باب صوم التطوع .
وهو مستحب لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله A عن الله تعالى : [ كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به الصيام جنة والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه ] متفق عليه وأفضله ما روى عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله A : [ أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ] متفق عليه .
ويستحب صيام ثلاث أيام من كل شهر لما روى أبو هريرة قال : أوصاني خليلي A بثلاث صيام ثلاث أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام متفق عليه ويستحب أن يجعلها أيام البيض لما روى أبو ذر قال : قال رسول الله A : [ يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ] وهذا حديث حسن ويستحب صوم الاثنين والخميس لما روى أسامة أن النبي A كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس فسئل عن ذلك فقال : [ إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس ] رواه أبو داود ويستحب الصيام في المحرم لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله A : [ أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ] رواه مسلم وهذا حديث حسن ويستحب صيام عشر ذي الحجة لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله A : [ ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام ] قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال رسول الله A : [ ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ] وهذا حديث حسن صحيح وصوم يوم عرفة كفارة سنتين وهو التاسع من ذي الحجة وصوم عاشوراء كفارة سنة وهو العاشر من المحرم لما روى أبو قتادة عن النبي A أنه قال : [ يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ] وقال في صيام يوم عاشوراء : [ إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده ] رواه مسلم ولا يستحب لمن بعرفة أن يصوم ليتقوى على الدعاء لما روى ابن عمر قال : حججت مع النبي A فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه فأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه حديث حسن ومن صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال وإن فرقها فكأنما صام الدهر لما روى أبو أيوب قال : قال رسول الله A : [ من صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله ] رواه مسلم .
فصل : .
ويكره إفراد الجمعة بالصيام لما روى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله A يقول : [ لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو يوما بعده ] متفق عليه وإفراد يوم السبت بالصوم لما روي عن النبي A أنه قال : [ لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ] وهذا حديث حسن صحيح فإن صامهما معا لم يكره لحديث أبي هريرة ويكره إفراد أعياد الكفار بالصيام لما فيه من تعظيمها والتشبه بأهلها ويكره صوم الدهر لما روي أن النبي A قيل له : فكيف بمن صام الدهر ؟ قال : [ لا صام ولا أفطر ] حديث حسن ولأنه يشبه التبتل المنهي عنه ويكره إفراد رجب بالصوم لما فيه من تشبه برمضان وقد روي عن خرشة قال : رأيت عمر يضرب أكف الناس حتى يضعوها في الطعام يعني في رجب ويقول : إنما هو شهر كانت الجاهلية تعظمه ثم يقول : صوموا منه وأفطروا وروى سعيد بن منصور أوله بمعناه ولم يقل فيه : صوموا منه وأفطروا وقال أصحابنا : : يكره صوم يوم الشك وهو اليوم الذي يشك فيه هل هو من شعبان أو من رمضان إذا كان صحوا ويحتمل أنه محرم لقول عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم A رواه أبو داود و الترمذي نحوه وصححه والمعصية حرام وكذلك استقبال رمضان باليوم واليومين لقول النبي A : [ لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجلا كان يصوم صياما فليصمه ] متفق عليه و ما وافق هذا كله عادة فلا بأس بصومه لهذا الحديث وقد دل هذا الحديث بمفهومه على جواز التقدم بأكثر من يومين وقد روي عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) انه قال : [ إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان ] وهذا حديث صحيح فيحمل الأول على الجواز وهذا على نفي الفضيلة جمعا بينهما .
فصل : .
ويحرم صوم العيدين عن فرض أو تطوع فإن صامهما فقد عصى ولم يجزئاه عن فرض لما روى أبو عبيد مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فقال : هذان يومان نهى رسول الله ( ص ) عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون من نسككم متفق عليه ولا يجوز صيام أيام التشريق لما روى نبيشة الهذلي قال : قال رسول الله ( ص ) : [ أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله D ] رواه مسلم وفي صيامهما للفرض روايتين : .
إحداهما : يحرم لهذا الحديث .
والثانية : يجوز لما روي ابن عمر وعائشة أنهما قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري وقسنا على صوم المتعة صوم كل فرض لأنه في معناه .
فصل : .
ومن دخل في صيام تطوع فله الخروج منه ولا قضاء عليه وعنه : عليه القضاء لأنه عبادة فلزمت بالشروع كالحج .
والأول : المذهب لما روت عائشة قالت : قلت : يا رسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زور وقد خبأت لك شيئا : قال ما هو ؟ قلت : حيس قال : [ هاتيه ] فجئته به فأكل ثم قال : [ قد كنت أصبحت صائما ] رواه مسلم ولأن كل صوم لو أتمه كان تطوعا لا يلزمه إتمامه وإن خرج منه لم يلزمه قضاؤه كما لو اعتقد من رمضان فبان في شعبان وإن كان الصوم مكروها فالفطر من مستحب لما روي عن جويرية بنت الحارث أن النبي ( ص ) دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : [ أصمت أمس ؟ قالت : لا قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا قال : فأفطري ] متفق عليه وسائر التطوعات من الصلاة والاعتكاف وغيرهما كالصوم إلا الحج والعمرة .
وعنه : أن الصلاة أشدها فلا يقطعها ومال إليها أبو إسحاق والجوزجاني لأن الصلاة ذات إحلال وإحرام فأشبهت الحج والأول المذهب لأن ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة والحج والعمرة يخالفان غيرهما لأنه يمضي في فاسدهما فلا يصح القياس عليهما ومن دخل في واجب كقضاء أو نذر غير معين أو كفارة لم يجز له الخروج منه لأنه تعين بدخوله فيه فصار كالمتعين فإن خرج منه لزمه أكثر مما كان عليه .
فصل : .
ويستحب تحري ليلة القدر لقول الله تعالى : { ليلة القدر خير من ألف شهر } وهي في رمضان لأن الله تعالى أخبر أنه أنزل فيها القرآن وأنه أنزل في شهر رمضان فيدل على أنها في رمضان وأرجاه الوتر في ليالي العشر الأواخر لقول رسول الله ( ص ) : [ من كان متحريا فليتحرها في السبع الأواخر ] وفي لفظ : [ فاطلبوا في العشر الأواخر في الوتر منها ] متفق عليه وقال أبي بن كعب : أنها ليلة سبع وعشرون أخبرنا رسول الله ( ص ) أنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع فعددنا وحفظنا هذا حديث صحيح أخرجه مسلم إلى قوله ( شعاع ) فهذا أصح علاماتها وقد روي عن النبي ( ص ) أنها ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها من المسند وروى أبو سعيد عن رسول الله ( ص ) أنه قال : [ قد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء الطين ] قال أبو سعيد : فأمطرت تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله ( ص ) انصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين متفق عليه والحديثان يدلان على أنها تتنقل في ليالي الوتر من العشر لأن كل واحد منهما يدل على وجود علامتها في الليل فينبغي أن يجتهد في ليالي الوتر من العشر كله ويكثر من الدعاء لعله يوافقها ويدعو بما روي عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو ؟ قال : [ قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ] رواه الترمذي وقال : حديث صحيح