باب الحجر .
وهو في اللغة : التضييق والمنع ومنه سمي الحرام والعقل حجرا .
وشرعا : منع إنسان من تصرفه في ماله .
وهو ضربان : حجر لحق الغير كعلى مفلس ولحق نفسه كعلى نحو صغير .
ومن لم يقدر على وفاء شيء من دينه لم يطالب به وحرم حبسه وملازمته لقوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } فإن ادعى العسرة ودينه عن عوض كثمن وقرض أو لا وعرف له مال سابق الغالب بقاؤه أو كان أقر بالملاءة حبس إن لم يقم بينة تخبر باطن حاله وتسمع قبل حبس وبعده وإلا حلف وخلي سبيله .
ومن له مال قدر دينه لم يحجر عليه لعدم الحاجة إلى الحجر عليه وأمر أي ووجب على الحاكم أمره بوفائه بطلب غريمه لحديث : [ مطل الغني ظلم ] ولا يترخص من سافر قبله ولغريم من أراد سفرا منعه من غير جهاد متعين حتى يوثق برهن يحرز أو كفيل ملي .
فان أبى القادر وفاء الدين الحال حبس بطلب ربه ذلك لحديث : [ لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ] رواه أحمد وأبو داود وغيرهما قال الإمام : قال وكيع : عرضه : شكواه وعقوبته : حبسه فإن أبى عزره مرة بعد أخرى فان أصر على عدم قضاء الدين ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه لقيامه مقامه ودفعا لضرر رب الدين بالتأخير .
ولا يطلب مدين ب دين مؤجل لأنه لا يلزمه أداؤه قبل حلوله ولا يحجر عليه من أجله .
ومن ماله لا يفي بما عليه من الدين حالا وجب على الحاكم الحجر عليه بسؤال غرمائه كلهم أو بعضهم لحديث كعب بن مالك : [ إن رسول الله A حجر على معاذ وباع ماله ] رواه الحلال بإسناده .
ويستحب إظهاره أي إظهار حجر المفلس وكذا السفيه ليعلم الناس بحاله فلا يعاملوه إلا على بصيرة .
ولا ينفذ تصرفه أي المحجور عليه لفلس في ماله الموجود والحادث بإرثه أو غيره بعد الحجر بغير وصية أو تدبير ولا إقراره عليه أي على ماله لأنه محجور عليه .
وأما تصرفه في ماله في الحجر عليه فصحيح لأنه رشيد غير محجور عليه لكن يحرم عليه الإضرار بغريمه .
ومن باعه أو أقرضه قبل الحجر ووجده باقيا بحاله ولم يأخذ شيئا من ثمنه فهو أحق به لقوله A : [ من أدرك متاعه عند إنسان أفلس فهو أحق به ] متفق عليه من حديث أبي هريرة .
وكذا لو أقرضه أو باعه شيئا بعده أي بعد الحجر عليه رجع فيه إذا وجده بعينة إن جهل حجره لأنه معذور بجهل حاله وإلا يجهل الحجر عليه فلا رجوع له في عينه لأنه دخل على بصيرة ويرجع بثمن المبيع وبدل القرض إذا انفك حجره .
وإن تصرف المفلس في ذمته بشراء أو ضمان أو نحوهما أو أقر المفلس بدين أو أقر بـ جناية توجب قودا أو مالا صح تصرفه في ذمته وإقراره بذلك لأنه أهل للتصرف والحجر متعلق بماله لا بذمته ويطالب به أي بما لزمه من ثمن مبيع ونحوه وما أقر به بعد فك الحجر عنه لأنه حق عليه وإنما منعنا تعلقه بماله لحق الغرماء فإذا استوفى فقد زال المعارض ويبيع الحاكم ماله أي مال المفلس الذي ليس من جنس الدين بثمن مثله أو أكثر ويقسم ثمنه فورا بقدر ديون غرمائه الحالة لأن هذا هو جل المقصود من الحجر عليه وفي تأخيره مطل وهو ظلم لهم .
ولا يحل دين مؤجل بفلس مدين لأن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ولا يحل مؤجل أيضا بموت مدين إن وثق ورثته برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين لأن الأجل حق للميت فورث عنه كسائر حقوقه فإن لم يوثقوا حل لغلبة الضرر .
وإن ظهر غريم للمفلس بعد القسمة لما له لم تنقض و رجع على الغرماء بقسطه لأنه لو كان حاضرا شاركهم فكذا إذا ظهر وإن بقي على المفلس بقية وله صنعة أجبر على التكسب لوفائها كوقف وأم ولد يستغنى عنهما .
ولا يفك حجره إلا حاكم لأنه ثبت بحكمه فلا يزول إلا به وإن وفى ما عليه انفك الحجر بلا حاكم لزوال موجبه