- حديث سلمان قيل لم يوجد في سنن الترمذي ويدل على ذلك أنه روى صاحب جامع الإصول شطرا منه من قوله الحلال ما أحل الله الخ ولم ينسبه إلى الترمذي بل بيض له ولكنه قد عزاه الحافظ في الفتح في باب ما يكره من كثرة السؤال إلى الترمذيي كما فعلا لمصنف . والحديث أورده الترمذي في كتاب اللباس وبوب له باب ما جاء في باب لباس الفراء وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وقد ساقه ابن ماجه بإسناد فيه سيف بن هرون البرجمي وهو ضعيف متروك . وحديث على أخرجه أيضا الحاكم وهو منقطع كما قال الحافظ . وصورة إسناده في الترمذي قال حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا منصور بن زاذان عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختري عن على فذكره قال أبو عيسى الترمذي حديث على حديث غريب واسم أبي البختري سعيد بن أبي عمران وهو سعيد بن فيروز انتهى .
وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وقد تقدما في أول كتاب الحج ( وفي الباب ) أحاديث ساقها البخاري في باب ما يكره من كثرة السؤال وأخرج البزار وقال سنده صالح والحاكم وصححه من حديث أبي الدرداء رفعه بلفظ " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يمن لينسى شيئا وتلا وما كان ربك نسيا " وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " وأخرج مسلم من حديث أنس وأصله في البخاري " قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء " الحديث وفي البخاري من حديث ابن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسائل وعابها .
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية كناقد اتقينا أن نساله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث . والراجح في تفسير الآية أنها نزلت في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وقد أنكر ذلك جماعة من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر ابن العربي فقال أعتقد قوما من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك قال الحافظ وهو كما قال إلا أن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد المذكور في أول الباب لأنه قد أمن من وقوع التحريم لأجل المسألة ولكن ليس الظاهر ما قاله ابن العربي من الاختصاص لأن المساءة مجوزة في السؤال عن كل أمر لم يقع مأما ما ثبت في الأحاديث من وقوع المسائل من الصحابة فيحتمل أن ذلك قبل نزول الآية ويحتمل أن النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه ما تقرر حكمه كبيان ما أجمل أو نحوه ذلك مما وقعت عنه المسائل وقد وردت عن الصحابة آثار كثيرة في المنع من ذلك ساقها الدارمي في أوائل مسنده . منها عن زيد بن ثابت إنه كان إذا سئل عن الشيء يقول هل كان هذا فإن قيل لا قال دعوه حتى يكون .
قال في الفتح والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين . ثانيهما أن يدقق النظر في وجوه الفرق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع من وجود وصف الجمع أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين لوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه " هلك المتنطعون " أخرجه مسلم فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريغ على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما إذا لزم من ذلك المقال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها .
ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى امثال ذلك مما لا يعرف إلا النقل والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة كما صح من حديث أبي هريرة رفعه عند البخاري وغيره " لا يزال الناس يتساءلون هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله " قال الحافظ فمن سد باب المسائل حتى فاته كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريغ المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن البحث عن معاني كتاب الله تعالى محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصحابة الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرا على ما يصلح للحجة فيها فإنه الذي يجمد وينفع وينتفع به وعلى ذلك يحمل عمل الفقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وهم من أهل دين واحد والوسط هو المعتدل من كل شيء وإلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المذكور في الباب " فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " فإن الاختلاف يجر إلى عدنم الإنقياد وهذ كله من حديث تقسيم المشتغلين بالعلم وأما العلم بما ورد في المتاب والسنة والتشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى يعني هل العلم أو العمل والإنصاف أن يقال كل ما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد من نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله ذلك أولى من إعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد من نفسه قصورا فإقباله على العبادة أولى به لعسر اجتماع الأمرين فإن الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فإنه الأمران لعدم حصول الأول له وإعراضه عن الثاني انتهى .
قوله : " إن أعظم المسلمين " الخ هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري " إن أعظم الناس جرما " قال الطيبي فيه من المبالغة أنه جعل عظيما ثم فسره بقوله جرما ليدل على أنه نفسه جرم قال وقوله في المسلمين أي في حقهم .
قوله : .
فحرم .
بضم الحاء المهملة وتشديد الراء قال ابن بطال عن المهلب ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن الله يفعل شيئا من أجل شيء وليس كذلك بل هو على كل شيء قدير فهو فاعل السبب والمسبب ولكن الجديث محمول على التحذير مما ذكره فمعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله .
وقال غيره أهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل وإنما ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون الشيء الفلاني تتعلق به الحرمة إن سئل عنه فقد سبق القضاء بذلك إلا أن السؤال علة للتحريم .
وقال ابن التين قيل الجرم اللاحق به الحاق المسلمين المضرة لسؤاله وهي منعهم التصرف فيما كان حلالا قبل مسألته وقل القاضي عياض المراد بالجزم هنا الحدث على المسلمين لا الذي هو بمعنى الإثم المعاقب عليه لأن السؤال كان مباحا ولهذا قال سلوني وتعقبه النووي فقال هذا الجواب ضعيف أو باطل والصواب الذي قاله الخطابي والتيمي وغيرهما أن المراد بالجرم الإثم والذنب وحملوه على من سأل تكلفا وتعنتا فيما لا حاجة له به إليه وسبب تخصيصه ثبوت الأمر بالسؤال عما يحتاج إليه لقوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر } فمن سأل عن نازلة وقعت له لضورته إليها فهو معذور فلا إثم عليه ولا عتب فكل من الأمر بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى قال ويؤخذ منه أن من عمل شيئا أضر به غيره كان آثما وأورد الكرماني على الحديث سؤالا فقال السؤال ليس بجريم ولئن كان ليس بكبيرة ولئن كان فليس بأكبر الكبائر .
وأجاب أن السؤال عن الشيء بحيث يصير سببا لتحريم شيء مباح هو أعظم الجرم لأنه صار سببا لتضييق الأمر على جميع المكلفين فالقتل مثلا كبيرة ولكن مضرته راجعة إلى المقتول راجعة إلى المقتول وحده أو إلى من هو منه بسبيل بخلاف صورة المسألة فضررها عام للجميع انتهى .
وقد روى ما يدل على أنه قد وقع في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم من المسائل ما كان سببا لتحريم الحلال أخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال كان الناس يتساءلون عن الشيء من الأمر فيسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حلال فلا يزالون يسألونه على الشيء حتى يحرم عليهم .
قوله : " ذروني " في رواية البخاري دعوني ومعناهما واحد .
قوله : " ما تركتكم " أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء قال ابن فرج معناه لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظاهره ولو كان صالحة لغيره كما أن قوله حجوا وإن كان صالحا للتكرار فينبغي أن يكتفى بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فإن الأصل عدم الزيادة ولا يكثر التعنت عن ذلك فإنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني اسرائيل في البقرة .
قوله : " واختلافهم " يجوز فيه الرفع والجر .
قوله : " فإذا نهيتكم " وهذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله وإليه ذهب الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها .
قوله : " وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " أي اجعلوه قدر استطاعتكم قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواهد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور إنه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد .
واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فةق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بالاستطاعة وهذا منقول عن الإمام أحمد ( فإن قيل ) أن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل قال الحافظ والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعى من الاعتبار بل هو من جهة الكف إذ كل واحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة من الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فإن العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي .
قال ابن فرج في شرح الأربعين أن الأمر بالاجتناب على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان كما نطق به القرآن .
قال الحافظ والتحقيق أن المكلف في كل ذلك ليس منهيا في تلك الحال وقال الماوردي أن الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو شاق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم أن قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهى وقد قيد بالاستطاعة فاستويا فحينئذ تكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وهو قوله تعالى { إلا ما اضطررتم إليه } وهو مضطر ولا يرد الإكراه لأنه مندرج في الاضطرار وزعم بعضهم أن قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } نسخ بقوله تعالى { واتقوا الله حق تقاته } قال الحافظ والصحيح أنه لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز .
قوله : " الفراء " بفتح الفاء مهموز حمار الوحش كذا في مختصر النهاية ولكن تبويب الترمذي الذي ذكرناه سابقا يدل على أن الففراء بكسر الفاء جمع فرو .
قوله : " الحلال ما أحل الله في كتابه " الخ المراد من هذه العبارة وأمثالها مما يدل على حصر التحليل والتحريم على الكتاب العزيز هو باعتبار اشتماله على جميع الأحكام ولو بطريق العموم أو الإشارة أو باعتبار الأغلب لحديث " إني أوتيت القرآن ومثله معه " وهو حديث صحيح .
قوله : " وعن علي " الخ قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه حديث علي في أول كتاب الحج