- أما حديث جابر فأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي وصححه ابن حزم والنووي وأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع وأن علي بن المبارك وغيره من الحفاظ رووه عن يحيى ابن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا وأن الأوزاعي رواه عن يحيى عن أنس فقال : ( بضع عشرة ) وبهذا اللفظ أخرجه البيهقي وهو ضعيف .
وقد اختلف فيه على الأوزاعي ذكره الدارقطني في العلل وقال : الصحيح عن الأوزاعي عن يحيى أن أنسا كان يفعله . قال الحافظ : ويحيى لم يسمع من أنس . وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أيضا الترمذي وحسنه والبيهقي وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف . قال الحافظ : وإنما حسن الترمذي حديثه لشواهده ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما عرف من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق .
وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا بلفظ : ( سبع عشرة ) بتقديم السين ابن حبان . وأما الأثر المروي عن ابن عمر فذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه . وأخرجه البيهقي بسند قال الحافظ : صحيح بلفظ : ( أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ) وقد اختلفت الأحاديث في إقامته صلى الله عليه وآله وسلم في مكة عام الفتح فروي ما ذكر المصنف وروي عشرون أخرجه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عباس . وروي خمسة عشر أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس أيضا . قال البيهقي : أصح الروايات في ذلك رواية البخاري وهي رواية تسع عشرة بتقديم التاء وجمع إمام الحرمين والبيهقي بين الروايات باحتمال أن يكون في بعضها لم يعد يومي الدخول والخروج وهي رواية سبعة عشر بتقديم السين وعدها في بعضها وهي رواية تسع عشرة بتقديم التاء وعد يوم الدخول ولم يعد يوم الخروج وهي رواية ثمانية عشر . قال الحافظ : وهو جمع متين وتبقى رواية خمسة عشر شاذة لمخالفتها ورواية عشرين وهي صحيحة الإسناد إلا أنها شاذة أيضا اه .
وقد ضعف [ ص 258 ] النووي في الخلاصة رواية خمسة عشر . قال في الفتح : وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم يفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك عن عبد الله كذلك .
وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل سبع عشرة فحذف منها يومي الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة أرجح الروايات وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة . وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمس عشرة لكونها أقل ما ورد فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا . وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين .
( وقد اختلف العلماء ) في تقدير المدة التي يقصر فيها المسافر إذا أقام ببلدة وكان مترددا غير عازم على إقامة أيام معلومة فذهب الهادي والقاسم والإمامية إلى أن من لم يعزم إقامة مدة معلومة كمنتظر الفتح يقصر إلى شهر ويتم بعده واستدلوا بقول علي عليه السلام المتقدم في شرح الباب الأول وقد تقدم الجواب عليه .
وذهب أبو حنيفة وأصحابه والإمام يحيى وهو مروي عن الشافعي إلى أنه يقصر أبدا لأن الأصل السفر ولما ذكره المصنف عن ابن عمر قالوا وما روي من قصره A في مكة وتبوك دليل لهم لا عليهم لأنه A قصر مدة إقامته ولا دليل على التمام فيما بعد تلك المدة . ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس : ( أن النبي A أقام بحنين أربعين يوما يقصر الصلاة ) ولكنه قال : تفرد به الحسن بن عمارة وهو غير محتج به . وروي عن ابن عمر وأنس أنه يتم بعد أربعة أيام .
( والحق ) أن الأصل في المقيم الإتمام لأن القصر لم يشرعه الشارع إلا للمسافر والمقيم غير مسافر فلولا ما ثبت عنه A من قصره بمكة وتبوك مع الإقامة لكان المتعين هو الإتمام فلا ينتقل عن ذلك الأصل إلا بدليل وقد دل الدليل على القصر مع التردد إلى عشرين يوما كما في حديث جابر ولم يصح أنه A قصر في الإقامة أكثر من ذلك فيقتصر على هذا المقدار ولا شك أن قصره صلى الله عليه وآله وسلم في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها ولكن ملاحظة الأصل المذكور هي القاضية بذلك .
( فإن قيل ) المعتبر صدق اسم المسافر على المقيم المتردد وقد قال A : ( إنا قوم سفر ) فصدق عليه هذا الاسم ومن صدق عليه هذا الاسم قصر لأن المعتبر هو السفر لانضباطه لا المشقة لعدم انضباطها فيجاب عنه أولا بأن في الحديث المقال المتقدم [ ص 259 ] وثانيا بأنه يعلم بالضرورة أن المقيم المتردد غير مسافر حال الإقامة فإطلاق اسم المسافر عليه مجاز باعتبار ما كان عليه أو ما سيكون عليه