باب ركني النكاح وشروطه .
ركناه : الإيجاب وهو : اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه بلفظ النكاح أو تزويج ممن يحسن العربية لأنهما اللفظان الوارد بهما القرآن قال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } [ النساء : 3 ] وقال : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ] وقول سيد لمن يملكها : أعتقتك وجعلت عتقك صداقك لحديث أنس مرفوعا : [ أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ] متفق عليه .
والقبول وهو : اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه بلفظ : قبلت أو : رضيت هذا النكاح أو : قبلت فقط .
مرتبين لأن القبول إنما هو للإيجاب فيشترط تأخره عنه فمتى وجد قبله لم يكن قبولا .
ويصح النكاح هزلا وتلجئة لقوله A : [ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : الطلاق والنكاح والرجعة ] حسنه الترمذي .
وبكل لسان من عاجز عن عربي لأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والتزويج و : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } [ البقرة : 286 ] ولا يلزمه تعلم أركانه بالعربية لأن النكاح غير واجب فلم يلزم تعلم أركانه ولأن المقصود هنا المعنى دون اللفظ لأنه غير متعبد بتلاوته وقال الشيخ تقي الدين : ينعقد بما عده الناس نكاحا بأي لغة ولفظ ولم ينقل عن أحمد أنه خص بلفظ إنكاح أو تزويج وأول من قاله من أصحابه فيما علمت ابن حامد وتابعه عليه القاضي ومن جاء بعده بسبب إنتشار كتبه وكثرة أصحابه وأتباعه إنتهى .
لا بالكتابة والإشارة إلا من أخرس فيصح منه بالإشارة - نص عليه - كبيعه وطلاقه والكتابة أولى قال في الشرح : ولا يثبت خيار الشرط ولا خيار المجلس في النكاح لا نعلم فيه خلافا .
وشروطه خمسة : .
الأول : تعيين الزوجين : فلا يصح : زوجتك بنتي وله غيرها ولا : قبلت نكاحها لإبني وله غيره حتى يميز كل منهما بإسمه أو صفته .
لأن التعيين لا يحصل بدونه فإن كانت حاضرة فقال : زوجتك هذه أو قال : زوجتك بنتي ولم يكن له غيرها صح لحصول التعيين .
الثاني : رضى زوج مكلف أي : بالغ عاقل .
ولو رقيقا نص عليه فليس لسيده إجباره وأما قوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } [ النور : 32 ] الآية فالأمر مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى .
فيجبر الأب لا الجد في غير المكلف من أولاده لما روي أن ابن عمر [ زوج إبنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا ] رواه الأثرم والبالغ المعتوه في معنى الصغير في ظاهر كلام أحمد والخرقي .
فإن لم يكن فوصيه لقيامه مقامه أشبه الوكيل .
فإن لم يكن فالحاكم لحاجة لأنه ينظر في مصالحهما بعد الأب ووصيه .
ولا يصح من غيرهم أن يزوج غير المكلف لأنه إذا لم يملك تزويج الأنثى مع قصورها فالذكر أولى .
ولو رضي لأن رضاه غير معتبر .
ورضى زوجة حرة عاقلة ثبت تم لها تسع سنين لأن لها إذنا صحيحا معتبرا يشترط مع ثيوبتها ويسن مع بكارتها نص عليه لحديث أبي هريرة مرفوعا : [ لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا : يا رسول الله : وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ] متفق عليه وخص بنت تسع لقول عائشة : [ إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي إمرأة ] رواه أحمد وروي عن ابن عمر مرفوعا فلا يجوز للأب ولا لغيره تزويج الثيب إلا بإذنها في قول عامة أهل العلم إلا الحسن قال إسماعيل : لا نعلم أحدا قال في الثيب بقول الحسن وهو قول شاذ : [ فإن الخنساء زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك فرد رسول الله A نكاحه ] قال ابن عبدالبر : هو حديث مجمع على صحته ولا نعلم مخالفا له إلا الحسن ذكره في الشرح .
فيجبر الأب ثيبا دون ذلك لأنه لا إذن لها معتبر وهو قول مالك وقال الشافعي : لا يجوز لعموم الأحاديث وقدمه في الكافي و الشرح .
وبكرا ولو بالغة قال في الشرح : وللأب تزويج إبنته التي لم تبلغ تسع سنين - بغير خلاف - إذا وضعها في كفاءة مع كراهتها وإمتناعها ودل على تزويج الصغيرة قوله تعالى : { واللائي لم يحضن } [ الطلاق : 4 ] [ وتزوجت عائشة وهي إبنة ست ] متفق عليه إنتهى وروى الأثرم : أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له : فقال : إبنة الزبير إن مت ورثتني وإن عشت كانت إمرأتي .
وفي البكر البالغة روايتان : .
إحداهما : له إجبارها وهو مذهب مالك والشافعي لحديث ابن عباس مرفوعا : [ الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها صماتها ] رواه أبو داود وإثباته الحق للأيم على الخصوص يدل على نفيه عن البكر .
والثانية : لا يجبرها لحديث أبي هريرة السابق .
ولكل ولي تزويج يتيمة بلغت تسعا بإذنها نص عليه لقوله A : [ تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها ] رواه أحمد وأبو داود فدل على أن لها إذنا صحيحا وقيد بإبنة تسع لما تقدم عن عائشة ولأنها تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه فأشبهت البالغة .
لا من دونها بحال لأنه لا إذن لها وغير الأب ووصيه لا إجبار له وقد روي : [ أن قدامة بن مظعون زوج إبنة أخيه من عبدالله بن عمر فرفع بذلك إلى النبي A فقال : إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها ] رواه أحمد والدارقطني بأبسط من هذا .
إلا وصي أبيها لأنه قائم مقامه .
وإذن الثيب : الكلام قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا للخبر .
وإذن البكر الصمات في قول عامة أهل العلم قاله في الشرح لحديث : [ الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صماتها ] رواه الأثرم وقالت عائشة : [ يا رسول الله : إن البكر تستحي قال : رضاها صماتها ] متفق عليه وكذا لو ضحكت أو بكت لأن في حديث أبي هريرة : [ فإن بكت أو سكتت فهو رضاها وإن أبت فلا جواز عليها ] رواه أبو بكر .
وشرط في استئذانها : تسمية الزوج لها على وجه تقع به المعرفة .
لتكون على بصيرة في إذنها بتزويجه ولا يعتبر تسمية المهر .
ويجبر السيد ولو فاسقا عبده غير المكلف كإبنه وأولى لتمام ملكه وولايته قال في الشرح : في قول أكثر أهل العلم .
وأمته ولو مكلفة مطلقا قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا .
الثالث : الولي نص عليه لقوله A : [ لا نكاح إلا بولي ] رواه الخمسة إلا النسائي وصححه أحمد وابن معين قاله المروزى وعن عائشة مرفوعا : [ أيما إمرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها ] رواه الخمسة إلا النسائي وقوله : [ بغير إذن وليها ] خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ولأن المرأة غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة إنخداعها فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح روي عن عمر وعلي وغيرهما ذكره في الشرح وعن أبي هريرة مرفوعا : [ لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ] رواه ابن ماجه والدارقطني وعن عكرمة بن خالد قال : [ جمعت الطريق ركبا فجعلت إمرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحهما ] رواه الشافعي والدارقطني وقوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } [ البقرة : 232 ] لا يدل على صحة نكاحها نفسها بل على أن نكاحها إلى الولي : [ لأنها نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاه النبي A فزوجها ] رواه البخاري وغيره بمعناه فلو لم يكن لمعقل ولاية النكاح لما عاتبه تعالى على ذلك وإنما أضافه إلى النساء لتعلقه بهن وعقده عليهن .
وشرط فيه ذكورية وعقل وبلوغ وحرية فلا ولاية لإمرأة ولا مجنون ولا صبي ولا عبد لأن هؤلاء لا يملكون تزويج أنفسهم فلا يملكون تزويج غيرهم بطريق الأولى قال الإمام أحمد : لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر .
واتفاق دين فلا ولاية لكافر على مسلمة وعكسه لأنه لا توارث بينهما بالنسب ولقوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } [ التوبة : 71 ] وقال تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } [ الأنفال : 73 ] .
وعدالة ولو ظاهرة قال أحمد : أصح شئ في هذا قول ابن عباس : لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد وقد روى عن ابن عباس مرفوعا : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وأيما إمرأة أنكحها ولي مسخوط فنكاحها باطل ] ولأنها ولاية نظرية فلا يستبد بها الفاسق كولاية المال .
ورشد لما تقدم عن ابن عباس .
وهو هنا .
معرفة الكفء ومصالح النكاح وليس هو حفظ المال فإن رشد كل مقام بحسبه قاله الشيخ تقي الدين .
والأحق بتزويج الحرة أبوها لأنه أكمل نظرا وأشد شفقة .
وإن علا أى : ثم أبوه وإن علا لأن له إيلادا وتعصيبا فأشبه الأب .
فابنها وإن نزل يقدم الأقرب فالأقرب لحديث أم سلمة : [ أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله A يخطبها فقالت : يا رسول الله : ليس أحد من أوليائي شاهدا قال : ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها : يا عمر قم فزوج رسول الله A فزوجه ] رواه أحمد والنسائي قال الأثرم : قلت لأبي عبدالله : فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي A أمه أم سلمة أليس كان صغيرا ؟ قال : ومن يقول كان صغيرا ؟ ! ليس فيه بيان ولأنه عدل من عصبتها فقدم على سائر العصبات لأنه أقربهم نسبا وأقواهم تعصيبا .
فالأخ الشقيق فالأخ للأب لأن ولاية النكاح حق يستفاد بالتعصيب فقدم فيه الأخ الشقيق كالميراث .
ثم الأقرب فالأقرب كالإرث لئلا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر ومظنتها القرابة فأقربهم أشفقهم ولا ولاية لغير العصبات كأخ لأم وعم لأم وخال نص عليه لقول علي Bه : [ إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى ] يعني : إذا أدركن رواه أبو عبيد في الغريب .
ثم السلطان أو نائبه لقوله [ فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ] وتقدم قال الإمام أحمد : والقاضي أحب إلي من الأمير في هذا .
فإن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها لأن له سلطنة فيدخل في عموم الحديث .
فإن تعذر وكلت من يزوجها قال الإمام أحمد في دهقان قرية : يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق قاض انتهى لأن شرط الولي في هذه الحال يمنع النكاح بالكلية .
فلو زوج الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذر للأقرب لم يصح النكاح لأنه لا ولاية للحاكم والأبعد مع من هو أحق منهما أشبها الأجنبي .
ومن العذر غيبة الولي فوق مسافة قصر ولا تقطع إلا بكلفة ومشقة في منصوص أحمد قال في الكافي : والرد في هذا إلى العرف وما جرت العادة بالإنتظار فيه والمراجعة لصاحبه لعدم التحديد فيه من الشارع .
أو تجهل المسافة أو يجهل مكانه مع قربه أو تعذرت مراجعته فيزوج الأبعد لأن الأقرب هنا كالمعدوم .
أو يمنع من بلغت تسعا كفءا رضيته ورغب بما صح مهرا فللأبعد تزويجها نص عليه واختاره الخرقي وعنه : يزوج الحاكم وهو إختيار أبي بكر لقوله A : [ فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ]