- حديث ابن مسعود في إسناده أبو حمزة ميمون الأعور وليس بالقوي عند أهل الحديث . وقد اختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي وقفه كما قال المصنف وقال : إنه حديث غريب .
وحديث حذيفة قال الحافظ في الفتح : إسناده حسن وكلام إبراهيم الذي رواه سعيد بن منصور هو من طريق ابن علية عن ابن عون قال : قلت لإبراهيم هل كانوا يكرهون النعي قال : نعم ثم ذكره . وروى أيضا سعيد بن منصور بهذا الإسناد إلى ابن سيرين أنه قال : لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه .
قوله : ( إياكم والنعي ) النعي هو الإخبار بموت الميت كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة قال في القاموس نعاه له نعيا ونعيا ونعيانا أخبره بموته . وفي النهاية نعى الميت نعيا إذا ذاع موته وأخبر به انتهى . فمدلول النعي لغة هو هذا وإليه [ ص 97 ] يتوجه النهي لوجوب حمل كلام الشارع على مقتضى اللغة العربية عند عدم وجود اصطلاح له يخالفه . وقال في الفتح : إنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه وكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق . وقال ابن المرابط : إن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصاب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام انتهى .
ويستدل لجواز مجرد الإعلام بحديث أنس المذكور في الباب فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بقتل الثلاثة الأمراء المقتولين بمؤتة وقصتهم مشهورة وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة . وبحديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ) كما تقدم . وقد بوب عليه البخاري باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه . وبحديث أبي هريرة وغيره : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عند أن أخبر بموت السوداء أو الشاب الذي كان يقم المسجد ألا آذنتموني ) وقد تقدم .
وفي حديث ابن عباس ما منعكم أن تعلموني . وقد بوب عليه البخاري باب الإذن بالجنازة . وبحديث الحصين بن وحوح وقد تقدم في باب المبادرة إلى تجهيز الميت فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الإعلام بالموت لا يكون نعيا محرما وإن كان باعتبار اللغة مما يصدق عليه اسم النعي كما تقدم . ويؤيد ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي وابن سيرين كما سلف . وقال ابن العربي : يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات : .
الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة .
الثانية الدعوة للمفاخرة بالكثرة فهذا مكروه .
الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم انتهى .
( فالحاصل ) أن الإعلام للغسل والتكفين والصلاة والحمل والدفن مخصوص من عموم النهي لأن إعلام من لا تتم هذه الأمور إلا به مما وقع الإجماع على فعله في زمن النبوة وما بعده وما جاوز هذا المقدار فهو داخل تحت عموم النهي [ ص 98 ]