- حديث حكيم بن حزام أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي إسناده العلاء ابن خالد الواسطي وثقه ابن حبان وضعفه موسى بن إسماعيل وقد أخرج النسائي بعضه وهو طرف من حديثه المتقدم في باب النهي عن بيع مالا يملكه . وحديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا الحاكم وصححه وابن حبان وصححه أيضا : قوله " إذا ابتعت طعاما " وكذا قوله في الحديث الثاني " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ وكذا قوله " من اشترى طعاما " وكذلك بقية ما فيه التصريح بمطلق الطعام في حديث الباب في جميعها دليل على أنه لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره وإلى هذا ذهب الجمهور وروى عن عثمان التبى أنه يجزم بيع كل شيء قبل قبضه والأحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول وحكى في الفتح عن مالك في المشهور عنه الفرق بين الجزاف وغيره فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق واحتجوا بان الجزاف يرى فيكفي فيه التخلية والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون . وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه " رواه أبو داود والنسائي بلفظ " نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه " كما ذكره المصنف والدارقطني من حديث جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري " ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة قال في الفتح بإسناد حسن قالوا وفي ذلك دليل على أن القبض إنما سيكون شرطا في المكيل والموزون دون الجزاف واستدل الجمهور بإطلاق أحاديث الباب وبنص حديث ابن عمر فإنهم صرح فيه بأنهم كانوا يبتاعون جزافا الحديث . ويدل لما قالوا حديث حكيم بن جزام المذكور لأنه يعم كل مبيع ويجاب عن حديث ابن عمر وجابر اللذين احتج بهما مالك ومن معه بأن التنصيص على كون الطعام المنهي عن بيعه مكيلا أو موزونا لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في غيره نعم لو لم يوجد في الباب إلا الأحاديث التي فيها إطلاق لفظ الطعام لأمكن أن يقال أنه يحمل المطلق على المقيد بالكيل والوزن وأما بعد التصريح بالنهي عن بيع الجزاف قبل قبضه كما في حديث ابن عمر فيحتم المصير إلى أن حكم الطعام متحد من غير فرق بين الجزاف وغيره ورجح صاحب ضوء النهار أن هذا الحكم أعني تحريم بيع الشيء قبل قبضه مختص بالجزاف دون المكيل والموزون وسائر المبيعات من غير الطعام وحكي هذا عن مالك ويجاب عنه بما تقدم من إطلاق الطعام والتصريح بما هو أعم منه كما في حديث حكيم والتنصيص على تحريم بيع المكيل من الطعام والموزون كما في حديث ابن عمر وجابر وما حكاه عن مالك خلاف ما حكاه عنه غيره فإن صاحب الفتح حكى عنه ما تقدم وهو مقابل لما حكاه عنه . وكذلك روى عن مالك ما يخالف ذلك ابن دقيق العيد وابن القيم وابن رشد في بداية المجتهد وغيرهم وقد سبق صاحب ضوء النهار إلى هذا المذهب ابن المنذر ولكنه لم يخصص بعض الطعام دون بعض بل سوى بين الجزاف وغيره ونفى اعتبار القبض عن غير الطعام وقد حكى ابن القيم في بدائع الفوائد عن أصحاب مالك كقول ابن المنذر ويكفي في رد هذا المذهب حديث حكيم فإنه يشتمل بعمومه غير الطعام وحديث زيد بن ثابت فإنه صرح بالنهي في السلع وقد استدل من خصص هذا الحكم بالطعام بما في البخاري من حديث ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى من عمر بكرا كان ابنه راكبا عليه ثم وهبه لابنه قبل قبضه " ويجاب عن هذا بانه خارج عن محل النزاع لان البيع معاوضة بعوض وكذلك الهبة إذا كانت بعوض وهذه الهبة الواقعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست على عوض وغاية ما في الحديث جواز التصرف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عوض ولا يصح الالحاق للبيع وسائر التصرفات بذلك لأنه مع كونه فاسد الاعتبار قياس مع الفارق وأيضا قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر .
الأمة أو نهاها أمرا أو نهيا خاصا بها ثم فعل ما يخالف ذلك ولم يقم دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه كان مختصا به لأن هذا الأمر أو النهي الخاصين بالأمة في مسألة مخصوصة هما أخص من أدلة التأسي العامة مطلقا فيبني العام على الخاص وذهب بعض المتأخرين إلى تخصيص إلى تخصيص التصرف الذي نهى عنه قبل القبض بالبيع دون غيره قال فلا يحل البيع ةيحل غيره من التصرفات وأراد بذلك الجمع بين أحاديث الباب وحديث شرائه صلى الله عليه وآله وسلم للبكر ولكنه يعكر عليه أن ذلك يستلزم الحاق جميع التصرفات التي بعوض وبغير عوض بالهبة بغير عوض وهو إلحاق مع الفارق وأيضا الحاقها بالهبة المذكورة دون البيع الذي وردت بمعنه الأحاديث تحكم والأولى الجمع بالحاق التصرفات بعوض بالبيع فيكون نعلها قبل القبض غير جائز والحاق التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة المذكورة وهذا هو الراجح ولا يشكل عليه ما قدمنا من أن ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزل مع ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزيل مع ذلك القائل بعد فرض أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب وقد عرفت أنه لا مخالفة فلا اختصاص ويشهد لما ذهبنا إليه إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض ويشهد له أيضا ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن طاوس قال قلت لابن عباس كيف ذاك قال دراهم بدراهم والطعام مرجأ استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه قال لما ساله طاوس ألا تراهم يتباعدون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشترى طعاما بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشترى بذهبه ذهبا أكثر منه ولا يخفى ان مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك أن المنع من كل تصرف قبل القبض من غير فرق بين ما كان بعوض وما لا عوض فيه لا دليل عليه إلا الالحاق لسائر التصرفات بالبيع وقد عرفت بطلان الحاق مالا عوض فيه بما فيه عوض ومجرد صدق اسم التصرف على الجميع لا يجعله مسوغا للقياس عارف بعلم الأصول : قوله " حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " فيه دليل على أنه لا يكفي مجرد القبض بل لابد من تحويله إلى المنزل الذي يسكن فيه المشتري أو يضع فيه بضاعته وكذلك يدل على هذا قوله في الرواية الأخرى " حتى يحولوه " وكذلك ما وقع في بعض طرق مسلم عن ابن عمر بلفظ " كنا نبتاع الطعام فبعث علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه " وقد قال صاحب الفتح أنه لا يعتبر الإيواء إلى الرحال لأن الأمر به خرج مخرج الغالب ولا يخفى أن هذه دعوى تحتاج إلى برهان لأنه مخالفة لما هو الظاهر ولا عذر لمن قال إنه يحمل المطلق على المقيد من المصير إلى ما دلت عليه هذه الروايات : قوله " جزافا " بتثليث الجيم والكسر أفصح من غيره وهو مالم يعلم قدره على التفصيل . قال ابن قدامة يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشتري قدرها : قوله " ولا أحسب كل شيء الا مثله " استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص المقتضى لكون سائر الأشياء كالطعام كما سلف : قوله " حتى يكتاله " قيل المراد بالاكتيال القبض والاستيفاء كما في سائر الروايات ولكنه لما كان الأغلب في الطعام ذلك صرح بلفظ الكيل وهو خلاف الظاهر كما عرفت والظاهر أن من اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فلا يكون قبضه الا بالكيل أو الوزن فإن قبضه جزافا كان فاسدا وبهذا قال الجمهور كما حكاه الحافظ عنهم في الفتح ويدل عليه حديث اختلاف الصاعين