- الرواية التي أنفرد بها أبو داود بلفظ " ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا " الخ في إسنادها أبان بن طارق البصرى سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال شيخ مجهول وقال أبو أحمد بن عدي وابان بن طارق لا يعرف الا بهذا الحديث وهذا الحديث معروف به وليس له أنكر من هذا الحديث . وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج بحديثه ويقال هو درست بن حممزة وقيل بل هما أثنان ضعيفان . وحديث أبي هريرة الآخر رجال إسناده ثقات لكنه قال أبو داود يقال قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا . قوله " شر الطعام طعام الوليمة " إنما سماه شرا لما ذكره عقبه فكأنه قال شر الطعام الذي شأنه كذا . وقال الطيبي اللام في الوليمة للعهد إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء وقوله " يدعي " الخ استنئاف وبيان لكونها شر الطعام وقال البيضاوي من مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم : قوله " تدعى " الخ الجملة في موضع الحال . ووقع في رواية للطبراني من حديث ابن عباس " بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان " قوله " فقد عصى الله ورسوله " احتج بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الوليمة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب وقد نقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الاتفاق على وجوب الإجابة لوليمة العرس . قال في الفتح وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك . وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية . وحكى في البحر عن العترة والشافعية أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها ولم يحك الوجوب إلا عن أحد قولي الشافعي فانظركم التفاوت بين من حكى الإجماع على الوجوب وبين من لم يحكه إلا عن قول لبعض العلماء الظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصيا وهذا في وليمة شرعا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة " لا يقال " ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكور بلفظ " إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " ( لانا نقول ) ذلك غير ناتج للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ من دعى إلى عرس أو نحوه وأيضا قوله " من لم يجب الدعوة فقد عصيي الله " يدل على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس . قال في الفتح وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهي بفتح الدال على المشهور وضمها قطرب في مثلثاته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي . وقال في الفتح أيضا في باب آخر والذي يظهر من اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا . قال وقد تقدم أن الوليمة إذا اطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد انتهى . ويجاب أولا بأن هذا مصادرة على المطلوب لأن الوليمة المطلقة هي محل النزاع وثانيا بأن في أحاديث الباب ما يشعر بالإجابة إلى كل دعوة ولا يمكن فيه ما ادعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ " من دعى فلم يجب فقد عصى الله " وكذلك قوله " من دعى إلى عرص أو نحوه فليجب " وقد ذهب إلى وجوب الإجابة مطلقا بعض الشافعية ونقله عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قال جمهور الصحابة والتابعين .
وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع وحكاه البحر عن العترة ولكن الحق ما ذهب إليه الأولون لما عرفت قال في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى وليمة العرس إن شرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يختص الأغنياء دون الفقراء وأن لا يظهر قصد التودد لشخص لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الأصح وأن يختص باليوم الأول وعلى المشهور وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني وأن لا يكون هناك ما يتأذى بحضوره من منكر أو غيره وأن لا يكون له عذر وسيأتي البحث عن أدلة هذه الأمور إن شاء الله تعالى : قوله " دخل سارقا وخرج مغيرا " بضم الميم وكسر الغين المعجمة اسم فاعل من أغار يغير إذا نهب مال غيره فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه بدخول السارق الذي يدخل بغير أرادة المالك لأنه اختفى بين الداخلين وشبه خروجه بخروج من نهب قوما وخرج ظاهرا بعد ما أكل بخلاف الدخول فإنه دخل مختفيا خوفا من أن يمنع وبعد الخروج قد قضي حاجته فلم يبق له حاجة إلى التستر " قوله فإن شاء طعم " بفتح الطاء وكسر العين أي أكل . قوله " وإن شاء ترك " فيه دليل على إن نفس الأكل لا يجب على المدعي في عرس أو غيره وإنما الواجب الحضور وصحح النووي وجوب الأكل ورجحه أهل الظاهر ولعل متمسكه ما في الرواية الأخرى من قوله " وإن كان مفطرا فليطعم " قوله " فإن كان صائما فليصل " وقع في رواية هشام بن حسان في آخره والصلاة الدعاء ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر بن نافع في آخر الحديث المرفوع " فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع " وهو يرد قول بعض الشراح أنه محمول على ظاهره وإن المراد فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها ويرده أيضا حديث " لا صلاة بحضرة طعام " ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجب الحضور على الصائم ولا يجب عليه الأكل ولكن هذا بعد أن يقول للداعي أني صائم ما في الرواية الأخرى فإن عذره من الحضور بذلك وإلا حضر وهل يستحب له أن يفطر ان كان صومه تطوعا قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم واطلق الروباني استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل وأما من يوجب الأستمرار فيه بعد التلبس به فلا يجوز قوله " فذلك أذن له " فيه دليل على أنه لا يجب الأستئذان على المدعو إذا كان معه رسول الداعي وإن كون الرسول معه بمنزلة الأذن