كتاب الجهاد .
( وهو قتال الكفار ) وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفى سقط وجوبه عن غيرهم وسن في حقهم بتأكد وفرض الكفاية ما قصد حصوله من غير شخص معين فان لم يوجد إلا واحد تعين عليه فمن ذلك دفع ضرر المسلمين كستر العاري وإشباع الجائع على القادرين أن عجز بيت المال عن ذلك أو تعذر أخذه منه والصنائع المباحة المحتاج إليها لمصالح الناس غالبا الدينية والدنيوية البدنية والمالية كالزرع والغرس ونحوهما وإقامة الدعوة ودفع الشبه بالحجة والسيف وسد البثوق وحفر الآبار والأنهار وكريها : وهو تنظيفها وعمل القناطر والجسور والأسوار وإصلاحها وإصلاح الطرق والمساجد والفتوى وتعليم الكتاب والسنة وسائر العلوم الشرعية وما يتعلق بها من حساب ونحوه ولغة وتصريف وقراآت وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة فالمحرمة كعلم الكلام والفلسفة والشعبذة والتنجيم والضرب بالرمل والشعر وبالحصا والكيمياء وعلوم علم الطبائعيين - إلا الطلب فانه فرض كفاية في قول - ومن المحرم السحر والطلسمات والتلبيسات وعلم اختلاج الأعضاء والكلام عليه ونسبته إلى جعفر الصادق كذب كما نص عليه الشيخ وحساب اسم الشخص واسم أمه بالجمل وأن طالعة كذا ونجمه كذا والحكم على ذلك بفقر أو غنى أو غير ذلك من الدلائل الفلكية على الأحوال السفلية كما يصنع الآن وأما علم النجوم الذي يستدل به على الجهات والقبلة وأوقات الصلوات ومعرفة أسماء الكواكب لأجل ذلك فمستحب كالأدب والمكروه كالمنطق والأشعار المشتملة على الغزل والبطالة والمباح منها ما لا سخف فيه ولا ما يكره ولا ينشط على الشر ولا يثبط عن الخير ومن المباح علم الهيئة والهندسة والعروض والمعاني والبيان ومن فروض الكفايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وذكرنا في الكتاب من فروض الكفايات كثيرا في أبوابه فلا حاجة إلى إعادته .
ولا يجب الجهاد الأعلى ذكر حر مكلف مستطيع - وهو الصحيح الواجد بملك أو بذل إمام أو نائبه لمراده ولما يحمله إذا كان مسافة قصر ولما يكفي أهله في غيبته ولا يجب على أنثى ولا خنثى ولا عبد ولو أذن له سيده ولا صبي ولا مجنون ولا ضعيف ولا مريض مرضا شديدا لا يسيرا لا يمنعه كوجع ضرس وصداع خفيف ونحوهما ولا على فقير ولا كافر ولا أعمى ولا أعرج ولا أشل ولا أقطع اليد أو الرجل ولا من اكثر أصابعه ذاهبة أو إبهام يده أو ما يذهب بذهابه نفع اليد أو الرجل ويلزم الأعمر والأعشى وهو الذي يبصر بالنهار فقط قال الشيخ : الأمر بالجهاد منه ما يكون بالقلب والدعوة والحجة والبيان والرأي والتدبير والبدن فيجب بغاية يمكنه وأقل ما يفعل مع القدرة عليه كل عام مرة إلا أن تدعو حاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين أو قلة علف أو ماء في الطريق أو انتظار مدد فيجوز تركه بهدنة وبغيرها لا أن رجى إسلامهم ولا يعتبر أمن الطريق وتحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ نصا وأن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة وجب ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو من عبد أو مبعض أو مكاتب أو حصره أو بلده عدو أو احتاج إليه بعيد أو تقابل الزحفان أو استنفره من له استنفاره ولا عذر تعين عليه ولم يجز لاحد أن يتخلف عن النفير لما تقدم إلا من يحتاج إليه لحفظ أهل أو مال أو مكان ومن منعه الإمام من الخروج ذكره في البلغة وأن نوى بالصلاة والنفير معا صلى ثم نفر مع البعد ومع قرب العدو وينفر ويصلى راكبا وذلك أفضل ولا ينفر في خطبة الجمعة ولا بعد الإقامة لها ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها ولا تنفر الخيل إلا على حقيقة ولا ينفر على غلام آبق ولا باس أن يشتري الرجلان فرسا بينهما يغزوان عليها يركب هذا عقبة وهذا عقبة ويأتي في باب قسمة الغنيمة ولو نادى الإمام الصلاة جامعة لحادثة يشاور فيها لم يتأخر أحد بلا عذر ومنع النبي A من نزع لأمة الحرب إذا لبسها حتى يلقى العدو كما منع من الرمز بالعين والاشارة بها ومن الشعر والخط وتعلمهما وأفضل ما يتطوع به الجهاد وغزو البحر أفضل من غزو البر والجهاد من السياحة وأما السياحة في الأرض لا لمقصود ولا إلى مكان معروف فمكروهة ويغزى مع كل أمير بر وفاجر يحفظان المسلمين ولا يكون مخذلا ولا مرجفا ولا معروفا بالهزيمة وتضييع المسلمين ولو عرف بالغلول وشرب الخمر إنما ذلك في نفسه ويقدم القوى منهما ويستحب تشييع غاز ماشيا إذا خرج ولا بأس بخلع نعله لتغبر قدماه في سبيل الله فعله أحمد ولا يستحب تلقيه - وفي الفنون تحسن التهنئة بالقدوم للمسافر - وفي شرح الهداية ل أبي المعالي : تستحب زيارة القادم ومعانقته والسلام عليه - وذكر الآجرى استحباب تشييع الحاج ووداعه ومسالته أن يدعو له - ويتعين أن يقاتل كل قوم من يليهم من العدو إلا لحاجة كأن يكون الأبعد أخوف أو لغرته وإمكان الفرصة منه أو يكون الأقرب مهادنا ويمنع مانع من قتاله فيبدأ بالأبعد ومع التساوي قتال أهل الكتاب أفضل ويقاتل من تقبل منهم الجزية حتى يسلوا أو يبذلوا الجزية ومن لا تقبل منهم حتى يسلموا فان امتنعوا من ذلك وضعف المسلمون عن قتالهم انصرفوا إلا إن خيف على من يليهم من المسلمين وتسن الدعوة قبل القتال لمن بلغته ويحرم قبلها لمن لم تبلغه وقيد ابن القيم وجوبها واستحبابها بما إذا قصدهم المسلمون - أما إذا كان الكفار قاصدين فللمسلمين قتالهم من غير دعوة دفعا عن نفوسهم وحريمهم وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك وينبغي أن يبتدىء بترتيب قوم في أطراف البلاد يكفون من بازائهم من المشركين ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقهم وجميع مصالحهم ويؤمر في كل ناحية أميرا يقلده أمر الحرب وتدبير الجهاد ويكون ممن له رأى وعقل وخبره بالحرب ومكائد العدو مع أمانة ورفق بالمسلمين ونصح لهم ويوصيه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة ولا يأمرهم بدخول مطمور يخاف أن يقتلوا تحتها فان فعل فقد أساء ويستغفر الله ولا عقل عليه ولا كفارة إذا أصيب أحد منهم بطاعته فان عدم الإمام لم يؤخر الجهاد وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع قال القاضي : وتؤخر قسمة الإمام حتى يقوم إمام احتياطا للفروج فان بعث الإمام جيشا وأمر عليهم أميرا فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم فان لم يقبل أحد منهم أن يتأمر عليهم دافعوا عن أنفسهم ولا يقيمون في أرض العدو إلا مع أمير ويسن الرباط وهو الإقامة بثغر تقوية للمسلمين وأقله ساعة وتمامه أربعون يوما وإن زاد فله أجره وهو باشد الثغور خوفا أفضل وأفضل من المقام بمكة والصلاة بها أفضل من الصلاة بالثغر ويكره لغير أهل الثغر نقل أهله من الذرية والنساء إليه لا إلى غير مخوف كأهل الثغر والحرس في سبيل الله ثوابه عظيم وحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة وكل بلد فتح لا تبقى منه هجرة إنما الهجرة إليه وتجب على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب وهي ما يغلب فيها حكم الكفر زاد جماعة : أو بلد بغاة أو بدع مضلة كرقض واعتزال إن قدر عليها ولو امرأة ولو في عدة بلا راحلة ولا محرم وتسن لقادر على إظهاره ولا يجاهد تطوعا من عليه دين ولو مؤجلا لآدمي لا وفاء له إلا باذن غريمه فأن اقام ضامنا مليا أو رهنا محرزا أو وكيلا يقضيه مترعا جاز ولا من أبواه حران مسلمان عاقلا إلا باذنهما وإن كان أحدهما كذلك إلا باذنه إلا أن يتعين عليه فيسقط إذنهما وإذن غريم لكن يستحب للمديون أن لا يتعرض لمكان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة ولا طاعة للوالدين في ترك فريضة كتعلم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك وإن لم يحصل ذلك ببلده فله السفر لطلبه بلا إذنهما ولا إذن لجد ولا جدة فان خرج في جهاد تطوع باذنهما ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعيينه عليه فعليه الرجوع إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع أو يحدث له عذر من مرض ونحوه فان أمكنه الإقامة في الطريق وإلا مضى مع الجيش وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره وسقط إذنهما وإن كان رجوعهما عن الإذن بعد تعيين الجهاد عليه لم يؤثر شيئا وأن كانا كافرين فاسلما ثم منعاه كان كمنعهما بعد إذنهما وكذا حكم الغريم فان عرض للمجاهد في نفسه مرض أو عمى أو عرج فله الانصراف ولو بعد التقاء الصفين وان أذن له أبواه في الجهاد وشرطا عليه أن لا يقاتل فحضر القتال تعين عليه وسقط شرطهما