- قوله ( من أثوار أقط ) الأثوار جمع ثور وهي القطعة من الأقط وهي بالثاء المثلثة . والأقط لبن جامد مستحجر وهي مما مسته النار .
قوله ( يتوضأ على المسجد ) استدل به على جواز الوضوء في المسجد . وقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على جوازه ما لم يؤذ به أحدا .
والأحاديث تدل على وجوب الوضوء مما مسته النار وقد اختلف الناس في ذلك فذهب جماعة من الصحابة منهم الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وجابر بن سمرة وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وأبي بن كعب وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله وعائشة وجماهير التابعين وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وابن المبارك وأحمد وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبي ثور وأبي خيثمة وسفيان الثوري وأهل الحجاز وأهل الكوفة إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار .
وذهبت طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي مما مسته النار وقد ذكرناهم في باب الوضوء من لحوم الإبل .
استدل الأولون بالأحاديث التي ذكرناها في هذا الباب . واستدل الآخرون بالأحاديث التي مر فيها الأمر بالوضوء مما مسته النار وقد ذكر المصنف بعضها ههنا وأجاب الأولون عن ذلك بجوابين الأول أنه منسوخ بحديث جابر الآتي . الثاني أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين . قال النووي : ثم أن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول ثم أجمع العلماء بعد ذلك أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار .
ولا يخفاك أن الجواب الأول إنما يتم بعد تسليم أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم يعارض القول الخاص بنا وينسخه والمتقرر في الأصول خلافه . وقد نبهناك على ذلك في باب [ ص 263 ] الوضوء من لحوم الإبل . وأما الجواب الثاني فقد تقرر أن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها وحقيقة الوضوء الشرعية هي غسل جميع الأعضاء التي تغسل للوضوء فلا نخالف هذه الحقيقة إلا لدليل . وأما دعوى الإجماع فهي من الدعاوى التي لا يهابها طالب الحق ولا تحول بينه وبين مراده منه نعم الأحاديث الواردة في ترك التوضئ من لحوم الغنم مخصصة لعموم الأمر بالوضوء مما مست النار وما عدا لحوم الغنم داخل تحت ذلك العموم