- حديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وصححه ان خزيمة وابن حبان والحاكم ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق " قوله : " بيع الثمر بالتمر " الأول بالمثلثة وفتح الميم والثاني بالمثناة الفوقية وسكون الميم والمراد بالأول ثمر النخلة وقد صرح بذلك مسلم في رواية فقال " ثم النخلة " وليس المراد الثمر من غير النخل لأنه يجوز بيعه بالتمر بالمثناة والسكون : قوله " الا أصحاب العرايا " جمع عرية قال في الفتح وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب تتطوع بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الأبل بالمنيحة وهي عطية اللبن الرقبة ويقال عريت النخلة بفتح العين وكسر الراء تعرى إذا افردت عن حكم اخواتها بأن أعطاها المالك فقيرا قال مالك العرية أن يعري الرجل الرجل الخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس هكذا علقه البخاري عن مالك ووصله ابن عبد البر من رواية ابن وهب . وروى الطحاوي عن مالك ان العرية النخلة للرجل في حائط غيره فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك بخرص نخلة تمرا فيرخص له في ذلك فشرط العرية عند مالك أن يكون لأجل التضرر من المالك بدخول غيره إلى حائطه أو لدفع الضررعن الآخر لقيام صاحب النخل بما يحتاج إليه . وقال الشافعي في الأم وحكاه عنه البيهقي ان العرايا ان يشتري الرجل ثمر النخلة بخرصه من التمر بشرط التقابض في الحال واشترط مالك أن يكون التمر مؤجلا . وقال ابن إسحاق في حديثه عن ابن عمر عند أبي داود والبخاري تعليقا ان يعري الرجل الرجل أي يهب له في ماله النخلة والنخلتين فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها . وأخرج الإمام أحمد عن سفيان بن حسين ان العريا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطعيون أن ينتظروا بها فرخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر . وقال يحيى بن سعيد الأنصاري العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا قال القرطبي كأن الشافعي اعتمد في تفسير العرية على قول يحيى بن سعيد . وأخرج أبو داود عن عبد ربه ابن سعيد الأنصاري وهو أخو يحيى المذكور أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو الرجل يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبا فيبيعها تمرا . وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع قال سمعنا في تفسير العرية إنها النخلة يعريها الرجل للرجل ويشتريها في بستان الرجل . وقال في القاموس وأعراه النخلة وهبه ثمرة علمها والعرية النخلة المعراة والتي أكل ما عليها . وقال الجوهري هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا بأن يجعل له ثمرها عاما من عراه إذا قصده قال في الفتح صور العرية كثيرة . منها أن يقول رجل لصاحب النخل يعني ثمر نخلات باعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعها ويقبض منه التمر ويسلم له النخلات بالتخلية فينتفع برطبها .
ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري رطبها بقدر خرصه بتمر معجل . ومنها أن يهبه اياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها ربا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلا . ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي التي عفى له خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنا أعريت عن أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لانقدلهم وعنده فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمير من رطب تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه اسم العرية ان يعري رجلا ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذ هبة محضة . ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لابيع فيهما وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية . وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع وأراد به رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشترونه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة ويه أن يعري الرجل الرجل ثمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك ثم يبدو له أن يرتجع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب يخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع الثمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في الأحاديث قال ابن المنذر الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة . قال ونظير ذلك الأذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تبع ماليس عندك " قال ولو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون الا في شيء ممنوع والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأنها قيدت بخمسة أوسق والهبة التتقيد .
وقد احتج أبي حنيفة لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية ولا حجة في شيء منه . لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق شرعا على صور أخرى . وقالت الهادوية وهو وجه في مذهب الشافعي أن رخصة العرايا مختصلة بالمحاويج الذين لا يجدون رطبا فيجوز لهم أن يشتروا منه بخرصه تمرا واستدلوا بما أخرجه الشافعي في مختلف الحديث عن زيد بن ثابت أنه سمي رجالا محاجين من الأنصارى شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ويجاب عن دعوى اختصاص العرايا بهذه الصورة أما أولا فبالقدح في هذا الحديث فإنه انكره محمد بن داود الظاهري على الشافعي وقال ابن حزم لم يذكر الشافعي له إسنادا فبطل . وأم ثانيا فعلى تسليم صحته لا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على أن العرية أعم من الصورة التي اشتمل عليها ( والحاصل ) أن كل صورة من سور العرايا ورد بها حديث صحيح أو ثبتت عن أهل الشرع أو أهل اللغة فهي جائزة لدخولها تحت مطلق الأذن والتنصيص في بعض الأحاديث على بعض الصور لا ينافي ما ثبت في غيره : قوله " بخرصه " بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها وجزم ابن العربي بالكسر وانكر الفتح وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر قال ومعناه بقدر مافيه إذا صار تمرا فمن فتح قال هو اسم الفعل ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص قال في الفتح والخرص هو التخمين والحدس : قوله " يقول الوسق والوسقين " الخ استدل بهذا من قال أنه لا يجوز في بيع العرايا الا دون خمسة أوسق وهو الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر قالوا لأن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز ويلقي ما وقع فيه الشك ولكن مقتضى الاستدلال بهذا الحديث أن لا يجوز مجاوزة الأربعة الأوسق مع أنهم يجوزونها إلى دون الخمسة بمقدار يسير . والذي يدل على ما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه لقوله فيه دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق فيلقي الشك وهو الخمسة ويعمل بالمتيقن وهو ما دونها وقد حكى هذا القول صاحب البحر عن أبي حنيفة ومالك والقاسم وأبي العباس وقد عرفت ما سلف من تحقيق مذهب أبي حنيفة في العرايا وحكى في الفتح أن الراحج عند المالكية الجواز في الخمسة عملا برواية الشك واحتج لهم بقول سهل ابن أبي حثمة إن العرية ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة قال في الفتح ولا حجة فيه لأنه موقوف وحكى الماوردي عن ابن المنذر أنه ذهب إلى تحديد ذلك بالأربعة الأوسق وتعقبه الحافظ بأن ذلك لم يوجد في شيء من كتب ابن المنذر . وقد حكى هذا المذهب ابن عبد البر عن قوم وهو ذهاب إلى ما فيه حديث جابر من الأقتصار على الأربعة وقد ترجم ابن حبان الاحتياط لا يزيد على أربعة أوسق . قال الحافظ وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح اه وذلك لان دون الخمسة المذكورة في حديث أبي هريرة يقضي بجواز الزيادة على الأربعة الا أن يجعل الدون مجملا مبينا بالأربعة كان واضحا ولكنه لا يخفى أنه لا إجمال في قوله " دون خمسة أوسق " لأنها تتناول ما صدق عليه الدون لغة وتما كان كذلك لا يقال له مجمل ومفهوم العدد في الأربعة لا يعارض المنطوق الدال على جواز الزيادة عليها : قوله " ولم يرخص في غير ذلك " فيه دليل على أنه لا يجوز شراء الرطب على رؤوس النخل بغير التمر والرطب . وفيه أيضا دليل على جواز الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص على الأرض وهو رأي بعض الشافعية منهم ابن خيران . وقيل لا يجوز وهو رأي الاصطخري منهم وصححه جماعة وقيل إن كانا نوعا واحدا لم يجز إذ لا حاجة إليه وإن كانا نوعين جاز وهو رأي أبي إسحاق وصححه ابن أبي عصرون . وهذا كله فيما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض وأما في غير ذلك فقد قدمنا الكلام عليه في الباب قبل هذا