وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قوله و لعن المؤمن كقتله .
المسألة الرابعة : قوله عليه السلام [ و لعن المؤمن كقتله ] فيه سؤال وهو أن يقال : إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا أو في أحكام الآخرة ؟ لا يمكن أن يكون المراد أحكام الدنيا لأن قتله يوجب القصاص و لعنه لا يوجب ذلك و أما أحكام الآخرة فإما أن يراد بها التساوي في الإثم أو العقاب ؟ و كلاهما مشكل لأن الإثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل و ليس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعنة و كذلك العقاب يتفاوت بحسب تفاوت الجرائم قال الله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } .
و ذلك دليل على التفاوت في العقاب و الثواب بحسب التفاوت في المصالح و المفاسد فإن الخيرات مصالح و المفاسد شرور قال القاضي عياض : قال الإمام - يعني المازري - الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم وهو تشبيه واقع لأن اللعنة قطع عن الرحمة و الموت قطع عن التصرف قال القاضي و قيل : لعنته تقتضي قصده بإخراجه من جماعة المسلمين و منعهم منافعه و تكثير عددهم به كما لو قتله و قيل : لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه و بعده منها بإباحة لعنته فهو كمن قتل في الدنيا و قطعت عنه منافعه فيها و قيل : الظاهر من الحديث : تشبيه في الإثم و كذلك ما حكاه من أن معناه استواؤهما في التحريم .
و أقول هذا يحتاج إلى تلخيص و نظر أما ما حكاه عن الإمام - من أن معناه استواؤهما في التحريم - فهذا يحتمل أمرين أحدهما : أن يقع التشبيه و الاستواء في أصل التحريم و الإثم و الثاني : أن يقع في مقدار الإثم .
فأما الأول : فلا ينبغي أن يحمل عليه لأن كل معصية - قلت أو عظمت - فهي مشابهة أو مستوية مع القتل في أصل التحريم فلا يبقى في الحديث كبير فائدة مع أن المفهوم منه تعظيم أمر اللعنة بتشبيهها بالقتل .
و أما الثاني : فقد بينا ما فيه من الإشكال وهو التفاوت في المفسدة بين إزهاق الروح و إتلافها و بين الأذى باللعنة .
و أما ما حكاه عن الإمام من قوله : إن اللعنة قطع عن الرحمة و الموت قطع عن التصرف فالكلام عليه أن نقول : اللعنة قد تطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعل الله تعالى و هذا الذي يقع فيه التشبيه و الثاني : أن تطلق اللعنة على فعل اللاعن وهو طلبه لذلك الإبعاد بقوله لعنة الله مثلا أو بوصفه للشخص بذلك الإبعاد بقوله فلان ملعون و هذا ليس بقطع عن الرحمة بنفسه ما لم تتصل به الإجابة فيكون حينئذ تسببا إلى قطع التصرف و يكون نظيره : التسبب إلى القتل غير أنهما يفترقان في أن التسبب إلى القتل بمباشرة الحز و غيره من مقدمات القتل مفض إلى القتل بمطرد العادة فلو كان مباشرة اللعن مفضيا إلى الإبعاد الذي هو اللعن دائما : لاستوى اللعن مع مباشرة مقدمات القتل أو زاد عليه .
و بهذا يتبين لك الإيراد على ما حكاه القاضي من أن لعنته تقتضي قصده إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتله فإن قصده إخراجه لا يستلزم إخراجه كما يستلزم مقدمات القتل و كذلك أيضا ما حكاه من أن لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه بإجابة دعوته إنما يحصل ذلك بإجابة الدعوة و قد لا تجاب في كثير من الأوقات فلا يحصل انقطاعه عن منافعه كما يحصل بقتله و لا يستوي القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدمات القتل المفضية إليه في مطرد العادة .
و يحتمل ما حكاه القاضي عن الإمام و غيره أو بعضه أن لا يكون تشبيها في حكم دنيوي و لا أخروي بل يكون تشبيها لأمر وجودي بأمر وجودي كالقطع و القطع - مثلا في بعض ما حكاه - أي قطعه عن الرحمة أو عن المسلمين بقطع حياته و فيه بعد ذلك نظر .
و الذي يمكن أن يقرر به ظاهر الحديث في استوائهما في الإثم أنا نقول : لا نسلم أن مفسدة اللعن مجرد أذاه بل فيها - مع ذلك - تعريضه لإجابة الدعاء فيه بموافقة ساعة لا يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه كما دل عليه الحديث من قوله صلى الله عليه و سلم [ لا تدعوا على أولادكم لا توافقوا ساعة - الحديث ] و إذا عرضه باللعنة لذلك وقعت الإجابة و إبعاده من رحمة الله تعالى كان ذلك أعظم من قتله لأن القتل تفويت الحياة الفانية قطعا و الإبعاد من رحمة الله تعالى أعظم ضررا بما لا يحصى و قد يكون أعظم الضررين على سبيل الاحتمال مساويا أو مقاربا لأخفهما على سبيل التحقيق و مقادير الفساد و المصالح و أعدادهما أمر لا سبيل للبشر إلى الاطلاع على حقائقه