كتاب القضاء .
لغة : إحكام الشىء والفراغ منه ومنه { فقضاهن سبع سماوات في يومين } .
واصطلاحا : تبيين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الحكومات .
وهو فرض كفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه .
و يلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم - بكسر الهمزة - قاضيا لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر الخصومات في جميع البلدان بنفسه فوجب أن يرتب في كل إقليم من يتولى فصل الخصومات بينهم لئلا تضيع الحقوق .
ويختار لنصب القضاء أفضل من يجده علما وورعا لأن الإمام ناظر للمسلمين فيجب عليه اختيار الأصلح لهم ويأمره بتقوى الله لأن التقوى رأس الدين و يأمره بأن يتحرى العدل أي : إعطاء الحق لمستحقه من غير ميل .
ويجتهد القاضي في إقامته أي : إقامة العدل بين الأخصام ويجب على من يصلح ولم يوجد غيره ممن يوثق به أن يدخل فيه إن لم يشغله عما هو أهم منه .
ويحرم بذل مال فيه وأخذه وطلبه وفيه مباشر أهل .
فيقول المولي لمن يوليه : وليتك الحكم أو قلدتك الحكم ونحوه كفوضت أو رددت أو جعلت إليك الحكم أو استنبتك أو استخلفتك في الحكم والكناية نحو : اعتمدت أو عولت عليك لا ينعقد بها إلا بقرينة نحو فاحكم ويكاتبه بالولاية في البعد أي : إذا كان غائبا فيكتب له الإمام عهدا بما ولاه ويشهد عدلين عليها .
وتفيد ولاية الحكم العامة الفصل بين الخصوم وأخذ الحق لبعضهم من بعض أي : أخذه لربه ممن هو عليه والنظر في أموال غير المرشدين كالصغير والمجنون والسفيه وكذا مال غائب والحجر على من يستوجبه لسفه أو فلس والنظر في وقوف عمله ليعمل بشرطها وتنفيذ الوصايا وتزويج من لا ولي لها من النساء وإقامة الحدود وإمامة الجمعة والعيد ما لم يخصا بإمام والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن الطرقات وأفنيتها ونحوه كجباية خراج وزكاة لم يخصا بعامل وتصفح شهوده وأمنائه ليستبدل بمن يثبت جرحه لا الاحتساب على الباعة والمشترين و إلزامهم بالشرع .
ويجوز أن يولي القاضي عموم النظر في عموم العمل بأن يوليه سائر الأحكام في سائر البلدان ويجوز أن يولي خاصا فيهما بأن يوليه الأنكحة بمصر مثلا أو يوليه خاصا في أحدهما بأن يوليه سائر الأحكام ببلد معين أو يوليه الأنكحة بسائر البلدان .
وإذا ولاه ببلد معين نفذ حكمه في مقيم به وطارئ إليه فقط وإن ولاه بمحل معين لم ينفذ حكمه في غيره ولا يسمع ببينة إلا فيه كتعديلها .
وللقاضي طلب رزق من بيت المال لنفسه وخلفائه فإن لم يجعل له شئ وليس له ما يكفيه وقال للخصمين : لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز .
ومن يأخذ من بيت المال لم يأخذ أجرة لفتياه ولا لخطه .
ويشترط في القاضي عشر صفات : كونه بالغا عاقلا لأن غير المكلف تحت ولاية غيره فلا يكون واليا على غيره .
ذكرا لقوله A : [ ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] حرا لأن الرقيق مشغول بحقوق سيده .
مسلما لأن الإسلام شرط للعدالة .
عدلا ولو تائبا من قذف فلا يجوز تولية الفاسق لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } الآية .
سميعا لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين .
بصيرا لأن الأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه .
متكلما لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم جميع الناس إشارته .
مجتهدا إجماعا ذكره ابن حزم قاله في الفروع ولو كان مجتهدا في مذهبه المقلد فيه لإمام من الأئمة فيراعي ألفاظ إمامه ومتأخرها ويقلد كبار مذهبه في ذلك ويحكم ولو اعتقد خلافه قال الشيخ تقي الدين : وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان وتجب ولاية الأمثل فالأمثل وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره فيولي لعدم أنفع الفاسقين وأقلهما شرا وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد قال في الفروع : وهو كما قال .
ولا يشترط أن يكون القاضي كاتبا أو ورعا أو زاهدا أو يقظا أو مثبتا للقياس أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك .
وإذا حكم - بتشديد الكاف - اثنان فأكثر بينهما رجلا يصلح للقضاء فحكم بينهما نفذ حكمه في المال والحدود واللعان وغيرها من كل ما ينفذ فيه حكم من ولاه إمام أو نائبه لأن عمر وأبيا تحاكما إلى زيد بن ثابت وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم ولم يكن أحد ممن ذكرنا قاضيا