- الحديث أخرجه الطبراني أيضا . وفي الباب عن أسامة بن عمير والد أبي المليح وأبي هريرة وأنس وأبي بكر الصديق والزبير بن العوام وأبي سعيد الخدري وغيرهم .
قال الحافظ : وقد أوضحت طرقه وألفاظه في الكلام على أوائل الترمذي .
قوله ( لا يقبل الله ) قد قدمنا الكلام عليه في باب الوضوء بالخارج من السبيل .
قوله ( ولا صدقة من غلول ) [ ص 257 ] الغلول بضم الغين المعجمة هو الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة .
قال النووي في شرح مسلم : وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة قال القاضي عياض : واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء كان أول الإسلام سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم . وقال الجمهور : بل كان قبل ذلك فرضا وقد استوفى الكلام على ذلك الحافظ في أول كتاب الوضوء في الفتح ( 1 ) .
واختلفوا هل الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة فذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله { إذا قمتم إلى الصلاة } الآية . وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ . وقيل الأمر به على الندب . وقيل لا بل لم يشرع إلا لمن يحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب . قال النووي حاكيا عن القاضي : وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم خلاف .
ومعنى الآية عندهم إذا قمتم محدثين وهكذا نسبه الحافظ في الفتح إلى الأكثر .
ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث ) .
ولمسلم من حديث بريدة : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر : إنك فعلت [ ص 258 ] شيئا لم تكن تفعله فقال : عمدا فعلته ) أي لبيان الجواز واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا وضوء إلا من حدث ) فالحق استحباب الوضوء عند القيام إلى الصلاة وما شكك به صاحب المنار في ذلك غير نير فإن الأحاديث مصرحة بوقوع الوضوء منه صلى الله عليه وآله وسلم لكل صلاة إلى وقت الترخيص وهو أعم من أن يكون لحدث ولغيره . والآية دلت على هذا وليس فيها التقييد بحال الحدث وحديث ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك ) عند أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا من أعظم الأدلة على المطلوب .
وسيذكر المصنف هذا الحديث في باب فضل الوضوء لكل صلاة .
وقد أخرج الجماعة إلا مسلما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( كان يتوضأ عند كل صلاة ) زاد الترمذي ( طاهرا وغير طاهر ) وفي حديث عدم التوضئ من لحوم الغنم دليل على تجديد الوضوء على الوضوء لأنه حكم صلى الله عليه وآله وسلم بأن أكل لحومها غير ناقض ثم قال للسائل عن الوضوء إن شئت .
وقد وردت الأحاديث الصحيحة في فضل الوضوء كحديث : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) أخرجه مسلم وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر وحديث ( أنها تخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ) عند مسلم ومالك والترمذي من حديث أبي هريرة وحديث ( من توضأ نحو وضوئي هذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة ) أخرجه الشيخان من حديث عثمان وحديث ( إذا توضأت اغتسلت من خطاياك كيوم ولدتك أمك ) عند مسلم والنسائي من حديث أبي أمامة وغير ذلك كثير فهل يجمل بطالب الحق الراغب في الأجر أن يدع هذه الأدلة التي لا يحتجب أنوارها على غير أكمه والمثوبات التي لا يرغب عنها إلا أبله ويتمسك بأذيال تشكيك منهار وشبهة مهدومة هي مخافة الوقوع بتجديد الوضوء لكل صلاة من غير حدث في الوعيد الذي ورد في حديث ( فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم ) بعد أن يتكاثر الأدلة على أن الوضوء لكل صلاة عزيمة وأن الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات متعددة رخصة بل ذهب قوم إلى الوجوب عند القيام للصلاة كما أسلفنا دع عنك هذا كله . هذا ابن عمر يروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات ) أخرجه الترمذي [ ص 259 ] وأبو داود فهل أنص على المطلوب من هذا وهل يبقى بعد هذا التصريح ارتياب .
_________ .
( 1 ) قال الحافظ في الفتح : وتمسك بهذه الآية وآية الوضوء من قال أن الوضوء أول ما فرض بالمدينة فأما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة وأنه لم يصل قط إلا بوضوء قال : وهذا مما لا يجهله عالم وقال الحاكم في المستدرك : وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة ثم ساق حديث ابن عباس ( دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي فقالت : هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك فقال : ائتوني بوضوء فتوضأ ) الحديث .
قلت : وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر وجوبه وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة ورد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتم عروة عنه أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي وهو مرسل ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا لكن قال عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا ولو ثبت لكان على شرط الصحيحين لكن المعروف رواية ابن لهيعة اه . والله أعلم