- حديث أسماء بنت عميس أخرجه أيضا النسائي ويشهد له حديث جابر المتقدم في الباب الأول وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات لأنه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنها . وحديث سهل أخرجه أيضا في الموطأ والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه ووقع في رواية ابن ماجه من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فذكر الحديث .
قوله : " يأمرني أن استرقي من العين " أي من الأصابة بالعين قال المازري أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى لأن كل شيء ليس محلا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل فهو من مجوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبريه في الآخرة من الأمور .
قوله : " فلو كان شيء سبق القدر لسبقته العين " فيه رد على من زعم من المتصوفة إن قوله العين حق يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام فإن عين الشيء حقيقته والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق لا شيء يحدثه الناظر في المنظور ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب أما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه إياها وأما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر إذ القدر عبارة عن سابق علم الله وهو لا راد لأمره أشار إلى ذلك القرطبي وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس " قال الراوي يعني بالعين .
قوله : " العين حق " أي شيء ثابت موجود من جملة ما تحقق كونه .
قوله : " وإذا استغسلتم فاغسلوا " أي إذا طلبتم للاغتسال فأغسلوا أطرافكم عند طلب المعيون ذل من العائن وهذا كان أمرا معلوما عندهم فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم وأدنى ما في ذلك رفع الوهم وظاهر الأمر الوجوب وحكى المازري فيه خلاف وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء فيه فإنه يتعين وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الأغتسال .
قوله " بشعب الخرار " بمعجمة ثم مهملتين قال في القاموس هو موضع قرب الجحفة .
قوله : " فلبط " بضم اللام وكسر الموحدة لبط الرجل فهو ملبوط أي صرع وسقط إلى الأرض .
قوله : " وداخلة أزاره " يحتمل أن يريد بذلك الفرج ويحتمل أن يريد طرف الأزار الذي يلي جسده من الجانب الأيمن وقد اختلف في ذلك على قولين ذكرهما في الهدى وقد بين في الحديث صفة الغسل .
قوله : " ثم يكفأ القدح وراءه " زاد في رواية على الأرض .
قال المازري هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه .
وقال ابن العربي ان توقف فيه متشرع قلنا يهل الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة .
قال ابن القيم هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعليها مجربا غير معتقد وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما يفعل بالخاصة فما الذي ينكر جهلتهم من الخواص الشرعية هذا مع أن في المعالجة بالأغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن فكأن أثر تلك العين شعلة نار وقعت على جسد المعيون ففي الأغتسال اطفاء لتلك العلة ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شيء أرق من العين فكان في غسلها ابطال لعملها ولا سيما للأرواح الشيطانية في تلك المواضع .
وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظرة فأما عند الأصابة وقبل الأستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة " إلا بركت عليه " وفي رواية ابن ماجه فليدع بالبركة ومثله عند ابن السنى من حديث عامر ابن ربيعة .
وأخرج البزار وابن السنى من حديث أنس رفعه من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره وقد اختلف في القصاص بذلك فقال القرطبي لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر .
قال الحافظ ولم تتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه وقالوا أنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا .
وقال النووي في الروضة ولا دية فيه ولا كفارة لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال ممالا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلا وإنما غايته حسد وثمن لزوال نعمة وأيضا فالذي ينشأ عن الأصابة يحصل له مكروه لذلك الشخص ولا يتعين المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين . ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وإن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر بمنعه من مخالطة الناس وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة .
قال النووي هذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه