[ ص 208 ] - الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي مطولا وابن ماجه مختصرا وقد وقع في بعض نسخ هذا الكتاب مكان قوله رواه أحمد ومسلم الخ رواه الجماعة إلا البخاري وهو الصواب . وأخرجه أيضا ابن حبان وزاد إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وكذلك رواه الشافعي وقيده أيضا بالمكتوبة وكذا غيرهما وأما مسلم فقيده بصلاة الليل وزاد لفظ من جوف الليل .
قوله ( كان إذا قام إلى الصلاة ) وزاد أبو داود ( كبر ) ثم قال : وهذا تصريح بأن هذا التوجه بعد التكبيرة لا كما ذهب إليه من ذكرنا في شرح الحديث السابق من أنه قبل التكبيرة محتجين على ذلك بقوله تعالى { وكبره تكبيرا } بعد قوله { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } إلى آخره وهو عندهم التوجه الصغير وقوله ( وجهت وجهي ) التوجه الكبير وهذا إنما يتم بعد تسليم أن المراد بقوله { وكبره تكبيرا } الإحرام وبعد تسليم أن الواو تقتضي الترتيب وبعد تسليم أن قوله تعالى { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } إلى آخره من التوجهات الواردة .
وهذه الأمور جميعا ممنوعة ودون تصحيحها مفاوز وعقاب والأحسن الاحتجاج لهم بإطلاق بعض الأحاديث الواردة كحديث جابر بلفظ : ( كان إذا استفتح الصلاة ) وحديث الباب بلفظ : ( كان إذا قام إلى الصلاة ) ولا يخفى عليك أنه قد ورد التقييد في حديث أبي هريرة المتقدم وفي حديث الباب أيضا في رواية أبي داود كما ذكرنا . وفي حديث أبي سعيد : ( كان إذا قام إلى الصلاة كبر ) وسيأتي . وقد ورد التقييد في غير حديث وحمل المطلق على المقيد واجب على ما هو الحق في الأصول .
( ومن غرائبهم ) قولهم : إنه لا يشرع التوجه بغير ما ورد في هذا الحديث من الألفاظ القرآنية إلا قوله تعالى { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } الخ وقد وردت الأحاديث الصحيحة بتوجهات متعددة .
قوله ( وجهت وجهي ) قبل معناه قصدت بعبادتي . وقيل أقبلت بوجهي وجمع السماوات وإفراد الأرض مع كونها سبعا لشرفها . وقال القاضي أبو الطيب : لأنا لا ننتفع من الأرض إلا بالطبقة الأولى بخلاف السماء فإن الشمس والقمر والكواكب موزعة عليها . وقيل لأن الأرض السبع لها سكن أخرج البيهقي عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قال : قوله { ومن الأرض مثلهن } قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم . قال : وإسناده صحيح عن ابن عباس غير أني لا أعلم لأبي الضحى متابعا .
قوله ( حنيفا ) الحنيف المائل إلى الدين الحق وهو الإسلام قاله الأكثر ويطلق على المائل والمستقيم وهو عند العرب [ ص 209 ] اسم لمن كان على ملة إبراهيم وانتصابه على الحال .
قوله ( ونسكي ) النسك العبادة لله وهو من ذكر العام بعد الخاص .
قوله ( ومحياي ومماتي ) أي حياتي وموتي . والجمهور على فتح الياء الآخرة في محياي وقرئ بإسكانها .
قوله ( وأنا من المسلمين ) في رواية لمسلم : ( وأنا أول المسلمين ) قال الشافعي : لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان أول مسلمي هذه الأمة . وفي رواية أخرى لمسلم كما هنا . قال في الانتصار : إن غير النبي إنما يقول وأنا من المسلمين وهو وهم منشؤه توهم أن معنى وأنا أول المسلمين أني أول شخص اتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه وليس كذلك بل معناه بيان المسارعة في الامتثال لما أمر به ونظيره : { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } وقال موسى { وأنا أول المؤمنين } وظاهر الإطلاق أنه لا فرق في قوله وأنا من المسلمين وقوله وما أنا من المشركين بين الرجل والمرأة وهو صحيح على إرادة الشخص . وفي المستدرك للحاكم من رواية عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة : ( قومي فاشهدي أضحيتك وقولي إن صلاتي ونسكي إلى قوله وأنا من المسلمين ) فدل على ما ذكرناه .
قوله ( ظلمت نفسي ) اعتراف بما يوجب نقص حظ النفس من ملابسة المعاصي تأدبا وأراد بالنفس هنا الذات المشتملة على الروح .
قوله ( لأحسن الأخلاق ) أي لأكملها وأفضلها .
قوله ( سيئها ) أي قبيحها .
قوله ( لبيك ) هو من ألب بالمكان إذا أقام به وثنى هذا المصدر مضافا إلى الكاف وأصل لبيك لبين فحذف النون للإضافة . وقال النووي : قال العلماء ومعناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة .
قوله ( وسعديك ) قال الأزهري وغيره : معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة .
قوله ( والخير كله في يديك ) زاد الشافعي عن مسلم بن خالد عن موسى بن عقبة والمهدي من هديت . قال الخطابي وغيره : فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب .
قوله ( والشر ليس إليك ) قال الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم : معناه لا يتقرب به إليك روى ذلك النووي عنهم وهذا القول الأول والقول الثاني حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني أن معناه لا يضاف إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا وإن كان خالق كل شيء ورب كل شيء وحينئذ يدخل الشر في العموم . والثالث معناه والشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب [ ص 210 ] والعمل الصالح . والرابع معناه والشر ليس شرا بالنسبة إليك فأنت خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين . والخامس حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم حكى هذه الأقوال النووي في شرح مسلم وقال : إنه مما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها اه وفي المقام كلام طويل ليس هذا موضعه .
قوله ( أنا بك وإليك ) أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك قاله النووي .
قوله ( تباركت ) قال ابن الأنباري : تبارك العباد بتوحيدك وقيل ثبت الخير عندك وقال النووي : استحققت الثناء .
قوله ( خشع لك ) أي خضع وأقبل عليك من قولهم خشعت الأرض إذا سكنت واطمأنت .
قوله ( ومخي ) قال ابن رسلان : المراد به هنا الدماغ وأصله الودك الذي في العظم وخالص كل شيء مخه .
قوله ( وعصبي ) العصب طنب المفاصل وهو ألطف من العظم زاد الشافعي في مسنده من رواية أبي هريرة : ( وشعري وبشري ) والجمهور على تضعيف هذه الزيادة وزاد النسائي من رواية جابر : ( ودمي ولحمي ) وزاد ابن حبان في صحيحه : ( وما استقلت به قدمي لله رب العالمين ) .
قوله ( ملء السماوات ) هو وما بعده بكسر الميم ونصب الهمزة ورفعها والنصب أشهر قاله النووي ورجحه ابن خالويه وأطنب في الاستدلال وجوز الرفع على أنه مرجوح .
وحكى عن الزجاج أنه يتعين الرفع ولا يجوز غيره وبالغ في إنكار النصب . والذي تقتضيه القواعد النحوية هو ما قاله ابن خالويه . قال النووي : قال العلماء معناه حمدا لو كان أجساما لملأ السماوات والأرض وما بينهما لعظمه وهكذا قال القاضي عياض وصرح أنه من قبيل الاستعارة .
قوله ( وملء ما شئت من شيء بعد ) وذلك كالكرسي والعرش وغيرهما مما لم يعلمه إلا الله والمراد الاعتناء في تكثير الحمد .
قوله ( وصوره ) زاد مسلم وأبو داود فأحسن صوره وهو الموافق لقوله تعالى { فأحسن صوركم } .
قوله ( وشق سمعه وبصره ) رواية أبي داود فشق قال القاضي عياض : قال الإمام يحتج به من يقول الأذنان من الوجه وقد مر الكلام على ذلك .
قوله ( فتبارك ) هكذا رواية ابن حبان وهو في مسلم بدون الفاء وفي سنن أبي داود بالواو .
قوله ( أحسن الخالقين ) أي المصورين والمقدرين . والخلق في اللغة الفعل الذي يوجده فاعله مقدرا له لا عن سهو وغفلة والعبد قد يوجد منه ذلك . قال الكعبي : لكن لا يطلق الخالق على العبد إلا مقيدا كالرب .
قوله ( ما قدمت وما أخرت ) المراد بقوله ما أخرت إنما هو بالنسبة إلى ما وقع من ذنوبه المتأخرة لأن الاستغفار قبل الذنب محال كذا قال أبو الوليد النيسابوري . قال الأسنوي : ولقائل [ ص 211 ] أن يقول المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه .
قوله ( وما أسررت وما أعلنت ) أي جميع الذنوب لأنها إما سرا أو علن .
قوله ( وما أسرفت ) المراد الكبائر لأن الإسراف الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه .
قوله ( وما أنت أعلم به مني ) أي من ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك .
قوله ( أنت المقدم وأنت المؤخر ) قال البيهقي : قدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين وأخر من شاء عن مراتبهم . وقيل قدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده وأخر من أبعده عن غيره فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم .
قوله ( لا إله إلا أنت ) أي ليس لنا معبود نتذلل له ونتضرع إليه في غفران ذنوبنا إلا أنت .
( الحديث ) يدل على مشروعية الاستفتاح بما في هذا الحديث . قال النووي : إلا أن يكون إماما لقوم لا يرون التطويل . وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام . وفيه الدعاء في الصلاة بغير القرآن والرد على المانعين من ذلك وهم الحنفية والهادوية