فصل وحروف القسم .
ثلاثة باء وهي الأصل ولذلك بدأ بها لأنها حرف تعدية ويليها مظهر كبرب المشارق والمغارب و يليها مضمر كالله أقسم به و الثاني واو يليها مظهر فقط كوالله والنجم وهي أكثر استعمالا و الثالث تاء وأصلها الواو و يليها اسم الله تعالى خاصة نحو تالله لأكيدن أصنامكم وشذ تالرحمن وترب الكعبة وتربي ونحوه فلا يقاس عليه وإن ادعى من أتى بأحد الحروف الثلاثة في موضعه المستعمل فيه أنه لم يرد القسم لم يقبل منه لأنه خلاف الظاهر و قوله بالله لأفعلن يمين ولوقال : أردت أني أفعل بمعونة الله ولم أرد القسم لم يقبل وفي الترغيب : إن نوى بالله أثق ثم ابتدأ لأفعلن احتمل وجهين باطنا و قوله أسألك بالله لتفعلن بنية فإن نوى به اليمين انعقد كما لو لم يقل : أسألك وان نوى السؤال دون اليمين لم ينعقد فإن أطلق فلم ينو شيئا لم ينعقد لأنه يحتمل اليمين وغيره فلا ينصرف إليه إلا بنية ويصح قسم بغير حرفه ك قوله الله لأفعلن جرا للاسم الكريم ونصبا له لأن كلا منهما لغة صحيحة كقوله A لركانة لما طلق امرأته [ الله : ما أردت إلا طلقة واحدة ] وقال ابن مسعود : لما أخبر النبي A بقتل أبي جهل [ وقال له : الله أنك قتلته ؟ الله إني قتلته ] فإن نصبه أي المقسم به مع واو القسم أو رفعه معها أو رفعه دونها ف ذلك يمين لأن ما لا يعرف العربية لا يفرق بين الجر وغيره والظاهر منه مع اقترانه بالجواب إرادة اليمين إلا أن لا ينويها لأن عدوله عن الإعراب دليل عدم قصد اليمين فإن نوى به اليمين عربي أي من يحسن العربية فلا تكون يمينا لأن المقسم به لا يكون مرفوعا وإنما هومبتدأ أوعطف على شيء تقدم ولا يكون منصوبا مع الواو إذ لا تكون إذا إلا عاطفة فعدوله عن الجرظاهر في إرادته غيراليمين فإن نوى به اليمين فيمين لأنه لاحن واللحن لا يقاوم النية كلحنه في القرآن لا يخرجه عن كونه قرآنا ويجاب قسم في إيجاب أي إثبات بإن بكسرالهمزة خفيفة كقوله تعالى : { إن كل نفس لما عليها حافظ } و بإن ثقيلة كقوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } وبلام كقوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } ولام ونوني توكيد أي الثقيلة والخفيفة نحو قوله تعالى : { ليسجنن وليكونا من الصاغرين } وبقد كقوله تعالى : { قد أفلح من زكاها } بعد { والشمس وضحاها } وببل عند الكوفيين كقوله تعالى : { ق والقرآن المجيد * بل عجبوا } وقال البصريون الجواب محذوف واختلفوا في تقديره فقيل : إنه لمعجز وقيل غيره و يجاب قسم في نفي بما كقوله تعالى : { ما ضل صاحبكم } وبإن بمعناها أي ما النافية كقوله تعالى : { وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } وبلا النافية كقوله : .
( وآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولامن جفى حتى تلاقي محمدا ) .
وتحذف لا من جواب قسم إذا كان الفعل مضارعا كنحو والله أفعل ومنه قوله تعالى : { تالله تفتأ تذكر يوسف } ويكره حلف بالأمانة لحديث [ من حلف بالأمانة فليس منا ] رواه أبو داود وفي الاقناع : كراهة تحريم ك ما يكره الحلف بعتق وطلاق لحديث أبي هريرة مرفوعا [ لا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون ] رواه النسائي ويحرم الحلف بذات غير الله تعالى أو غير صفته تعالى لحديث ابن عمر [ أن النبي A سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ] متفق عليه وعن ابن عمر مرفوعا [ من حلف بغير الله فقد كفر أوأشرك ] رواه الترمذي وحسنه وهوعلى التغليظ سواء أضافه أي المحلوف به إليه تعالى كقوله أي الحالف ومخلوق الله ومقدوره ومعلومه وكتبه ورسله أولا كقوله والكعبة والرسول وأبي لاشتراكهما في الحلف بغير اسم الله تعالى قال ابن مسعود وغيره لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا قال الشيخ تقي الدين لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك يشير إلى حديث ابن عمر السابق ولا كفارة في الحلف بغير الله تعالى ولوحنث لأنها وجبت في الحلف بالله تعالى وصفاته صيانة لأسمائه تعالى وغيره لا يساويه في ذلك وعند الأكثر من أصحابنا إلا في حلف ب نبينا محمد A فتجب الكفارة إذا حلف به وحنث ونص عليه في رواية أبي طالب لأنه أحد شرطي الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلما واختار ابن عقيل : أن الحلف بغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كهو والأشهر لا تجب به وهو قول أكثر الفقهاء لعموم الأخبار ويجب الحلف لانجاء معصوم من هلكه ولو نفسه كتوجه أيمان القسامة عليه وهو محق وبندب الحلف لمصلحة كإزالة حقد وإصلاح بين متخاصمين ودفع شر وهو صادق ويباح الحلف على فعل مباح أو تركه كأكل سمك أو تركه ويكره الحلف على فعل مكروه كأكل بصل وثوم نيء أو على ترك مندوب كصلاة الضحى ويحرم الحلف على فعل محرم كشرب خمر أو على ترك واجب كنفقة على نحوزوجة أو يحلف كاذبا عالما بكذبه وعلم منه أن اليمين تعتريه الأحكام الخمسة وكذا الحنث فيه والبر كما أشار إليه بقوله ومن حلف على فعل مكروه أو حلف على ترك مندوب سن حنثه وكره بره لما يترتب على بره من ترك المندوب قادرا و من حلف على فعل مندوب أو ترك مكروه كره حنثه وسن بره لما يترتب على بره من الثواب بفعل المندوب وترك المكروه امتثالا و من حلف على فعل واجب أو على ترك محرم حرم حنثه لما فيه من ترك الواجب أو فعل المحرم ووجب بره لما مر و من حلف على فعل محرم أو على ترك واجب وجب حنثه لئلا يأثم بترك الواجب أو فعل المحرم وحرم بره لما سبق ويخير من حلف في مباح ليفعلنه أو لا يفعله بين حنثه وبره وحفظها فيه أولى من حنثه لقوله تعالى : { واحفظوا أيمانكم } كافتداء محق في دعوى عليه لي مين واجبة أي وجبت عليه عند حاكم فافتداؤه أولى من حلفه لفعل عثمان وقيل له في ذلك ؟ فقال : خفت أن يوافق قدر بلاء فيقال : يمين عثمان ويباح الحلف لمحق عند غيره أي الحاكم قال في الفروع : ويتوجه فيه يستحب لمصلحة كزيادة طمأنينة وتوكيد الأمر وغيره ومنه قوله A لعمر عن صلاة العصر [ والله ما صليتها ] تطمينا منه لقلبه ولا يلزم محلوفا عليه إبرار قسم ك ما لا تلزم إجابة سؤال بالله تعالى لأن الايجاب بابه التوفيق ولا توفيق فيه وقال الشيخ تقي الدين إنما يجب على معين فلا تجب إجابة سائل يقسم على الناس ويسن إبرار قسم كإجابة سؤال بالله تعالى لحديث ابن عباس مرفرعا قال : [ وأخبركم بشر الناس ؟ قلنا : نعم يا رسول الله قال : الذي يسأل بالله ولا يعطي به ] رواه أحمد و الترمذي وقال حسن غريب و لا يسن تكرار حلف فإن أفرط في التكرار كره ذلك لقوله تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين } وهو ذم له يقتضي كراهة الاكثار نقل حنبل : لا تكثروا الحلف فإنه مكروه