- لفظ الدارقطني الأول أخرجه من رواية محمد بن عيسى بن الطباع عن ابن علية عن هشام عن ابن سيرين عنه وقال بعد قوله إسناده صحيح : إن رواته كلهم ثقات .
واللفظ الثاني أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال الحافظ في بلوغ المرام : وهو صحيح وقد تعقب قول الدارقطني إنه تفرد به محمد بن مرزوق عن الأنصاري بأن ابن خزيمة أيضا أخرجه عن إبراهيم بن محمد الباهلي عن الأنصاري وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي عن الأنصاري أيضا قال الأنصاري هو المتفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة .
قال في الفتح : والمراد أنه انفرد بذكر إسقاط القضاء فقط لا بتعيين رمضان . وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي سعيد مرفوعا : ( من أكل في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ) قال الحافظ : وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه صالح للمتابعة فأقل درجات الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة ويعتضد أيضا بأنه قد أفتى به جماعة من الصحابة من غير مخالف لهم كما قال ابن المنذر وابن حزم وغيرهما منهم علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر ثم هو موافق لقوله تعالى { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } فالنسيان ليس من كسب القلوب وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل لا بنسيانه انتهى .
( وقد ذهب إلى هذا الجمهور ) فقالوا من أكل ناسيا فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة . وقال مالك وابن أبي ليلى والقاسمية : إن من أكل ناسيا فقد بطل صومه ولزمه القضاء واعتذر بعض [ ص 284 ] المالكية عن الحديث بأنه خبر واحد مخالف للقاعدة وهو اعتذار باطل .
( والحديث ) قاعدة مستقلة في الصيام ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقي من الحديث إلا القليل ولرد من شاء ما شاء .
وأجاب بعضهم أيضا بحمل الحديث على التطوع حكاه ابن التين عن ابن شعبان وكذا قاله ابن القصار واعتذر بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان وهو حمل غير صحيح واعتذار فاسد يرده ما وقع في حديث الباب من التصريح بالقضاء ومن الغرائب تمسك بعض المتأخرين في فساد الصوم ووجوب القضاء بما وقع في حديث المجامع بلفظ : ( واقض يوما مكانه ) قال : ولم يسأله هل جامع عامدا أو ناسيا وهذا يرده ما وقع في أول الحديث فإنه عند سعيد بن منصور بلفظ : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تب إلى الله واستغفره وتصدق واقض يوما مكانه ) والتوبة والاستغفار إنما يكونان عن العمد لا عن الخطأ وأيضا بعد تسليم تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم يكون حديث الباب مخصصا له فلم يبق ما يوجب ترك العمل بالحديث .
وأما اعتذار ابن دقيق العيد عن الحديث بأن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات والقاعدة أن النسيان لا يؤثر في المأمورات فيجاب عنه بأن غاية هذه القاعدة المدعاة أن تكون بمنزلة الدليل فيكون حديث الباب مخصصا لها .
قوله : ( فإنما الله أطعمه وسقاه ) هو كناية عن عدم الإثم لأن الفعل إذا كان من الله كان الإثم منتفيا .
قوله : ( من أفطر يوما من رمضان ) ظاهره يشمل المجامع . وقد اختلف فيه فبعضهم لم ينظر إلى هذا العموم وقال إنه ملحق بمن أكل أو شرب وبعضهم منع من الإلحاق لقصور حالة المجامع عن حالة الآكل والشارب . وفرق بعضهم بين الأكل والشرب القليل والكثير وظاهر الحديث عدم الفرق . ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن أم إسحاق أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت أنها صائمة فقال لها ذو اليدين الآن بعد ما شبعت فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك ) [ ص 285 ]