- قوله " لاتصروا " بضم أوله وفتح الصاد المهملة وضم الراء المشددة من صربت اللبن في الضرع إذا جمعته وظن بعضهم أنه من صروت فقيده بفتح أوله وضم ثانيه . قال في الفتح والأول أصح قال لأنه لو كان من صررت لقيل مصرورة أو مصررة لا مصراة على أنه سمع الأمر إن في كلام العرب ثم استدل على ذلك بشاهدين عربيين ثم قال وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح ثانيه بغير واو على البناء للمجهول والمشهور الأول اه . قال الشافعي التصرية هي ربط اخلاف الشاة أو الناقة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها . وأصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء إذا حبسته قال أبو عبيدة وأكثر أهل اللغة التصرية حبس اللبن في الضرح حتى يجتمع وإنما اقتصر على ذكر الأبل والغنم دون البقر لأن غالب مواشيهم كانت من الأبل والغنم والحكم واحد خلافا لداود : قوله " فمن ابتاعها بعد ذلك " أي اشتراها بعد التصرية : قوله " بعد أن يحلبها " ظاهره إن الخيار لا يثبت الا بعد الحلب والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور ولو لم يجلب لكن لما كانت التصرية لا يعرف غالبها الا بعد الحلب جعل قيدا في ثبوت الخيار قوله " إن رضيها أمسكها " استدل بهذا على صحة بيع المصراة مع ثبوت الخيار : قوله " وصاعا من تمر " الواو عاطفة على الضمير في ردها ولكنه يعكر عليه إن الصاع مدفوع ابتداء لامر دود ويمكن أن يقال أنه مجاز عن فعل يشمل الأمرين نحو سلمها أو أدفعها كما في قول الشاعر علقتها تبنا وماء باردا . أي ناولتها ويمكن أن يقدر قبل آخر يناسب المعطوف أي ردها وسلم أو أعط صاعا من تمر كما قيل أن التقدير في قول الشاعر المذكور وسقيتها ماء باردا . وقيل يجوز أن تكون الواو بمعنى مع ولكنه يعكر عليه قول جمهور النحاة إن شرط المفعول معه إن يكون فاعلا في المعنى نحو جئت أنا وزيدا . وقمت أنا وزيدا نعم جعله مفعولا معه صحيح عند من قال بجواز مصاحبته للمفعول به وهم القليل : وقد استدل بالتنصيص على الصاع من التمر على أنه لا يجوز رد اللبن ولو كان باقيا على صفته لم يتغير ولا يلزم البائع قبوله لذهاب طراوته واختلاطه بما تجدد عند المشتري : قوله " لقحة " هي الناقة الحلوب أو التي نتجت . قوله " ثلاثة أيام " فيه دليل على امتداد الخيار هذا المقدار فتقيد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في قوله " بعد أن يحلبها " وإلى هذا ذهب الشافعي والهادي والناصر وذهب بعض الشافعية إلى أن الخيار على الفور وحملوا ورواية الثلاث على ما إذا لم يعلم إنها مصراة قبل الثلاث قالوا وإنما وقع التنصيص عليها لأن الغالب أنه لا يعلم بالتصرية فيما دونها .
واختلفوا في ابتداء الثلاث فقيل من وقت بيان التصرية وإليه ذهبت الحنابلة وقيل من حين العقد وبه قال الشافعي . وقيل من وقت التفرق قال في الفتح ويلزم عليه أن يكون الفور أوسع من الثلاث في بعض الصور وهو ما ذا تأخر ظهور التصريح إلى آخر الثلاث ويلزم عليه أن تحسب المدة قبل التمكن من الفسخ وأن يفوت المقصود من التوسع بالمدة اه : قوله " من تمر لاسمراء " لفظ مسلم وأبي داود " من طعام لاسمراء " وينبغي أن تحمل الطعام على التمر المذكور في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات ثم لما كان المتبادر من لفظ الطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء ويشكل على هذا الجمع مافي رواية للبزار بلفظ " صاع من بر لا سمراء " وأجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن يكون على وجه الرواية بالمعنى لما ظن الراوي أن الطعام مساو للبر عبر عنه بالبر لان المتبادر من الطعام البركما سلف في الفطرة ويشكل على ذلك الجمع أيضا ما في مسند أحمد بإسناد صحيح كما قال الحافظ عن رجل من الصحابة بلفظ " صاعا من طعام أو صاعا من تمر " فإن التخيير يقتضي المغايرة : وأجاب عنه في الفتح باحتمال أن يكون شكا من الراوي والاحتمال قادح في الاستدلال فينبغي الرجوع إلى الروايات التي لم تختلف . ويشكل أيضا ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ " ردها ورد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا " وأجاب عن ذلك الحافظ بأن إسناد الحديث ضعيف قال وقال ابن قدامة أنه متروك الظاهر بالأتفاق : قوله " محفلة " بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة من التحفيل وهو التجمع قال أبو عبيده سميت بذلك لكون اللبن يكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته . تقول ضرع حافل أي عظيم واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل . وقد أخذ بظاهر الحديث الجمهور وقال في الفتح وافتي به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهما في الصحابة . وقال به من التابعين ومن بعدهم لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا كان أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد الصاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور إلا أنه قال مخير بين صاع من التمر أو نصف صاع من بر . وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية إلا أ هما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته . وفي رواية عن مالك وبعض الشافعية كذلك ولكن قالوا يتعين قوت البلد قياسا على كل زكاة الفطر . وحكى البغوي أنه لا خلاف في مذهب الشافعية أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى وأثبت ابن كج الخلاف في ذلك . وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل يلزمه قيمته ببلد أو بأقرب البلاد التي فيها التمر إليه وبالثاني قالت الحنابلة اه كلام الفتح : والهادوية يقولون أن الواجب رد اللبن إن كان باقيا وإن كان تالفا فمثله وإن لم يوجد المثل فالقيمة .
وقد اعتذر الحنفية عن حديث المصراة بأعذار بسطها صاحب فتح الباري وسنشير إلى ما ذكره باختصار ونزيد عليه ما لا يخلو عن فائدة العذر الأول الطعن في الحديث بكون راوية أبا هريرة وقالوا لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما يرويه إذا كان مخالفا للقياس الجلي وبطلان هذا العذر أوضح من أن يشتغل ببيان وجهه فإن أبا هريرة Bه من أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالحفظ كما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بسطه لردائه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان بهذه المنزلة لا ينكر عليه تفرده بشيء من الأحكام الشرعية . وقد اعتذر Bه عن تفرده بكثير مما لا يشاركه فيه غيره بما ثبت عنه في الصحيح من قوله أن أصحابي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا . وأيضا لو سلم ما ادعوه من أنه ليس كغيره في الفقه لم يكن ذلك قادحا في الذي يتفرد به لأن كثيرا من الشريعة بل أكثرها وارد من غير طريق المشهورين بالفقه من الصحابة فطرح حديث أبي هريرة يستلزم طرح شطر الدين على أن أبا هريرة لم ينفرد برواية هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل رواه معه ابن عمر كما أخرج ذلك من حديثه أبو داود والطبراني وأنس كما أخرجه ذلك من حديثه أو يعلى وعمرو بن عوف المزني كما أخرج ذلك عنه البيهقي ورجل من الصحابة لم يسم كما أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن مسعود كما أخرجه الإسماعيلي وإن كان قد خالفه الأكثر ورووه موقوفا عليه كما فعل البخاري وغيره وتبعهم المصنف ولكن مخالفة ابن مسعود للقياس الجلي مشعرة بثبوت حديث أبي هريرة . قال ابن عبد البر ونعم ما قال ان هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها . العذر الثاني من أعذار الحنفية الاضطراب في متن الحديث قالوا لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتبار الصاع تارة والمثل أو المثلين أخرى وأجيب بأن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعل به الصحيح . العذر الثالث أنه معارض لعموم قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات ولو سلم دخوله تحت العموم فالصاع مثل لأنه عوض المتلف وجعله مخصوصا بالتمر دفا للشجار ولو سلم عدم صدق المثل عليه فعموم الآية مخصص بهذا الحديث اما على مذهب الجمهور فظاهر وأما على مذهب غيرهم فلأنه مشهور وهو صالح لتخصيص العمومات القرآنية . العذر الرابع أن الحديث منسوخ وأجيب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال ولو كفى ذلك لرد من شاء ما شاء واختلفوا في تعيين الناسخ فقال بعضهم هو حديث ابن عمر عند ابن ماجه في النهي عن بيع الدين بالدين وذلك لأن لبن المصراة قد صار ينافي ذمة المشتري فإذا ألزم بصاع من تمر صار دينا بدين كذا قال الطحاوي وتعقب بأن الحديث ضعيف باتفاق المحدثين ولو سلمت صلاحيته فكون ما نحن فيه من بيع الدين بالدين ممنوع لأنه يرد الصاع من الصراة حاضرا لا نسيئة من غير فرق بين أن يكون اللبن موجودا أو غير موجود ولو سلم أنه من بيع الدين بالدين فحديث الباب مخصص لعموم ذلك النهي لأنه أخص منه مطلقا . وقال بعضهم أن ناسخه حديث الخراج بالضمان وقد تقدم وذلك لأن اللبن فضلة من فضلات الشاة ولو تلفت لكانت من ضمان المشتري فتكون فضلاتها له وأجيب بأن المغروم هو ما كان فيها قبل البيع لا الحادث وأيضا حديث الخراج بالضمان بعد تسليم شمولة المحل النزاع عام مخصوص بحديث الباب فكيف يكون ناسخا .
وايضا لم ينقل تأخره والنسخ لا يتم بدون ذلك ثم لو سلمنا مع عدم العلم بالتاريخ جواز المصير إلى التعارض وعدم لزوم بناء العام على الخاص لكان حديث الباب أرجح لكونه في الصحيحين وغيرهما ولتأيده بما ورد في معناه عن غير واحد من الصحابة . وقال بعضهم ناسخة الأحاديث الوادرة في رفع العقوبة بالمال هكذا قال عيسى بن ابان وتعقبه الطحاوي بأن التصرية إنما وجدت من البائع فلو كان من ذلك الباب لكانت العقوبة له والعقوبة في حديث المصراة للمشتري فافترقا وأيضا عموم الأحاديث القاضية بمنع العقوبة بالمال على فرض ثبوتها مخصوصة بحديث المصراة وقد قدمنا البحث في التأديب بالمال مبسوطا في كتاب الزكاة . وقال بعضهم ناسخه حديث " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " وقد تقدم بذلك أجاب محمد بن شجاع . ووجه الدلالة أن الفرقة قاطعة للخيار من غير فرق بين المصراة وغيرها . وأجيب بأن الحنفية لا يثبتون خيار المجلس كما سلف فكيف يحتجون بالحديث المثبت له . وأيضا بعد تسليم صحة احتجاجهم به هو مخصص بحديث الباب . وأيضا قد أثبتوا خيار العيب بعد التفريق وما هو جوابهم فهو جوابنا . العذر الخامس أن الخبر من الآحاد وهي لا تفيد إلا الظن وهو لا يعلم به إذا خالف قياس الأصول وقد تقرر أن المثلى يضمن بمثله والقيمى بقيمته من أحد النقدين فكيف يضمن بالتمر على الخصوص وأجيب بأن التوقف في خبر الواحد إنما هو إذا كان مخالفا للأصول لا لقياس الأصول والأصول الكتاب والسنة والإجماع والقياس والأولان هما الأصل والآخران مردودان إليهما فكيف يرد الأصل بالفرع ولو سلم أن الآحادي يتوقف فيه على الوجه الذي زعموا فلا أقل لهذا الحديث الصحيح من صلاحيته تخصيص ذلك القياس المدعي . وقد أجيب عن هذا العذر بأجوبة غير ما ذكر ولكن أمثلها ما ذكرناه . ومن جملة ما خالف فيه هذا الحديث القياس عندهم أن الأصول تقتضي أن يكون الضمان بقدر التالف وهو مختلف وقد قد ههنا بمقدار معين وهو الصاع وأجيب بمنع التعميم في جميع المضمونات فإن الموضحة أرشها مقدار مع اختلافها بالكبر والصغر وكذلك كثير من الجنايات . والغرة مقدرة في الجنين مع اختلافه .
( والحكمة ) في تقدير الضمان ههنا بمقدار واحد لقطع التشاجر لما كان قد اختلط اللبن الحادث بعد العقد باللبن الموجود قبله فلا يعرف مقداره حتى يسلم المشتري نظيره .
( والحكمة ) في التقدير بالتمر أنه أقرب الأشياء إلى اللبن لأنه كان قوتهم إذ ذاك كالتمر ( ومن جملة ) ما خالف به الحديث القياس عندهم أنه جعل الخيار فيه ثلاثا مع أن خيار العيب لا يقدر بالثلاث وكذلك خيار الرؤية والمجلس وأجيب بأن حكم المصراة تفرد بأصله عن مماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف يخالف غيره وذلك لأن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الغرر بخلاف خيار والمجلس فلاج مدة .
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه يلزم من الأخذ به الجمع بين العوض والمعوض فيما إذا كان قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها وأجيب بأن التمر عوض اللبن لاعوض الشاة فلا يلزم ما ذكر .
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه إذا استرد مع الشاة صاعا وكان ثمن الشاة صاعا كان قد باع شاة وصاع بصاع فيلزم الربا وأجيب بأن الربا إنما يعتر في العقود لا في الفسوخ بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض ولو تقابلا في هذا العقد بعينه جاز التفرق قبل القبض . ( ومن جملة ) المخالفة أنه يلزم من الأخذ به ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا وأجيب بأنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادت وتعذر تميزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينة لتعذر رده ومنهما أنه يلزم من الأخذ به إثبات الرد بغير عيب ولا شرط وأجيب بأن اسباب الرد بالتدليس وقد أثبت به الشارع الرد في الركبان إذا تلقفوا كما سلف ولا يخفى على منصف أن هذه القواعد التي جعلوا هذا الحديث مخالفا لها لو سلم أنها قد قامت عليها الأدلة لم يقصر الحديث عن الصلاحية لتخصيصها فيالله العجب من قوم يبلغون في المحاماة عن مذاهب اسلافهم وإيثارها على السنة المطهرة الصريحة الصحيحة إلى هذا الحد الذي يسر به ابليس وينفق في حصول مثل هذه القضية التي قل طعمه في مثلها لا سيما من علماء الإسلام النفس والنفيس وهكذا ففلتكن ثمرات التمذهبات وتقليد الرجال في مسائل الحرام والحلال . العذر السادس أن الحديث محمول على صورة مخصوصة وهي ماذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب مثلا خمسة ارطال وشرط فيها الخيار فالشرط فاسد فإن اتفقا على اسقاطه في مدة الخيار صح العقد وإن لم يتفقا بطل ووجب رد الصاع من التمر لأنه كان قيمة اللبن يومئذ وأجيب بأن الحديث معلق بالتصرية وما ذكروه يقتضي تعليقه بفساد الشرط سواء وجدت تصرية أم لا فهو تأويل متعسف . وأيضا لو سلم أن ما ذكروه من جملة صور الحديث فالقصر على صورة معينة هي فرد من أفراد الدليل لا بد من إقامة دليل عليه .
قال في الفتح واختلف القائلون بالحديث في أشياء . منها لو كان عالما بالتصرية هل يثبت له الخيار فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه لهم أيضا خلافا للحنابلة في المسئلتين . ومنها لو تصرت بنفسها أو صراها المالك لنفسه ثم بدا له فباعها فهل يثبت ذلك الحكم فيه خلاف فمن نظر إلى المعني لأن العيب يثبت الخيار ولا يشترط فيه تدليس ومن نظر إلى أن حكم التصرية خارج عن القياس خصه بمورده وهو حاله العمد فإن النهي إنما يتناولها فقط . ومنها لو كان الضرع مملوءا لحما فظنه المشترى لبنا فاشتراها على ذلك ثم ظهر له أنه لحم هل يثبت له الخيار فيه وجهان حكاهما بعض المالكية . ومنها لو اشترى غير مصراة ثم اطلع على عيب بها بعد حلبها فقد نص الشافعي على جواز الرد مجانا لأنه قليل غير معتني بجمعه . وقيل يرد بدل اللبن كالمصراة . وقال البغوي يرد صاعا من تمر انتهى . والظاهر عدم ثبوت الخيار مع علم المشترى بالتصرية لأنتفاء الغرر الذي هو السبب للخيار . وأما كون سبب الغرر حاصلا من جهة البائع فيمكن أن يكون معتبرا لأن حكمة صلى الله عليه وآله وسلم بثيوت الخيار بعد النهي عن التصرية مشعر بذلك وأيضا المصراة المذكورة في الحديث اسم مفعول وهو يدل على أن التصرية وقعت عليها من جهة الغير لأن اسم المفعول هو لمن وقع عليه فعل الفاعل ويمكن أن لا يكون معتبرا لأن تصري الدابة من غير قصد وكون ضرعها ممتلئا لحما يحصل به من الغرر ما يحصل بالتصرية عن قصد فينظر . قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل في النهي عن الغش وأصل في ثبوت الخيار لمن دلس عليه بعيب . وأصل في أنه لا يفسد أصل البيع وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام . وأصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها