- حديث فريعة أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وأعله ين حزم وعبد الحق بجهالة حال زينب بنت كعب بن عجرة الرواية له عن الفريعة وأجيب بأن زينب المذكورة وثقها الترمذي وذكرها ابن فتحون وغيره في الصحابة وأما ما روي عن علي بن المديني بأنه لم يروعنها غير سعد بن أسحق فمردود بما في مسند أحمد من رواية سليمان بن محمد بن كعب ابن عجرة عن عمته زينب في فضل الإمام علي Bه وقد أعل الحديث أيضا بأن في إسناده سعد بن إسحاق وبعقبه ابن القطان بأنه قد وثقه النسائي وابن حيان انتهى . ووثقه أيضا يحيى بن معين والدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث وروى عنه جماعة من أكابر الأئمة ولم يتكلم فيه بجرح وغاية ما قاله فيه ابن حزم وعبد الحق أنه غير مشهور وهذه دعوى باطلة فإن من يروي عنه مثل سفيان الثوري وحماد بن زيد ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد والدراوردى وابن جريح والزهري مع كونه أكبر منه وغير هؤلاء الأئمة كيف يكون غير مشهور . وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال ولكنه قد رواه النسائي من غير طريقه .
قوله : " عن فريعة " بضم الفاء وفتح الراء وبعدها تحتية ساكنة ثم عين مهملة ويقال لها الفارعة وهي بنت مالك بن سنان أخت آبى سعيد الخدري وشهدت بيعة الرضوان وقد استدل بحديثها هذا علي إن المتوفي عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عند الله وسعيد بن المسيب وعطاء وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد قال ابن عبد البر وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ولم يطعن فيه أحد منهم وقد روي جواز خروج المتوفي عنها للعذر عن جماعة منهم عمر أخرج عنه ابن أبي شيبة أنه رخص للمتوفى عنها إن تأتي أهلها بياض يومها . وان زيد بن ثابت رخص لها في بياض يومها وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان له ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتحدث إليهم فإذا كان الليل أمرها إن ترجع إلى بيتها .
وأخرج أيضا عن ابن مسعود في نساء نعى إليهن أزواجهن وتشكين الوحشة فقال ابن مسعود يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل .
وأخرج سعيد بن منصور عن علي Bه انه جوز للمسافرة الانتقال .
وروى الحجاج بن منهال إن امرأة سألت أم سلمة بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت لها في وسط النهار .
وأخرج الشافعي وعند الرزاق عن مجاهد مرسلا إن رجالا استشهدوا بأحد فقال نساؤهم يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها وحكى في البحر عن علي Bه وابن عباس وعائشة وجابر والقاسمية أنه يجوز لها الخروج من موضع عدتها لقوله ( يتربصن ) ولم يخص مكانا والبيان لا يؤخر عن الحاجة . وعن زيد بن على والشافعية والحنفية أنه لا يجوز ثم قال فرع ولها الخروج نهارا ولا تبيت إلا في منزلها إجماعا انتهى . وحكاية الإجماع راجعة إلى مبيتها في منزلها لا إلى الخروج نهارا فإنه محل الخلاف كما عرفت . وحديث فريعة لم يأت من يخالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين ولا حجة في أقوال أفراد الصحابة ومرسل مجاهد لا يصلح للاحتجاج به على فرض انفراده عند من لم يقبل المراسيل مطلقا وأما إذا عارضه مرفوع أصح منه كما في مسألة النزاع فلا يحل التمسك به بإجماع من يعتد به من أهل العلم وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور في الباب من قال إن المتوفي عنها لا تستحق السكنى والنفقة والكسوة قال الشافعي حفظت عمن أرضي به من أهل العلم إن نفقة المتوفي عنها زوجها وكسوتها حولا منسوختان بآية الميراث ولم أعلم مخالفا في نسخ نفقة المتوفي عنها وكسوتها سنة أو أقل من سنة ثم قال ما معناه أنه يحتمل إن يكون حكم السكنى حكمهما لكونها مذكورة معهما ويحتمل أنها تجب لها السكنى وقال الشافعي أيضا في كتاب العدد الاختيار لورثة الميت إن يسكنوها لان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث فريعة امكثي في بيتك وقد ذكرت أنه لا بيت لزوجها يدل على وجوب سكناها في بيت زوجها إذا كان له بيت بالطريق الأولى وأجيب الاستدلال بحديث ابن عباس بأن نسخ بعض المدة إنما يستلزم نسخ نفقة المنسوخ وكسوته وسكناه دون ما لم ينسخ وهو أربعة أشهر وعشر وأجيب عن الاستدلال بحديث فريعة بأنه مخلف للقياس لأنها قالت وليس المسكن له ولم يدع نفقة ولا مالا فأمرها بالوقوف فيما لا يملكه زوجها وملك الغير لا يستحق غيره الوقوف فيه فيكون ذلك قضية عين موقوفة .
وقد حكى في البحر القول بوجوب نفقة المتوفي عنها عن ابن عمر والهادي والقاسم والناصر والحسن بن صالح وعدم الوجوب عند الشافعية والحنفية ومالك والوجوب للحامل لا الحائل عن مولانا علي رضى الله عنه وابن مسعود وأبي هريرة وشريح وابن أبي ليلى . وحكي أيضا القول بوجوب السكني عن ابن عمر وأم سلمة ومالك والإمام يحيى والشافعي وعدمه عن مولانا علي Bه وعمر وابن مسعود وعثمان وعائشة وأبي حنيفة وأصحابه .
وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث فاطمة بنت قيس إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة " وفي لفظ آخر " وإنما النفقة والسكني للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكني " وسيأتي هذا الحديث في باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية وهو نص في محل النزاع والقرآن والسنة وإنما دلا على انه يجب على المتوفي عنها لزومها لبيتها وذلك تكليف لها . وحديث الفريعة إنما دل على هذا فهو واضح في إن السكنى والنفقة ليستا من تكليف الزوج ويؤيد هذا إن الذي في القرآن في سورة الطلاق هو إيجاب النفقة لذات الحمل لا غير وفي البقرة إيجابها للمطلقات وقد خرج من عمومهن البائنة بحديث فاطمة بنت قيس إلا إن تكون حاملا لذكر ذلك في حديثها كما سيأتي وخرجت أيضا المطلقة قبل الدخول بآية الأحزاب فخرجت المتوفي عنها من ذلك وكذلك لا سكنى لها لأن قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } وقوله { أسكنوهن من حيث سكنتم } في الرجعيات لظاهر السياق كما سيأتي تحقيق ذلك إذا تقرر هذا علمت أنه لم يكن في القرآن ما يدل على وجوب النفقة والسكنى للمتوفى عنها كما علمت إن السنة قاضية بعدم الوجوب .
وأما حديث الفريعة وحديث ابن عباس فقد استدل بهما من قال بعدم الوجوب كما استدل بهما من قال بالوجوب لما فيهما من الاحتمال والمحتمل لا تقوم به الحجة وقد أطال صاحب الهدي الكلام في هذه المسألة وحرر فيها المذاهب تحريرا نفسيا فمن رام الوقوف على تفاصيلها فليراجعه