- حديث سمرة قال الذهبي إسناده مظلم لا تقوم بمثله حجة . وحديث جرير أخرجه أيضا ابن ماجه ورجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم ورواه الطبراني أيضا موصولا وحديث معاوية أخرجه أيضا النسائي قال الخطابي إسناده فيه مقال . وحديث عبد الله السعدي أخرجه أيضا ابن ماجه وابن منده والطبراني والبغوي وابن عساكر .
قوله : " فهو مثله " فيه دليل على تحريم مساكنة الكفار ووجوب مفارقتهم والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكن يشهد لصحته قوله تعالى { فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم } وحديث بهز بن خكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعا " لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين " قوله " لا تتراءى نارهما " يعني لا ينبغي أن يكونا بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى على وجه لو كانت متمكنة من الإبصار لأبصرت الأخرى فإثبات الرؤية للنار مجاز .
قوله : " ما قوتل العدو " فيه دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار .
قوله : " لا هجرة بعد الفتح " أصل الهجرة هجرة الوطن وأكثر ما تطلق على من رحل من البادية إلى القرية .
قوله : " ولكن جهاد ونية " قال الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة إنقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك .
قوله : " إذا استنفرتم فانفروا " قال النووي أن الخير الذي انقطع بإنقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة و إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه .
قال الطيبي أن قوله ولكن جهاد الخ معطوف على محل مدخول لا هجرة إلى الهجرة من الوطن أما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا استنفرتم فانفروا .
قال الحافظ وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الكفار على ما قال انتهى .
وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب فقال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضا من أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم للاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى .
قال الحافظ وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من اذى من يؤذيه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها .
وقال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره الإسلام ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر .
وقال الخطابي أيضا أن الهجرة أفترضت لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل انقطعت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب .
وقال البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بطريق أخرى فقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة . وقوله " لا تنقطع " أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن فقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ " انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " أي ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه ومفهومه أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر إن الهجرة تنقطع لإنقطاع موجبها وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا .
قال الحافظ وهو إطلاق مردود .
وقال ابن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلا هي القصد إلى حيث كان وقد حكى في البحر أن الهجرة عن دار الكفر واجبة إجماعا حيث حمل على معصية أو ترك أو طلبها الإمام بقوته لسلطانه وقد ذهب جعفر بن مبشر وبعض الهادوية إلى وجوب الهجرة عن دار الفسق قياسا على دار الكفر وهو قياس مع الفارق والحق عدم وجوبها من دار الفسق لأنها دار إسلام وإلحاق دار الإسلام بدار الكفر بمجرد وقوع المعاصي فيها على وجه الظهور ليس بمناسب لعلم الرواية ولا لعلم الدراية . وللفقهاء في تفاصيل الدور والأعذار المسوغة لترك الهجرة مباحث ليس هذا محل بسطها