- حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي والدارقطني وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان وله طرق وقد أعله ابن الجوزي فقال هذا حديث لا يصح .
قال الحافظ ابن حجر وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي له .
وقد ذكر الدارقطني الخلاف فيه على سعيد المقبري قال والمحفوظ عن سيد المقبري عن أبي هريرة قال المنذري وفي إسناده عثمان بن محمد الأخنسي .
قال النسائي ليس بذاك القوي قال وإنما ذكرناه لئلا يخرج من الوسط ويجعل عن ابن أبي ذئب عن سعيد انتهى . فلا تتم التقوية بإخراج النسائي للحديث كما زعم الحافظ . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا البيهقي في شعب الإيمان والبزار وفي إسناده مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه جماعة وحديث أبي هريرة الثاني حسنه السيوطي . وحديث عائشة أيضا أخرجه العقيلي وابن حبان والبيهقي .
قال البيهقي عمران بن الحطان الراوي عن عائشة لا يتابع عليه ولا يتبين سماعه منها . ووقع في رواية الإمام أحمد من طريقه قال دخلت على عائشة فذاكرتها حتى ذكرنا القاضي فذكره فقال في مجمع الزوائد وإسناده حسن . وحديث أبي أمامة حسنه السيوطي وفي معناه أحاديث منها حديث عبادة المذكو بعده . ومنها حديث أبي هريرة عند البيهقي في السنن بلفظ " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجوز " ومنها حديث ابن عباس " ما من أمير يؤمر على عشرة إلا سئل عنهم يوم القيامة " أخرجه الطبراني في الكبير وأخرج البيهقي حديث آخر عن أبي هريرة بمعنى حديثه هذا . وحديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبيهقي في السعب من حديث سعد بن عبادة . وحديث عبد الله بن أبي أو في أخرجه أيضا الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن وابن حبان وحسنه الترمذي .
قوله : " قد ذبح بغير سكين " بضم الذال المعجمة مبني للمجهول قال ابن الصلاح المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب الآخرة إن فسد .
وقال الخطابي ومن تبعه إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين والثاني أن الذبح بالسكين فيه راحة للمذبوح وبغير السكين كالخنق أو غيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير .
قال الحافظ في التلخيص ومن الناس من فتن بحب القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال إنما قال ذبح بغير سكين إشارة إلى الرفق به ولو ذبح بالسكين لكان أشق عليه ولا يخفى فساده انتهى . وحكى ابن رسلان في شرح السنن عن أبي العباس أحمد بن القاص أنه قال ليس في هذا الحديث عندي كراهية القضاء وذمه إذ الذبح بغير سكين مجاهدة النفس وترك الهوى والله تعالى يقول { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } . ويدل على ذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أبا هريرة عليك بطريق قوم إذا فزع الناس أمنوا قلت من هم يا رسول الله قال هم قوم تركوا الدنيا فلم يكن في قلوبهم ما يشغلهم عن الله قد أجهدوا أبدانهم وذبحوا أنفسهم في طلب رضا الله فناهيك به فضيلة وزلفى لمن قضى بالحق في عباده إذ جعله ذبيح الحق امتحانا لتعظظ له الثوبة امتنانا وقد ذكر الله قصة إبراهيم خليله عليه السلامز وقوله " يا بني أني أرى في المنام أني أذبحك " فإذا جعل الله إبراهيم في تسليمه لذبح ولده مصدقا فقد جعل ابنه لاستسلامه للذبح ذبيحا ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " أنا ابن الذبيحين " يعني إسماعيل وعبد الله فكذلك القاضي عندنا لما استسلم لحكم الله واصطبر على مخالفة الأباعد والقارب في خصوماتهم لم تأخذه في الله لومة لائم حتى قاده إلى مر الحق جعله ذبيحا للحق وبلغ به حال الشهداء الذين لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله وقد ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا ومعاذا ومعقل بن يسار فنعم الذابح ونعم المذبوح .
وفي كتاب الله الدليل على الترغيب فيه بقول { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } إلى آخر الآيات انتهى . وحديث أبي هريرة الذي ذكره لا أدري من أخرجه فيبحث عنه وعلى كل حال فحديث الباب وارد في ترهيب القضاة لا في ترغيبهم وهذا هو الذي فهمه السلف والخلف من جعله من الترغيب فقد ابعد وقد استروح كثير من القضاة إلى ما ذكره أبو العباس وأنا وإن كنت حال تحرير هذه الأحرف منهم ولكن الله يحب الإنصاف وقد ورد في الترغيب في القضاة ما يغني عن مثل ذلك التكلف فأخرج الشيخان من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران " ورواه الحاكم والدار قطني من حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بلفظ " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله عشرة أجور " وفي إسناده فرج بن فضاله وهو ضعيف وتابعه ابن لهيعة بغير لفظه ورواه أحمد من طريق عمرو بن العاص بلفظ " إن أصبت القضاء فلك عشرة أجور وإن اجتهدت فأخطأت فلك حسنة " وإسناده ضعيف أيضا .
وأخرج أحمد في مسنده وابو نعيم في الحلية عن عائشة " أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال السابقون إلى ظل الله يوم القيامة الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوا بذلوه وغذا حكموا بين الناس حكموا كحكمهم لأنفسهم " وهو من رواية ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عنها قال أبو نعيم تفرد به ابن لهيعة عن خالد .
قال الحافظ وتابعه يحيى ابن أيوب عن عبد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم وهو ابن عبد الرحمن عن عائشة ورواه أبو العباس ابن القاص في كتاب آداب القضاء له . ومن الأحاديث الواردة في الترغيب حديث عبد الله بن عمر المذكور في الباب . ومنها حديث ابن عباس " إذا جلس الحاكم في مكانه هبط عليه ملكان يسدد أنه ويوفقانه ويرشدانه ما لم يجر فإذا جار عرجا وتركاه " أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن زيد الأشعري عن ابن جريح عن عطاء عنه وإسناده ضعيف قال صالح جزرة هذا الحديث ليس له أصل وروى الطبراني معناه من حديث وائلة بن الأسقع .
وفي البزار من رواية إبراهيم بن خيثم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا " من ولي من أمور المسلمين شيئا وكل الله به ملكا عن يمينه وأحسبه قال وملكا عن شماله يوفقانه ويسدد أنه إذا أريد به خير ومن ولى من أمور المسلمين شيئا فأريد به غير ذلك وكل إلى نفسه " قال ولا نعلمه يروي بهن اللفظ إلا من حديث عراك وإبراهيم ليس بالقوب . ومن أحاديث الترغيب حديث عبد الله بن أبي أو في المذكور في الباب . ولكن هذه الترغيبات إنما هي في حق القاضي العادل الذي لم يسال القضاء ولا استعان به على بالشفعاء وكان لديه من العلم لكتاب الله وسنة رسوله ما يعرف به الحق من الباطل بعد إحراز مقدار من آلاتهما يقدر به على الاجتهاد في إبراده وإصداره .
وأما من كان بعكس هذه الأوصاف أو بعضها فقد أوقع نفسه في مضيق وباع آخرته بدنياه لأن كل عاقل يعلم أن من تسلق للقشاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة جهلا بسيطا أو جهلا مركبا أو من كان قاصرا عن رتبة الاجتهاد فلا حامل له على ذلك إلا حب المال والشرف أو أحدهما إذ لا يصح أن يكون الحامل من قبيل الدين لأن الله لم يوجب على من لم يتمكمن من الحكم بما أنزل من الحق أن يتحمل هذا العبء الثقيل قبل تحصيل شرطه الذي يحرم قبوله قبل حصوله فعلم من هذا أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام الله بدون ما شرطه ليس إلا الدنيا لا الدين فإياك والاغترار بأقوال قوم يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم فإذا .
لبسوا لك أثواب الرياء والتصنع وأطهروا شعار التغرير والتدليس والتلبيس وقالوا مالهم بغير الحق حاجة ولا أرادوا إلا تحصيل الثواب الأخروي فقيل لهم دعوا الكذب على أنفسكم يا قضاة النار بنص المختار فلو كنتم تخشون الله وتتقونه حق تقاته لما أقدمتم على المخاطرة بادئ بدء بدون إيجاب من الله ولا إكراه من سلطان ولا حاجة من المسلمين وقد كثر التتابع من الجهلة في هذا المنصب الشريف واشتروه بالأموال ممن هو أجهل منهم حتى عمت البلوى جميع الأقطار اليمنية .
قوله " فهوى أربعين خريفا " قال في النهاية هو الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء ويريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة فإذا انقضى أربعون خريفا انقضت أريعون سنة .
قوله : " ويل للعرفاء " بضم العين المهملة وفتح الراء والفاء جمع عريف .
قال في النهاية وهو القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل والعرافة عمله . وسبب الوعيد لهذه الطوائف الثلاث وهم الأمراء والعرفاء والأمناء أنهم يقبلون ويطاعون فيما يأتون به فإذا جاروا الرعايا جاروا وهم قادرون فيكون ذلك سببا لتشديد العقوبة عليهم لأن حق شكر النعمة التي امتازوا بها على غيرهم أن يعدلوا ويستعملوا الشفقة والرأفة .
قوله : " أو أوبقه أئمة " بالباء الموحدة والقاف قال في النهاية يقال وبق يبق ووبق يوبقإذا هلك وأوبقه غير فهو موبق .
قوله : " كلتا يديه يمين " قال في النهاية أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأن الشمال تنقص عن يمين . وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجواره إلى الله فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة والله منزه عن التشبيه والتجسيم