- قوله " في مجن " بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الترس ويقال له مجنة يكسر الميم أيضا وجنان وجنانة بضمهما : قول " فصاعدا " هو منصوب على الحالية أي فزائدا ويستعمل بالفاء وبثم لا بالواو .
وفي رواية لمسلم " لن تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فما فوقه " قوله " في ربع دينار " هذه الرواية موافقة لرواية الثلاثة الدراهم التي هي ثمن المجن كما في رواية النسائي المذكورة في الباب أن ثمن المجن كان ربع دينار وكما في رواية أحمد أنه كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم .
قال الشافعي وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذك إن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده وقد تقدم أن عمر فرض الدية على أهل الورق إثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار .
وأخرج ابن المنذر أنه أتى عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار بإثني عشر فقطع .
وأخرج أيضا والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن أمير المؤمنين عليا Bه قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفا .
وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي Bه القطع في ربع دينار فصاعدا وأخرج أيضا من طريقه أن أمير المؤمنين علي Bه أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات ولكنه منقطع .
وقد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف ولخلف ومنهم الخلفاء الأربعة واختلفوا فيما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا وقال الشافعي الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال أن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى .
قال مالك وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالآخر وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد . وذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم ولا قطع في أقل من ذلك .
واحتجوا بما بما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم عشرة دراهم وأخرج نحو ذلك النسائي عنه وأخرج عنه أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم .
وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة دراهم .
وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال وثمنه عشرة دراهم قالوا وهذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر واصح ولكن هذه أحوط والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها وروي نحو هذا عن ابن العربي قال وإليه ذهب سفيان مع جلالته ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه .
وأيضا حديث ابن عمر حجة مستقلة ولو سلمنا صلاحية روايات ثمن المجن بعشرة دراهم لمعارضة الروايات الصحيحة لم يكن ذلك مفيدا للمطلوب أعني عدم ثبوت القطع فيما دون ذلك لما في الباب من إثبات القطع في ربع الدينار وهو دون عشرة دراهم فيرجع إلى هذه الروايات ويتعين طرح الروايات المتعارضة في ثمن النجن وبهذا يلوح لك عدم صحة الاستدلال بروايات العسر الدراهم عن بعض الصحابة على سقوط القطع فيها دونها وجعلها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات لما سلف وقد أسلفنا عن جماعة من الصحابة أنهم قطعوا في ربع دينار وفي ثلاثة دراهم . المذهب الثالث نقله عياض عن النخعي أنه لا يجب القطع إلا في أربعة دنانير أو أربعين درهما وهذا قول لا دليل عليه فيما أعلم . المذهب الرابع حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه يقطع في درهمين وحكاه في البحر عن زياد بن أبي زياد ول دليل على ذلك من المرفوع وقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس بسند قوي أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين .
وفي لفظ لا يساوي ثلاثة دراهم . المذهب الخامس أربعة دراهم نقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد وكذلك حكاه عنهما في البحر ونقله عياض عن بعض الصحابة وهو مردود بما سلف . المذهب السادس ثلث دينار ورواه ابن المنذر عن الباقر . المذهب السابع خمسة دراهم حكاه في البحر عن الناصر والنخعي وروي عن ابن شبرمة وهو مروي عن أبي ليلى والحسن البصري واستدلوا بما أخرجه ابن المنذر عن عمر أنه قال لا نقطع الخمس إلا في خمس . المذهب الثامن دينار أو ما بلغ قيمته رواه ابن المنذر عن النخعي وحكاه ابن حزم عن طائفة . المذهب التاسع ربع دينار من الذهب ومن غيره في القليل والكثير وإليه ذهب ابن حزم ونقل نحوه ابن عبد البر واستدل ابن حزم بأن التحديد في الذهب منصوص ولم يوجد نص في غيره فيكون داخلاتحت عموم الآية ويجاب عن ذلك برواية النسائي المذكورة في الباب بلفظ " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " ويمكن أيضا الجواب عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك " كما في الباب لأنه يصدق على ما لم تبلغ قيمته ربع دينار أنه دونه وإن كان من غير الذهب فإنه يفضل الجنس على جنس آخر مغاير له باعتبار الزيادة في الثمن وكذلك العرض على العرض باعتبار اختلاف ثمنهما .
المذهب العاشر أنه يثبت القطع في القليل والكثير حكاه في البحر عن الحسن البصري وداود والخوارج واستدلوا بإطلاق قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ويجاب بأن إطلاق الآية مقيد بالأحاديث المذكورة في الباب واستدلوا ثانيا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب فإن فيه يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وقد أجيب عن ذلك أن المراد تحقير شأن السارق وخسارة ما ربحه وأنه إذا جعل السرق عادة له جرأه ذلك على سرقة ما فوق البيضة والحبل حتى يبلغ إلى المقدار الذي تقطع به الأيدي هكذا قال الخطابي وابن قتيبة وفيه تعسف ويمكن أن يقال المراد المبالغة في التنفير عن السرقة وجعل مالا قطع فيه بمنزلة مافيه القطع كما حديث " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة " وحديث " تصدق ولو بظلف محرق " مع أن مفحص القطاة لا يكون مسجدا والظلف المحرق لا ثواب في التصدق به لعدم نفعه ولكن مقام الترغيب في بناء المساجد والصدقة اقتضى ذلك على أنه قد قيل إن المراد بالبيضة بيضة الحديد كما وقع في باب الأعمش ولا شك أن لها قيمة وكذلك الحبل فإن في الحبال ما تزيد قيمته على ثلاثة دراهم كحبال السفن ولكن مقام المبالغة لا يناسب ذلك وقد تقدم أن أمير المؤمنين عليا Bه قطع في بيضة حديد ثمنها ربع دينار . الحادي عشر أنه يثبت القطع في درهم فصاعدا لا دونه حكاه فيي البحر عن البتي وروي عن ربيعة هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة وقد جعلها في الفتح عشرين مذهبا ولكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما حكيناه