فصل في بيان مايجب استقباله وأدلة القبلة وما يتعلق بها .
وفرض من قرب منها أي الكعبة : وهو من يمكنه المشاهدة أو من يخبره عن يقين : اصابة عين الكعبة ببدنه بحيث لايخرج منه شيء عنها فان كان بالمسجد الحرام أو على ظهره فظاهر وان كان خارجه فانه يتمكن من ذلك بنظره أو علمه أو خبر عالم به فان من نشأ بمكة أوأقام بها كثيرا يمكنه اليقين في ذلك ولو مع حائل حادث كالابنية أو أي وفرض من قرب من مسجد النبي A اصابة العين ببدنه لان قبلته متيقنة الصحة لأنه A لايقر على الخطأ و [ روى أسامة بن زيد أنه A ركع ركعتين قبل القبلة وقال : هذه القبلة ] قال في الشرح : وفيه نظر لان صلاة الصف المستطيل في مسجده A صحيحة مع خروج بعضهم عن استقبال عين الكعبة لكون الصف أطول منها وقولهم : إنه A لايقر على الخطأ : صحيح لكن إنما الواجب عليه استقبال الجهة وقد فعله وهو الجواب عن الحديث المذكور انتهى وقد يجاب : بان المراد بقولهم : فرضه : استقبال العين أي انه لايجوز قي مسجد الرسول A وما قرب منه الانحراف عنه يمنة ولا يسرة كمن بالمسجد الحرام لان قبلته بالنص فلا تجوز مخالفته : قال الناظم : وفي معناه أي مسجده A كل موضع [ ثبت أنه A صلى فيه إذا ضبطت جهته ] ولا يضر علو عن الكعبة كالمصلى على جبل أبي قبيس و لايضر نزول عنها كمن في حفرة في الأرض فنزل بها عن مسامتتها لأن الجدار لا أثر له والمقصود البقعة وهواؤها ولذلك يصلي إليها حيث لا جدار إلا إن تعذر على من قرب من الكعبة إصابة عينها بحائل أصلي كجبل كالمصلي خلف أبي قبيس ف انه يجتهد إلى عينها لحديث [ إذ أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ] والاعمى أو الغريب إذا أراد الصلاة بنحو دار بمكة : فرضه الخبر عن يقين وليس له الاجتهاد كالحاكم يجد النص و فرض من بعد عن الكعبة ومسجده A هو من لم يقدر على المعاينة كذلك و لا يقدر على من يخبره باليقين عن علم إصابة الجهة أي جهة الكعبة بالاجتهاد لحديث أبي هريرة مرفوعا [ مابين المشرق والمغرب قبلة ] رواه ابن ماجه و الترمذي وصححه ولانعقاد الاجماع على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو لايقال : مع البعد يتسع المحاذي لأنه إنما يتسع مع التقوس لامع عدمه ويعفى عن انحراف يسير يمنة ويسرة للخبر وإصابة العين بالاجتهاد متعذرة فسقطت وأقيمت الجهة مقامها للضرورة فان أمكنه ذلك أي معرفة فرضه من عين أو جهة بخبر مكلف عدل ظاهرا و باطنا حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة عن يقين ولو أخبره بالمشرق أو المغرب أو نجم فأخذ القبلة منه لزمه العمل به ولم يجتهد كالحاكم يجد النص وعلم منه : أنه لايعمل بخبر صغير ولا فاسق ولا عدل أخبر عن اجتهاد لكن قال ابن تميم : يصح التوجه إلى قبلته أي الفاسق في بيته وفي الرعاية الكبرى : قلت : ان كان هو عملها فهو كاخباره بها وإن شك في حاله قبل في قوله في الأصح لا إن شك في اسلامه ذكره في المبدع أو أمكنه الاستدلال على القبلة بمحاريب علم انها للمسلمين عدولا كانوا أو فساقا لزمه العمل به لان اتفاقهم علهيا مع تكرار الاعصار اجماع عليها وإن وجد محاريب ولم يعلمها للمسلمين لم يعمل بها وان كان بقرية ولم يجد محاريب يعمل بها لزمه السؤال ومتى اشتبهت القبلة سفرا وحان وقت الصلاة اجتهد في طلبها وجوبا بالدلائل جمع دليل بمعنى دال لأن ما وجب اتباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه كالحاكم في الحادثة ويستحب تعلمها أي أدلة القبلة مع أدلة الوقت ولم يجب لندرته فان دخل الوقت وخفيت عليه أدلة القبلة لزمه تعلمها لأن الواجب لايتم الا به مع قصر زمنه فان صلى قبله لم تصح ذكره في الشارح ويقلد لضيقه أي الوقت عن تعلم الأدلة ولا يعيد : لأن الاستقبال يجوز تركه للضرورة كشدة الخوف بخلاف الطهارة والدليل هنا : أمور أصحها النجوم قال تعالى : { وبالنجم هم يهتدون } وقال تعالى : { جعل لكم النجوم لتهتدوا بها } وقال عمر تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق وقال الاثرم : قلت لأحمد : ما ترى في تعلم هذه النجوم التي يعلم بها .
كم مضى من النهار وكم يبقى ؟ فقال : ما أحسن تعلمها وأثبتها القطب بتثليث القاف حكاه ابن سيده لأنه لايزول عن مكانه ويمكن كل احد معرفته ويليه الجدي وهو أي القطب نجم خفي شمالي يراه حديد البصر إذا لم يقو نور القمر وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحا في أحد طرفيها الفرقدان وفي الأخرى الجدي وحولها بنات نعش مما يلي الفرقدين تدور حولها يكون القطب وراء ظهر المصلي بالشام وما حاذاها كالعراق وخراسان وسائر الجزيرة لا تتفاوت في ذلك إلا تفاوتا يسيرا معفوا عنه ذكره المجد و يكون القطب من المصلي خلف أذنه اليمنى بالمشرق ويكون القطب من المصلي على عاتقه الأيسر بمصر وما والاها من البلاد و من دليل القبلة الشمس والقمر ومنازلهما وما يقترن بها أي بمنازل الشمس والقمر وما يقاربها كلها تطلع من المشرق وتغرب بالمغرب والمنازل ثمانية وعشرون أربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق مائلة عنه الى الشمال أولها السرطان وآخرها السماك وأربعة عشر يمانية تطلع من المشرق مائلة الى اليمين ولكل نجم من الشامية رقيب من اليمانية إذا طلع أحدهما غاب رقيبه فأول اليمانية وآخر الشامية : يطلع من وسط المشرق ولكل نجم من هذه النجوم نجوم تقاربه وتسيربسيره عن يمينه وشماله يكثر عددها فحكمها حكمه يستدل بها عليه وعلى ما يدل عليه و من دلائل القبلة الرياح قال أبو المعالي : الاستدلال بها ضعيف وأمهاتها اي الرياح أربع أحدها الجنوب ومهبها : قيلة أهل الشام من مطلع سهيل وهو نجم كبيرمضيء يطلع من مهب الجنوب ثم يسيرحتى يصيرفي قبلة المصلي ويتجاوزها حتى يغرب بقرب مهب الدبور إلى مطلع الشمس في الشتاء و مهبها بالعراق إلى بطن كتف المصلي اليسرى مارة الى يمينه و الثانية من أمهات الرياح الشمال : مقابلتها أي الجنوب تهب الى مهبه ومهبها أي الشمال من القطب إلى مغرب لشمس في الصيف و الثالثة من أمهات الرياح الصبا وتسمى القبول لأنها تقابل باب الكعبة ومهبها من يسرة المصلي بالشام لأنه أي مهبها من مطلع الشمس صيفا إلى مطلع العيوق نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لايتقدمها و مهبها بالعراق الى خلف أذن المصلي اليسرى مارة إلى يمينه و الرابعة من إمهات الرياح الدبور مقابلتها أي الصبا سميت دبورا لان مهبها من دبر الكعبة لأنها تهب بالشام بين القبلة والمغرب و تهب بالعراق مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن وبين كل ريحين من الأربع : ريح تسمى النكباء لتنكبها طريق الرياح المعروفة ولكل من هذه الرياح : صفات وخواص تميزها عند ذوي الخبرة بها و إنما يستدل بها من عرفها في الصحاري والقفار لابين البنيان والدور لأنها تختبط ولا ينتظم دورانها على مهبها الأصلي ولا يتبع مجتهد مجتهدا خالفه بأن ظهر لكل منها جهة غير التي ظهرت للآخر لأن كلا منهما يعتقد خطأ الآخر فأشبها المجتهدين في الحادثة اذا اختلفا فيها والمجتهد العالم بأدلة القبلة وان جهل أحكام الشرع ولا يقتدي أي لايأتم مجتهد به أي بمجتهد خالفه جهة كما لوخرج ريح من أحد اثنين واعتقد كل منهما أنه من الآخر إلا إن اتفقا في الجهة ولو مال أحدهما يمينا والآخر شمالا للعفو عنه فان اجتهد او اتفقت جهتهما وائتم أحدهما بالآخر ثم بان لأحدهما الخطأ في اجتهاده انحرف إلى الجهة التي تغير اجتهاده إليها إماما كان أو مأموما لأنها ترجحت في ظنه وأتم صلاته ولا يستأنفها لان الاجتهاد الأول لايبطل الثاني ويتبعه من قلده فينحرف إلى ما انحرف اليه لأن فرضه التقليد لعجزه عن الاجتهاد لنفسه لان قلد اثنين لم يرجع برجوع احدهما وينوي المؤتم منهما أي من مجتهدين ائتم أحدهما بالآخر ثم بان لأحدهما الخطأ المفارقة لامامه للعذر ويتبع وجوبا جاهل بأدلة القبلة عاجز عن تعلمها قبل خروج وقت : الأوثق عنده ويتبع وجوبا و أعمى الأوثق عنده لأنه أقرب اصابة في نظره ولا مشقة عليه في متابعته بخلاف تقليد العامي الأعلم في الأحكام فإن فيه حرجا وتضييقا وما زال عوام كل عصر يقلد أحدهم مجتهدا في مسألة وآخر في أخرى وهلم جرا الى مالا يحصى ولم ينقل انكار ذلك عليهم ولانهم أمروا يتحري الاعلم والأفضل في نظرهم وان أمكن أعمى اجتهاد بنهركبير أو - ريح او جبل لزمه ولم يقلد ويحير جاهل واعمى وجد مجتهدين فأكثر مع تساو بأن لم يظهرله أفضلية واحد على غيره فيتبع أيهما شاء ك ما يخير عامي في الفتيا لما تقدم وإن صلى بصيرا حضرا فاخطأ أو صلى أعمى بلا دليل من استخبار بصير ؟ أو استدلال بلمس محراب أو نحوه مما يدل على القبلة أعادا أي البصير والأعمى ولو اجتهد المخطىء ولو لم يخطىء القبلة لأن الحضر ليس بمحل الاجتهاد لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها ولوجود المخبر عن يقين غالبا فهو مفرط وكذلك الاعمى لأن فرضه التقليد او الاستدلال وقد تركه مع القدرة فان لم يظهر لمجتهد جهة في السفر بان تعادلت عنده الامارات وكذا لو منعه من الاجتهاد رمد ونحوه صلى على حسب حاله ولا اعادة لحديث عامر بن ربيعة قال [ كنا مع النبي A في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي A فنزل : { فأينما تولوا فثم وجه الله } ] رواه ابن ماجه و الترمذي وحسنه ولأن خفاء القبلة في الأسفار لوجود نحو غيم يكثر فيشق ايجاب الاعادة أو لم يجد اعمى من يقلده أو لم يجد جاهل بادلة القبلة من يقلده فتحريا وصليا فلا اعادة لأنهما أتيا بما أمرا به على وجهه فسقطت عنهما الاعادة كالعاجزعن الاستقبال أو أخطأ مجتهد قلد جاهل مجتهدا فاخطأ مقلده بفتح اللام سفرا فصلى إلى غيرالقبلة فلا إعادة عليه لأن حكمه حكم من قلده فان كان ذلك حضرا وجبت الاعادة لأنه ليس محلا للاجتهاد ويجب على عالم بأدلة القبلة تحر لكل صلاة لأنها واقعة متجددة فتستدعي طلبا جديدا كطلب الماء في التيمم وكالحادثة لمفت ومستفت فإن تغير اجتهاده ولو فيها اي الصلاة عمل ب الاجتهاد الثاني لأنه ترجح في ظنه فيستديرالى الجهة التي ظهرت له وبني على ما مضى من الصلاة نصا وليس من نقض الاجتهاد بالاجتهاد بل عمل بكل منهما كما قال عمر في المشركة في المرة الثانية ذاك على ما قضيناه وهذا على ما نقضي وان ظن الخطأ بان ظهر له انه يصلي الى غير القبلة فقط بأن لم تظهر له جهة القبلة بطلت صلاته لانه لايمكته استدامتها إلى غير القبلة ولم يظهر له جهة يتوجه اليها فتعذر اتمامها ومن أخبر بالبناء للمفعول فيها أي الصلاة بالخطأ للقبلة وكان الاخبار يقينا - والمخبر ثقة لزمه قبوله اي الخبر فيعمل به ويترك الاجتهاد كما لو أخبره قبله