- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة والحاكم وهو من صحيح حديث سماك ابن حرب لم يدلس فيه ولم يلقن أيضا فإنه من رواية شعبة عنه وكان شعبة لا يأخذ عن شيوخه ما دلسوا فيه ولا ما لقنوا . وحديث عائشة صححه أيضا الحافظ . وحديث حذيفة أخرجه أيضا ابن حبان من طريق جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة . وحديث عمار أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة وصححاه والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث صلة بن زفر قال كنا عند عمار فذكره وعلقه البخاري في صحيحه عن صلة وليس هو عند مسلم وقد وهم من عزاه إليه . قال ابن عبد البر هذا مسند عندهم مرفوع لا يختلفون في ذلك . وزعم أبو القاسم الجوهري أنه موقوف ورد عليه ورواه إسحاق ابن راهويه عن وكيع عن سفيان عن سماك عن عكرمة . ورواه الخطيب وزاد فيه ابن عباس .
( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند ابن عدي في ترجمة علي القرشي وهو ضعيف وعنه أيضا حديث آخر عند النسائي بلفظ ( لا تستقبلوا الشهر بصوم يوم أو يومين إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم ) وعنه أيضا حديث آخر عند البزار بلفظ ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام ستة أيام أحدها اليوم الذي يشك فيه . وفي إسناده عبد الله بن سعيد المقبري عن جده وهو ضعيف .
وأخرجه أيضا الدارقطني وفي إسناده الواقدي وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده عباد وهو عبد الله بن سعيد المقبري المتقدم وهو منكر الحديث كما قال أحمد بن حنبل .
( وقد استدل ) بهذه الأحاديث على المنع من صوم يوم الشك . قال النووي وبه قال مالك والشافعي والجمهور . وحكى الحافظ في الفتح عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك . قال ابن الجوزي في التحقيق ولأحمد في هذه المسألة وهي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال .
أحدها : يجب صومه على أنه من رمضان . وثانيها : لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة . ثالثها : المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر وذهب جماعة من الصحابة إلى صومه منهم علي وعائشة وعمر وابن عمر وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم وجماعة من التابعين منهم مجاهد وطاوس وسالم بن عبد الله وميمون بن مهران ومطرف بن الشخير وبكر بن عبد الله المزني وأبو عثمان النهدي .
وقال جماعة من أهل البيت باستحبابه وقد ادعى المؤيد بالله أنه أجمع على استحباب صومه أهل البيت وهكذا قال الأمير الحسن في الشفاء والمهدي في البحر وقد أسند لابن القيم في الهدى الرواية عن الصحابة المتقدم ذكرهم القائلين بصومه وحكى القول بصومه عن جميع من ذكرنا منهم .
ومن التابعين وقال وهو مذهب إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل واستدل المجوزون لصومه بأدلة . منها ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصومه وأجيب عنه بأن مرادها أنه كان يصوم شعبان كله لما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثها قالت ( ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان ) وهو غير محل النزاع لأن ذلك جائز عند المانعين من صوم يوم الشك لما في الحديث الصحيح المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه ) .
وأيضا قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا العام له ولهم لأنه يكون فعله مخصصا له من العموم . ومنها ما أخرجه الشافعي عن علي عليه السلام قال ( لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ) وأجيب بأن ذلك من رواية فاطمة بنت الحسين عن علي وهي لم تدركه فالرواية منقطعة ولو سلم الاتصال فليس ذلك بنافع " لأن لفظ الرواية أن رجلا شهد عند علي على رؤية الهلال فصام وأمر الناس أن يصوموا ثم قال لأن أصوم الخ فالصوم لقيام شهادة واحد عنده لا لكونه يوم شك وأيضا الاحتجاج بذلك على فرض أنه عليه السلام استحب صوم يوم الشك من غير نظر إلى شهادة الشاهد إنما يكون حجة على من قال بأن قوله حجة على أنه قد روى عنه القول بكراهة صومه حكى ذلك عنه صاحب الهدى . قال ابن عبد البر وممن روى عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك .
( والحاصل ) أن الصحابة مختلفون في ذلك وليس قول بعضهم بحجة على أحد والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد عرفته وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال وسيأتي الكلام على استقبال رمضان بيوم أو يومين في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى