أيهما أفضل الفقير الصابر أم الغني الشاكر ؟ .
الحديث يتعلق بالمسألة المشهورة بالتفضيل بين الغني الشاكر و الفقير الصابر و قد اشتهر الخلاف و الفقراء ذكروا للرسول صلى الله عليه و سلم ما يقتضي تفضيل الأغنياء بسبب القربات المتعلقة بالمال و أقرهم النبي A على ذلك و لكن علمهم ما يقوم مقام تلك الزيادة فلما قالها الأغنياء ساووهم فيها و بقي معهم رجحان قربات الأموال فقال عليه السلام ذلك فضل يؤتيه من يشاء بتأويل مستكره يخرجه عما ذكرناه من الظاهر و الذي يقتضيه الأصل أنهما إن تساويا و حصل الرجحان بالعبادات المالية أن يكون الغني أفضل و لا شك في ذلك و إنما النظر إذا تساويا في أداء الواجب فقط و انفرد كل واحد بمصلحة ما هو فيه و إذا كانت المصالح متقابلة ففي ذلك نظر يرجع إلى تفسير الأفضل فإن فسر بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة و إن كان الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق و الرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقراء و لهذا المعنى ذهب الجمهور من الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر لأن مدار الطريق على تهذيب النفس و رياضتها و ذلك مع الفقر أكثر منه في الغنى فكان الأفضل بمعنى الأشرف و قوله ذهب أهل الدثور الدثر : هو المال الكثير .
و قوله تدركون من سبقكم يحتمل أن يراد به السبق المعنوي وهو السبق في الفضيلة و قوله من بعدكم أي من بعدكم في الفضيلة ممن لا يعمل هذا العمل و يحتمل أن يراد القبلية الزمانية و البعدية الزمانية و لعل الأول أقرب إلى السياق فإن سؤالهم كان عن أمر الفضيلة وتقدم الأغنياء فيها .
و قوله لا يكون أحد أفضل منكم يدل على ترجيح هذه الأذكار على فضيلة المال و على أ تلك الفضيلة للأغنياء مشروطة بأن لا يفعلوا هذا الفعل الذي أمر به الفقراء و في تلك الرواية تعليم كيفية هذا الذكر و قد كان يمكن أن يكون فرادى - أي كل كلمة على حدة - و لو فعل ذلك جاز و حصل به المقصود و لكن بين في هذه الرواية أنه يكون مجموعا و يكون العدد للجملة و إذا كان كذلك يحصل في كل فرد هذا العدد و الله أعلم