باب بيع المرابحة والمواضعة والتولية والإقالة .
بيع المرابحة : أن يخبر برأس ماله ثم يبيع به ويربح فيقول : رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة فهذا جائز غير مكروه لأن الثمن معلوم وإن قال : بعتك بها وربح درهم في كل عشرة أو قال ده يازده أو ده دواز ده فهو صحيح أيضا جائز غير مكروه لأن الثمن معلوم فهي كالتي قبلها ولكن كرهه أحمد لأن ابن عمر وابن عباس كرهاه لأنه بيع الأعاجم ولأن الثمن قد لا يعلم في الحال .
فصل : .
ولا يخبر إلا بما يلزم من الثمن وما يزاد فيه في مدة الخيار يخبر به لأنه من الثمن وما حط عنه في الخيار نقصه لذلك وما كان بعد لزوم العقد لا يخبر به لأنه تبرع من أحد المتعاقدين لا يلزمه فلم يخبر به كما لو وهبه شيئا وإن تمت العين ولم يزد على رأس المال فإن كان النماء منفصلا لم تنقص به العين فله أخذه ويخبر برأس المال لأنه في مقابلة العين دون نمائها وعنه : أنه يبين ذلك لأنه أبعد من اللبس وإن عمل في العين عملا من قصارة أو خياطة أو حمل اخبر بالحال على وجهه سواء عمله بنفسه أو بالأجرة قال أحمد : يبين ما اشتراه به وما لزمه فإن ضم ذلك إلى رأس المال وأخبر أنه اشترى به لم يجز لأنه كذب وإن قال : تحصل علي بكذا لم يجز فيما عمله بنفسه لأنه كذب وجاز فيما استأجر عليه في أحد الوجهين لأنه صادق والآخر : لا يجوز وهو ظاهر كلام أحمد لأن فيه تلبيسا فلعل المشتري لو علم الحال لم يرغب فيه لكون ذلك العمل مما لا حاجة به إليه فأشبه ما أنفق عليه في مؤنته وكسوته فإنه لا يجوز الإخبار به وجها واحدا وكذلك كري مخزنه وحافظه إلا أن يخبر بالحال على وجهه فإن ذلك لا يزيد في ثمنه .
فصل : .
فإن نقص المبيع لمرض أو تلف جزء أو تعيب أو وجد به عيبا أو جني عليه فأخذ أرشه أخبر بالحال على وجهه وقال أبو الخطاب : يحط الأرش من الثمن ويخبر بما بقي فيقول : تقوم علي بكذا والأول أولى لأنه أبعد من اللبس والفرق بين الأرش والكسب أن الأرش عوض ثمن فهو كثمن جزء بيع منه والكسب لم ينقص به المبيع ولو جنى العبد ففداه المشتري لم يرد ذلك في رأس المال لأنه ليس من الثمن ولا زاد به المبيع وإن نقص المبيع لتغير الأسعار فقال أصحابنا : لا يلزمه الخبر به لأنه صادق بدونه والأولى : أنه يلزمه لأن المشتري لو علم ذلك لم يرضى به فجرى مجرى نقصه بعيب وإن حط بعض رأس المال وأخبر بالباقي لم يجز لأنه كذب وتغرير بالمشتري .
فصل : .
فإن اشترى اثنان شيا وتقاسماه فقال أحمد : لا يبيع أحدهما مرابحة إلا أن يقول اشتريناه جماعة ثم تقاسمناه وإن اشترى شيئين بثمن واحد ثم أراد بيع أحدهما أو اشترى شجرة مثمرة فأخذ ثمرتها أو شاة فأخذ صوفها أو لبنها الذي كان فيها ثم أراد بيع الأصل مرابحة أخبر بالحال على وجهه ولا يجوز بيعه بحصته من الثمن لأن قسمة الثمن طريقه الظن واحتمال الخطأ فيه كثير ومبنى المرابحة على الأمانة فلم يجز هذا فيه فإن كان المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كالمكيل والموزون من جنس جاز بيعه بحصته من الثمن لأنه ينقسم على أجزائه وجزؤه معلوم يقينا وإن أسلم في ثوبين صفقة واحدة ثمنا واحدا فأخذهما على الصفة فالقياس جواز بيع أحدهما بحصته من الثمن لأن الثمن منقسم عليهما نصفين وما زاد على الصفة في أحدهما لم يقابله شيء من الثمن فجرى مجرى النماء الحادث بعد الشراء .
فصل : .
فإن اشتراه من أبيه أو ممن لا تقبل شهادته له لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لأنه متهم في حقهم أنه يحابيهم وإن اشتراه من غلام دكانه أو غيره حيلة لم يجز بيعه مرابحة وإن لم يكن حيلة جاز لأنه لا تهمة في حقه .
فصل : .
وإن اشترى شيئا ثم باعه بربح ثم اشتراه فأعجب أحمد Bه لم يخبر بالحال على وجهه أو يطرح الربح من الثمن الثاني ويخبر بما بقي لأن هذا مذهب ابن سيرين ولأن الربح أحد نوعي النماء فيخبر به في المرابحة كالولد والثمرة ولعل هذا من أحمد على سبيل الاستحباب لأنه أبلغ في البيان ويجوز الإخبار بالثمن الثاني وحده لأنه الثمن الذي حصل به هذا الملك فجاز الخبر به وحده كما لو خسر فيه .
فصل : .
فإن بان للمشتري أن البائع أخبر بأكثر من رأس المال فالبيع صحيح لأنه زاد في الثمن فلم يمنع صحته كالتصرية ويرجع عليه بالزيادة وحظها بالربح لأنه باع برأس ماله وما قرره من الربح فإذا بان رأس المال كان معيبا به وبقدره من الربح و إن اختار المشتري رد المبيع وظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار له لأنه رضي المبيع بثمن حصل له بدونه فلم يكن له خيار كما لو اشترى معيبا فبان صحيحا فأما البائع فلا خيار له لأنه باع برأس ماله وقدره من الربح وحصل به ما عقد به وفي سائر ما يلزمه الإخبار بالحال على وجهه فلم يفعل يخير المشتري بين أخذه بما اشترى به وبين الفسخ لأنه ليس للمبيع ثمن غير ما عقد به وإن اشتراه بثمن مؤجل فلم يتبين فعنه أنه مخير بها وعنه : يخير بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلا لأنه الثمن الذي اشترى به البائع والتأجيل صفة له فأشبه المخبر بزيادة في القدر وإن علم ذلك بعد تلف المبيع حبس المال بقدر الأجل .
فصل : .
وإن أخبر بالثمن ثم قال غلطت والثمن أكثر ففيه ثلاث روايات : .
إحداهن : لا يقبل قوله إلا ببينة لأنه مقر على نفسه فلم يقبل قوله في الغلط إلا ببينة كالمضارب يقر بربح .
والثانية : إن كان معروفا بالصدق قبل قوله وإلا فلا لأنه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه والقول قول الأمين مع يمينه .
والثالثة : لا يقبل قوله وإن أقام بينة ما لم يصدقه المشتري لإقراره ابتدأ بكذب بينته فأشبه ما لو أقر بدين فإن قلنا بقبول بينته فقال المشتري : أحلفوه أنه وقت البيع لم يعلم أن ثمنها أكثر فعلى البائع اليمين فإن نكل أو أقر لم يكن له غير ما وقع عليه العقد لأنه عقد بهذا الثمن عالما فلم يكن له غيره كالمشتري إذا علم العيب حال الشراء وإن حلف خير المشتري بين فسخ العقد لأنه لم يرضه بأكثر مما بذله وبين قبوله مع إعطائه ما غلط به حظه من الربح لأن البائع إنما باعها بهذا الثمن ظنا أنه رأس المال فعليه ضرر بالنقصان منه فإذا أخذها المشتري بذلك فلا خيار للبائع لأنه قد زال عنه الضرر بالتزام المشتري ما غلط به وإن اختار الفسخ فقال البائع : أنا أسقط الزيادة عنك سقط الفسخ لأنه قد بذلها له بالثمن الذي وقع عليه العقد وتراضيا به .
فصل : .
وبيع التولية : هو البيع بمثل الثمن الذي اشترى به وحكمه حكم المرابحة فيما ذكرنا ويصح بلفظ البيع ولفظ التولية لأنه مؤد لمعناه قال أحمد : ولا بأس بيع الرقم وهو الثمن الذي يكتب على الثوب ولا بد من علمه حال العقد ليكون معلوما فإن لم يعلم فالبيع باطل لأن الثمن مجهول وقال : المساومة عندي أسهل من المرابحة لأن بيع المرابحة يعتبر به أمانة واسترسال من المشتري ويحتاج إلى تحري الصدق واجتناب الريبة وقال في رجلين اشتريا ثوبا بعشرين ثم اشترى أحدهما من صاحبه باثنين وعشرين : فإنه يخير في المرابحة بإحدى وعشرين لأنه اشترى نصفه بعشرة ونصفه بأحد عشرة .
فصل : .
وبيع المواضعة : أن يخبر برأس المال ثم يبيع به ووضعه كذا أو يقول : ووضيعة درهم من كل عشرة وحكمه حكم المرابحة في تفصيله فإذا قال : رأس مالي فيه مائة بعتك بها ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون لأن المحطوط العشر وعشر المائة عشرة وإن قال بوضيعة درهم لكل عشرة كان الحط من كل أحد عشرة درهما درهما والباقي تسعون وعشرة أجزاء من كل أحد عشر جزءا من درهم لأنه إذا قال : لكل عشرة درهم كان الدرهم من غيرها فيكون من كل أحد عشرة درهما درهم وإذا قال : من كل عشرة كان الحط منها فيكون عشرها .
فصل : .
وإذا اشترى نصف عبد بعشرة واشترى آخر نصفه بعشرين ثم باعاه بثمن واحد مساومة فالثمن بينهما نصفان لأنه عوض عنه فيكون بينهما على حسب ملكيهما فيه وإن باعاه مرابحة فكذلك في إحدى الروايتين لذلك والأخرى : هو بينهما على قدر رؤوس أموالهما لأن بيع المرابحة يقتضي كون الثمن في مقابلة كل واحد منهما وقيل : المذهب رواية واحدة أنه بينهما نصفان والقول الآخر وجه خرجه أبو بكر .
فصل : .
وإقالة النادم في البيع مستحبة لما روي عن النبي A أنه قال [ من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة ] أخرجه أبو داود وهي فسخ في أصح الروايتين وعنه : أنها بيع لأنها نقل الملك بعوض على وجه التراضي فكانت بيعا كالأول والأولى أولى لأن الإقالة في السلم تجوز إجماعا .
وبيع السلم لا يجوز قبل قبضه ولأن الإقالة الرفع والإزالة ومنه : أقاله الله عثرته وذلك هو الفسخ ولأنها تتقدر بالثمن الأول وتحصل بلفظ لا ينعقد به البيع فكانت فسخا كالرد بالعيب فعلى هذا تجوز في المبيع قبل قبضه ولا تجب بها شفعة وتتقدر بالثمن الأول ومن حلف لا يبيع فأقال لا يحنث وعلى الأخرى تنعكس هذه الأحكام إلا بمثل الثمن فإنه على وجهين أصحهما أن تتقدر به لأنها خصت بمثل الثمن كالتولية فإن قال بأكثر منه لم يصح وكان الملك باقيا للمشتري لأنهما تفاضلا فيما يعتبر فيه التماثل فلم يصح كبيع درهم بدرهمين