باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس من جراح أو أطراف .
من أخذ بغيره في نفس أخذ به فيما دونها لقوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص } ولحديث أنس بن النضر وفيه كتاب الله القصاص رواه البخاري وغيره ولأن حرمة النفس أقوى من حرمة الطرف بدليل وجوب الكفارة في النفس دون الطرف وإذا جرى القصاص في النفس مع تأكد حرمتها فجريانه في الطرف أولى لكن بالشروط المتقدمة ومن لا يؤخذ بغيره في نفس فلا يؤخذ به فيما دونها كالأبوين مع ولدهما والحر مع العبد والمسلم مع الكافر فلا يقتص له في طرف ولا جراح لعدم المكافأة وكذا قاطع حربي أو مرتد أو زان محصن فلا قطع عليه ولوأنه مثله ويقطع حر مسلم وذمي وعبد بمثله وذكر بأنثى وخنثى وعكسه وناقص بكامل كالعبد بالحر والكافر بالمسلم وهو أي القصاص فيما دون النفس في نوعين أحدهما أطراف و الثاني جروح ويجب القصاص في النوعين بأربعة شروط أحدها العمد المحض فلا إقصاص في الخطأ إجماعا لأنه لا يوجب القصاص في النفس وهي الأصل ففيما دونها أولى ولا فى شبه العمد والآية مخصوصة بالخطأ فكذا شبه العمد قياسا على النفس الشرط .
الثاني إمكان الاستيفاء أي استيفاء القصاص فيما دون النفس بلا حيف بأن يكون القطع من مفصل بفتح أوله وكسرثالثه كالكوع والمرفق والكعب أو ينتهي إلى حد كما رن الأنف وهو ما لان منه أي الأنف دون قصبته فلا قصاص في جائفة أي جرح واصل إلى باطن الأرض ولا في كسر عظم غير سن ونحوه كضرس ولا إن قطع القصبة أي قصبة أنف أو قطع بعض ساعد أو قطع بعض ساق أو قطع بعض عضد أو بعض ورك لأنه لا يمكن الاستيفاء منها بلا حيف بل ربما أخذ أكثر من الفائت أو يسرى إلى عضوآخرأو إلى النفس فيمنع منه وإن قطع يده من الكوع فتأكلت الى نصف الذراع فلا قود اعتبارا بالاستقرار قاله القاضي وغيره وقدمه في الرعايتين وصححه وجزم به في الاقناع وقال المجد يقتص هنا من الكوع لأنه محل جنايته وأما الأمن من الحيف فشرط لجوازه أي الاستيفاء لوجوب القصاص حيث وجدت شروطه وهو العدوان على مكافئه عمدا مع المساواة في الاسم والصحة والكمال لكن الاستيفاء غيرممكن لخوف العدوان وفائدة ذلك أنا إذا قلنا أنه شرط للوجوب تعينت الدية إذا لم يوجد الشرط وإن قلنا أنه شرط للاستيفاء دون الوجوب فإن قلنا الواجب القصاص علينا لم يجب بذلك شيء إلا أن المجنى عليه إذا عفا يكون قد عفا عن حق يحصل له ثوابه وإن قلنا موجب العمد أحد شيئين انتقل الوجوب الى الدية فيقتص مجنى عليه من منكب ما لم يخف جائفة بلا نزاع قاله في شرحه فإن خيف إن اقتص من منكب جائفة فله أن يقتص من مرفقه لأنه أخذ ما أمكنه من حقه ومن أوضح إنسانا أوشج إنسانا دون موضحة أو لطمه فذهب ضوء عينه أو لطمه فذهب شمه أو سمعة فعل به أي الجاني كما فعل قال في شرحه في الأصح فيوضحه المجنى عليه مثل موضحته أو يشجه مثل شجته أو يلطمه مثل لطمته اه وقال الشارح لا يقتص منه دون شجته بغيرخلاف علمناه وقال أيضا لم يجز أن يقتص منه باللطمة فإن ذهب بذلك ما أذهبه الجاني من سمع أو بصر أو شم فقد استوفى الحق وإلا يذهب فعل ما يذهبه من غير جناية على حدقة أو أنف أو أذن بضرب أو نحوه فإن لم يمكن ذهابه إلا بذلك أي الجناية على حدقة أو أنف أو أذن بضرب أو غيره سقط والقود إلى الدية وتكون في مال جان لا على عاقلته لأنها لا تحمل العمد ومن قطعت يده من مرفق فأراد القطع من كوع يد جان منع لإمكان الاستيفاء من محل الجناية فلا يقتص من غيره لاعتبار المساواة في المحل حيث لا مانع الشرط الثالث المساواة في الاسم كالعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن للآية ولأن القصاص يقتضي المساواة والاختلاف في الاسم دليل الاختلاف في المعنى و المساواة في الموضع فلا تؤخذ يمين بيسارولا عكسه ولا جراحة في الوجه بجراحة في الرأس ونحوه اعتبارا للمماثلة فيؤخذ كل من أنف بمثله وذكر مختون أو لا أي غير مختون بذكر مختون أو لا إذ الختان وعدمه لا أثر له في المساواة في الصحة والكمال ولأن القلفة زيادة مستحقة الازالة فوجودها كعدمها وسواء الصغير والكبير والصحيح والمريض والذكر الكبير والصغير لعدم اختلاف ما يجب فيه القصاص بذلك و يؤخذ كل من أصبع وكف ومرفق ويمين ويسار من عين وأذن مثقوبة أو لا ويد ورجل وخصية وألية بفتح الهمزة ولا يقال إلية ولالية ذكره الجوهري وشفر امرأة بوزن قفل وهو أحد الشفرين أي اللحمين المحيطين بالرحم كإحاطة الشفتين بالفم أبين أي قطع بمثله و يؤخذ كل من عليا وسفلى من شفة ويمنى ويسرى وعليا وسفلى من سن مربوطة أو لا أي غيرمربوطة بمثلها في الموضع و يؤخذ جفن بمثله أي في الموضع وعلم منه جريان القصاص في الألية والشفر لقوله تعالى : { والجروح قصاص } ولأن لهما حدا ينتهيان إليه فجرى القصاص بينهما كالذكر وكذا الخصية إن قال أهل الخبرة أنه يمكن أخذها مع سلامة الأخرى ولو قطع شخص صحيح أنملة عليا من شخص و قطع الصحيح أيضا أنملة وسطى من أصبع نظيرتها من شخص آخر ليس له أنملة عليا خير رب الأنملة الوسطى بين أخذ عقلها أي دية الأنملة الوسطى الآن لتعذر القصاص فيها ولا قصاص له بعد أخذ عقلها لأنه بمنزلة العفو و بين صبر عن أخذ عقلها حتى تذهب عليا قاطع بقود أو غيره من مرض أو قطع تعديا ثم يقتص بقطع الوسطى ولا أرش له الآن إن صير بخلاف غصب مال فإنه إذا تعذر رده مع بقاء عينه فلمالكه أخذ بدله الآن للحيلولة فإذا رده بعد ذلك أخذ ما دفعه من البدل والفرق أنه في الغصب سد .
مال مسد مال بخلاف ما هنا ويؤخذ عضو زائد ب عضو زائد مثله موضعا وخلقة ولو تفاوتا قدرا كالأصليين فإن كان أحد الأصبعين عند الأبهام والأخر عند الخنصر مثلا أوأحدهما بصورة الإبهام والآخر بصورة الخنصر مثلا فلا قصاص لانتفاء المساواة و لا يؤخذ أصلي بزائد ولا عكسه أي زائد بأصلي ولو تراضيا عليه لعدم التساوي في المكان والمنفعة إذ الأصلي مخلوق في مكانه لمنفعة فيه بخلاف الزائد ولا يؤخذ شيء من الأعضاء بما أي عضو يخالفه إسما أو موضعا فلا تؤخذ يد برجل ولا يمين بيسار وعكسه لعدم التساوي وكذا الشفة العليا بالسفلى وعكسه والجفن الأعلى بالأسفل وعكسه ولوتراضيا لعدم المقاصة وقوله والجروح قصاص فإن فعلا فقطع يسار رجل جان من له قود في يمينه بما أي بيمينه بتراضيهما أجزأت ولا ضمان أو قال من له قود في يمين جان له أخرج يمينك فأخرج الجاني يساره عمدا أو غلطا أو ظنا أنها تجزىء فقطعها أجزأت ولا ضمان لقطعه عضوا مثل عضوه اسما وصورة وقدرا فأجزأت عنه كما لوكانت يمينه ناقصة فرضيا بقطعها وإن كان الجاني مجنونا حين القصاص نجأن جن بعد الجناية عاقلا فقطع المقتص يساره في يمينه فعلى المقتص القود إن علم المقتص أنها أي اليد المقطوعة اليسار وأنها لا تجزىء عن اليمين لجنايته عدوانا على ما لا حق له فيه وإن جهل المقتص أحدهما أي أنها اليسارأوأنها لا تجزي فعليه الدية دون القود لأن جهله بذلك شبهة في درء القود فتتعين الدية وإن كان المقتص مجنونا فقطع لسارمن له قود في يمينه و كان الجاني عاقلا ذهبت يده هدرا لأن استيفاء المجنون لا أثر له وقد أعانه بإخراج يده ليقطعها أشبه ما لو قال عاقل لمجنون : اقتلني فقتله الشرط الرابع مراعاة الصحة والكمال فلا تؤخذ يد أو رجل كاملة أصابع أو كاملة أظفار بناقصتها رضى الجاني بذلك أو لا لزيادة المأخوذ على المفوت فلا يكون مقاصة بل تؤخذ سليمة الأظفار بنظيرتها مع كونها ذات أظفار معيبة كما يؤخذ الصحيح بالمريض ولا تؤخذ عين صحيحة بقائمة وهي التي بياضها وسوادها صافيان غيرأن صاحبها لا يبصر بها قاله الأزهري لنقص منفعتها فلا تؤخذ بها كاملة المنفعة ولا يؤخذ لسان ناطق ب لسان أخرس لنقصه ولا يؤخذ عضو صحيح بعضو أشل من يد ورجل وأصبع وذكر ولو شل ذلك العضو بعد الجناية على نظيره وهو صحيح أو كأن العضو ببعضه شلل كأنملة يد والشلل فساد العضو وذهاب حركته لأن العضو إذا فسد ذهبت منفعته فلا يؤخذ به الصحيح لزيادته عليه ببقاء منفعته فيه كعين البصيربعين الأعمى ولا يؤخذ ذكر فحل بذكر خصي أو ذكر عنين لأنه لا منفعة فيهما لأن ذكر العنين لا يوجد منه وطء ولا إنزال والخصي لا يولد له ولا يكاد يقدر على الوطء فهما كذكر الأشل ويؤخذ مارن الأنف الأشم الصحيح بمارن الأخشم الذي لا يجد رائحة شيء لأنه لعلة في الدماغ والأنف صحيح و يؤخذ مارن الأنف الصحيح بمارن الأنف المخروم أي الذي قطع وتر أنفه لقيامه مقام الصحيح و يؤخذ مارن الأنف الصحيح بمارن الأنف المستحشف الرديء لما تقدم و تؤخذ أذن سميع باذن أصم شلاء لأن القصد الجمال و يؤخذ معيب من ذلك كله بمثله وان أمن تلف من قطع شلاء بأن قال أهل الخبرة أنه إذا قطع لم تفسد العروق ولم يدخل الهواء إلى البدن فيفسده وإلا سقط القصاص لأنه لا يجوز أخذ نفس بطرف وأما مع الأمن فله القصاص لأن الشم والسمع ليسا بنفس العضو لأن مقطوع الأذن والأنف يسمع ويشم وإنما هو زينة وجمال لئلا يبقى موضع الأذن ثقبا مفتوحا فيقبح منظره ولا يبقى له ما يرد الماء والهواء عن الصماخ ولئلا يبقى موضع الأنف مفتوحا فيدخل الهواء الى الدماغ فيفسد به فجعل له غطاء لذلك و يؤخذ معيب مما ذكر بصحيح بلا أرش لأن الشلاء من ذلك كالصحيحة خلقة وإنما نقصت صفة ويصدق ولي الجناية إن اختلف مع جان في شلل العضو بأن قال جان قطعته أشل وقال مجنى عليه صحيحا فقول مجنى عليه بيمينه في صحة ما جنى عليه لأنه الظاهر