- حديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير عن ابن عباس .
قوله : ( ما من أيام العمل الصالح فيها ) في لفظ للبخاري : ( ما العمل الصالح في أيام ) وفي رواية كريمة عن الكشمينهي : ( ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه ) قال في الفتح : وهذا يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام التشريق وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري وزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا [ ص 385 ] الحديث بأنها أيام التشريق وفسر العمل بالتكبير لكونه أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط . وقال ابن أبي حمزة : الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيرها قال : ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما في حديث عائشة ولا ما صح من قوله إنها أيام أكل وشرب كما في حديث الباب لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ولم يمتنع فيها إلا الصوم قال : وسر كون العبادات فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها .
قال الحافظ : وهو توجيه حسن إلا أن المنقول يعارضه والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر وهو من الحفاظ عن الكشمهيني وهو شيخ كريمة بلفظ : ( ما العمل في أيام أفضل منها في هذه العشر ) وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن شعبة بالإسناد المذكور . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال : ( في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة ) وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة . ووقع في رواية وكيع باللفظ الذي ذكره المصنف وكذا رواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش ورواه الترمذي من رواية أبي معاوية وقال من هذه الأيام العشر . وقد ظن بعض الناس أن قوله في حديث الباب يعني أيام العشر تفسير من بعض الرواة لكن ما ذكرنا من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ : ( ما من عمل أزكى عند الله وأعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى ) وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان : ( ما من أيام أفضل عند الله من عشر ذي الحجة ) ومن جملة الروايات المصرحة بالعشر حديث ابن عمر المذكور في الباب فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب عشر ذي الحجة .
قوله : ( ولا الجهاد في سبيل الله ) يدل على تقرر أفضلية الجهاد عندهم وكأنهم استفادوا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد فقال : لا أجده كما في البخاري من حديث أبي هريرة .
قوله : ( إلا رجل ) هو على حذف مضاف أي إلا عمل رجل .
قوله : ( ثم لم يرجع بشيء من ذلك ) أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له . قال ابن بطال : هذا اللفظ يحتمل أمرين أن لا يرجع بشيء من ماله وإن رجع هو وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن رزقه الله الشهادة وتعقبه الزين ابن [ ص 386 ] المنير بأن قوله لم يرجع بشيء يستلزم أن يرجع بنفسه ولا بد انتهى .
قال الحافظ : وهو تعقب مردود فإن قوله لم يرجع بشيء نكرة في سياق النفي فتعم ما ذكر . وقد وقع في رواية الطيالسي وغندر وغيرهما عن شعبة وكذا في أكثر الروايات فلم يرجع من ذلك بشيء قال : والحاصل أن نفي الرجوع بالشيء لا يستلزم إثبات الرجوع بغير شيء بل هو على الاحتمال كما قال ابن بطال انتهى .
ومبنى هذا الاختلاف على توجيه النفي المذكور إلى القيد فقط كما هو الغالب فيكون هو المنتفي دون الرجوع الذي هو المقيد أو توجيهه إلى القيد والمقيد فينتفيان معا . ويدل على الثاني ما عند ابن أبي عوانة بلفظ : ( إلا من عقر جواده وأهريق دمه ) وفي رواية له : ( إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله ) وفي حديث جابر : ( إلا من عفر وجهه التراب ) .
( والحديث ) فيه تفضيل أيام العشر على غيرها من السنة وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر بصيام أفضل الأيام وقد تقدم الجمع بين حديث أبي هريرة عند مسلم : ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ) وبين الأحاديث الدالة على أن غيره أفضل منه .
( والحكمة ) في تخصيص عشر ذي الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات العبادة فيها الحج والصدقة والصيام والصلاة ولا يتأتى ذلك في غيرها وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم فيه احتمال . وقال ابن بطال : المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال . وثبت تحريم صومها وورد فيها إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر والمشروع منه فيها التكبير فقط وتعقبه الزين بأن العمل إنما يفهم منه عند الإطلاق العبادة وهي لا تنافي استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة .
وقال الكرماني : الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل والشرب انتهى . والذي يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد من العبادة الزائدة على مفروضات اليوم والليلة هو الذكر المأمور به وقد فسر بالتكبير كما قال ابن بطال . وأما المناسك فمختصة بالحاج . ويؤيد ذلك ما وقع في حديث ابن عمر المذكور في الباب من الأمر بالإكثار فيها من التهليل والتكبير . وفي البيهقي من حديث ابن عباس : ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير ) ووقع من الزيادة في حديث ابن عباس : ( وإن صيام يوم منها يعدل سنة والعمل بسبعمائة ضعف ) وللترمذي عن أبي هريرة : ( يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة فيها بقيام ليلة القدر ) لكن إسناده [ ص 387 ] ضعيف وكذا إسناد حديث ابن عباس .
قوله : ( قال ابن عباس ) هذا الأثر وصله عبد بن حميد وفيه الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام المعلومات أيام العشر . وروى ابن مردويه عن ابن عباس أن الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة والمعدودات أيام التشريق . قال الحافظ : وإسناده صحيح وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق . وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس أيضا أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى { ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } فإنه يشعر بأن المراد أيام النحر قال في الفتح : وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات ولا أيام التشريق معدودات بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق عليه لقوله تعالى { واذكروا الله في أيام معدودات } الآية وهكذا قال المهدي في البحر إن أيام التشريق هي الأيام المعدودات إجماعا . وقيل إنها سميت معدودات لأنها إذا زيد عليها شيء عد ذلك حصرا أي في حكم حصر العدد . وقد وقع الخلاف في أيام التشريق فمقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق ما بعد يوم النحر على اختلافهم هل هي ثلاثة أو يومان لكن ما ذكره من سبب تسميتها بذلك يقتضي دخول يوم العيد فيها . وقد حكى أبو عبيد أن فيه قولين : .
أحدهما : لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي يقددونها ويبرزونها للشمس . ثانيهما : لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعا ليوم النحر قال : وهذا أعجب القولين إلى أن قال الحافظ : وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس .
وعن ابن الأعرابي قال : سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس . وعن يعقوب بن السكيت قال : هو من قول الجاهلية أشرق ثبير كيما نغير أي ندفع للنحر . قال الحافظ : وأظنهم أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو العيد وإلا فهي في الحقيقة تبعا له في التسمية كما تبين من كلامهم . ومن ذلك حديث علي عليه السلام : ( لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ) أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد قال : وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول : لا تكبير إلا على أهل الأمصار قال : وهذا لم نجد أحدا يعرفه ولا وافقه عليه صاحباه ولا غيرهما ومن ذلك حديث من ذبح قبل التشريق فليعد أي قبل صلاة العيد رواه أبو عبيد من مرسل الشعبي ورجاله ثقات وهذا كله يدل على أن [ ص 388 ] يوم العيد من أيام التشريق .
قوله : ( وكان ابن عمر وأبو هريرة ) الخ قال الحافظ : لم أره موصولا وقد ذكره البيهقي معلقا عنهما وكذا البغوي .
قوله : ( وكان عمر ) الخ وصله سعيد بن منصور وأبو عبيد . وقوله ( ترتج ) بتثقيل الجيم أي تضطرب وتتحرك وهي مبالغة في اجتماع رفع [ الأصوات وقال ورد فعل ] ( 1 ) تكبير التشريق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيهقي والدارقطني أنه صلى الله عليه وآله وسلم كبر بعد صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر آخر أيام التشريق . وفي إسناده عمرو بن بشر وهو متروك عن جابر الجعفي وهو ضعيف عن عبد الرحمن بن سابط قال البيهقي : لا يحتج به عن جابر بن عبد الله وروي من طريق أخرى مختلفة أخرجها الدارقطني مدارها على عبد الرحمن المذكور واختلف فيها في شيخ جابر الجعفي . ورواه الحاكم من وجه آخر عن فطر بن خليفة عن أبي الفضل عن علي وعمار قال : وهو صحيح وصح من فعل عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وأخرج الدارقطني عن عثمان أنه كان يكبر من ظهر يوم النحر إلى صبح يوم الثالث من أيام التشريق . وأخرج أيضا هو والبيهقي عن ابن عمر وزيد بن ثابت أنهما كانا يفعلان ذلك وجاء عن ابن عمر خلاف ذلك رواه ابن أبي شيبة . وأخرج الدارقطني عن جابر وابن عباس أنهما كانا يكبران ثلاثا ثلاثا بسندين ضعيفين . وقال ابن عبد البر في الاستذكار : صح عن عمر وعلي وابن مسعود أنهم كانوا يكبرون ثلاثا ثلاثا الله أكبر الله أكبر الله أكبر . وقد حكى في البحر الإجماع على مشروعية تكبير التشريق إلا عن النخعي قال : ولا وجه له . وقد اختلف في محله فحكى في البحر عن علي وابن عمر والعترة والثوري وأحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد وأحد أقوال الشافعي أن محله عقيب كل صلاة من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق . وقال عثمان بن عفان وابن عباس وزيد بن علي ومالك والشافعي في أحد أقواله : بل من ظهر النحر إلى فجر الخامس . وقال الشافعي في أحد أقواله : بل من مغرب يوم النحر إلى فجر الخامس . وقال أبو حنيفة : من فجر عرفة إلى عصر النحر وقال داود والزهري وسعيد بن جبير : من ظهر النحر إلى عصر الخامس . قال في الفتح : وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع فمنهم من خص التكبير على أعقاب الصلوات . ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل . ومنهم من خصه بالرجال دون النساء وبالجماعة دون المنفرد وبالمؤداة دون المقضية وبالمقيم دون المسافر وساكن المصر دون القربة . قال : وللعلماء أيضا اختلاف في ابتدائه وانتهائه فقيل من صبح يوم عرفة وقيل من ظهره وقيل من عصره وقيل من صبح [ ص 389 ] يوم النحر وقيل من ظهره في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر . وقيل إلى عصره وقيل إلى ظهر ثانيه . وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق . وقيل إلى ظهره . وقيل إلى عصره . قال : حكى هذه الأقوال كلها النووي إلا الثاني من الانتهاء . وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث . وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجهما ابن المنذر وغيره . وأما صفة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال : كبروا الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا . ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه الفريابي في كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبي الزناد عنهم وهو قول الشافعي وزاد ولله الحمد . وقيل يكبر ثلاثا ويزيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ . وقيل يكبر ثنتين بعدهما لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد جاء ذلك عن عمر وابن مسعود وبه قال أحمد وإسحاق وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها انتهى كلام الفتح .
وقد استحسن البعض زيادات في تكبير التشريق لم ترد عن السلف وقد استوفى ذلك الإمام المهدي في البحر . والظاهر أن تكبير التشريق لا يختص استحبابه بعقب الصلوات بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام كما يدل على ذلك الآثار المذكورة .
_________ .
( 1 ) [ في الأصل كلمات غير واضحة وقد تم تصحيحها بالنظر إلى سياق المعنى . نظام سبعة ]