة وفتح الميم بهدها نون أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن .
وقال ابن التين المراد ذم محبته وتعاصيه لا من يخلق كذلك .
وقيل المراد يظهر فيهم كثرة المال .
وقيل المراد أنهم يتسمنون أي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لم من الشرف .
قال في القتح ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادا .
وقد ورد في لفظ من حديث عمران عند الترمذي بلفظ " ثم يجيء قوم متسمنون ويحبون السمن " قال الحافظ وهو ظاهر في تعاطي السمن على حقيقته فهو أولى ما حمل عليه خبر الباب وإنما كان ذلك مذموما لأن السمين غالبا يكون بليد الفهم ثقيلا عن العبادة كما هو مشهور .
قوله : " ويشهدزن وولا يستشهدون " يحتمل أن يكون التحمل بدون تحميل أو الأداء بدون طلب .
قال الحافظ والثاني أقرب وأحاديث الباب متعارضة فحديث زيد بن خالد الجهني يدل على استحباب شهادة الشاهد قبل أن يستشهد . وحديث عمران وأبي هريرة يدلان على كراهة ذلك .
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فبعضهم جنح إلى الترجيح فرجح ابن عبد البر حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على حديث عمران لكونه من رواية أهل العراق وبالغ فزعم أن حديث عمران المذكور لا أصل له وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه وانفرد مسلم بإخراج حديث زيد وذهب آخرون إلى الجمع فمنهم من قال أن المراد بحديث زيد من عنده شهادة لأنسان بحق لا يعلم بها صاحبها فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها العالم بها ويخلف ورثة فيأتي الشاهد إلى وريته فيعلمهم بذلك قال الحافظ وهذا أحسن الأجوبة وبه أجاب يحيى بن سعيد شيخ مالك ومالك وغيرهما ثانيها أن المراد بحديث زيد شهادة الحسبة وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضا ويدخل في الحسبة مما يتعلق بحق الله أو فيه شائبة منه العتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق والحدود ونحو ذلك ( وحاصله ) أن المراد بحديث زيد الشهادة في حقوق الله وبحديث عمران وأبي الإجابة إلى الأداء فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل أن يسئلها وهذه الأجوبة مبينة على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم أنه لا يكون إلا بعد الطلب من صاحب الحق فيخص ذم من يشهد قبل أن يستشهد بمن ذكر ممن يخبر بشهادته ولا يعلم بها صاحبها وذهب بعضهم إلى جواز أداء الشهادة قبل السؤال على ظاهر عموم حديث زيد وتأولوا حديث عمران بتأويلات . أحدها أنه محمول على شهادة الزور أي يؤدون شهادة لم يسبق لهم تحملها وهذا حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم . ثانيها المراد بها الشهادة في الحلف يدل عليه ما في البخاري من حديث ابن مسعود بلفظ " كانوا يضربوننا على الشهادة " أي قول الرجل أشهد بالله ما كان إلا كذا على معنى الحلف فكره ذلك كما كره الإكثار من الحلف واليمين قد تسمى شهادة كما تقدم وهذا جواب الطحاوي . ثالثها المراد بها الشهادة على المغيب من أمر الناس فيشهد على قوم أنهم في النار وعلى قوم أنهم في الجنة بغير دليل كما يصنع ذلك أهل الأهواء حكاه الخطابي . رابعها المراد به من ينتصب شاهدا وليس من أهل الشهادة . خامسها المراد مهما أمكن فهو مقدم على الترجيح فلا يصار إلى الترجيح في أحاديث الباب وقد أمكن الجمع بهذه الأمور