باب التعزية والبكاء على الميت .
التعزية سنة لما روى ابن مسعود أن النبي A قال : [ من عزى مصابا فله مثل أجره ] وهو حديث غريب وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده لعموم الخبر ويكره الجلوس لها لأنه محدث ويقول في تعزية المسلم بالمسلم : أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك ورحم ميتك وفي تعزيته بكافر : أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وتوقف أحمد Bه عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان : .
إحداهما : يعودهم لأنه روي أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي A فأتاه النبي A يعوده فقعد عند رأسه فقال له : [ أسلم ] فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي A وهو يقول : [ الحمد لله الذي أنقذه من النار ] رواه البخاري .
والثانية : لا يجوز لأن النبي A قال : [ لا تبدؤوهم بالسلام ] فإن قلنا : نعزيهم فإن تعزيتهم عن مسلم : أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وعن كافر : أخلف الله عليك ولا نقص عددك .
فصل : .
والبكاء غير مكروه إذا لم يكن مع ندب ولا نياحة لما روي أن النبي A دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى أصحابه وقال : [ ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم ] متفق عليه ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية لما روى ابن مسعود أن النبي A قال : [ ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ] .
وعن أبي مسعود أن النبي A برئ من الصالقة و الحالقة و الشاقة متفق عليهما ويكره الندب والنوح ونقل حرب عن أحمد كلاما يحتمل إباحتهما واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة و أبا وائل كانا يستمعا النوح ويبكيان وظاهر الأخبار التحريم .
قال أحمد في قوله تعالى : { ولا يعصينك في معروف } هو النوح فسماه معصية وقالت أم عطية : أخذ علينا النبي A في البيعة أن لا ننوح متفق عليه .
وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى وبالصبر والصلاة ويسترجع ولا يقول إلا خيرا لقول الله تعالى : { استعينوا بالصبر والصلاة } الآيات وقالت أم سلمة : سمعت رسول الله A يقول : [ ما من عبد مسلم تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله و إنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خير منها ] قالت : فلما توفي أبو سلمة قلتها فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله A رواه مسلم وقال : لما مات أبو سلمة : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون رواه مسلم .
فصل : .
ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه إصلاح طعام لأهله لأن رسول الله A لما جاء نعي جعفر قال : [ اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنهم قد أتاهم أمر شغلهم ] رواه أبو داود .
فأما صنيع أهل الميت الطعام للناس فمكروه لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم إلى شغلهم .
فصل : .
ويستحب للرجال زيارة القبور لأن النبي A قال : [ كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها إنها تذكركم الموت ] رواه مسلم وإن مر بها أو زارها قال ما روى مسلم قال : كان رسول الله A يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية و في حديث آخر : [ يرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين ] وفي حديث آخر : [ اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ] وإن زاد : [ اللهم اغفر لنا ولهم ] كان حسنا .
فأما النساء ففي كراهية زيارة القبور لهن روايتان : .
إحداهما : لا يكره لعموم ما رويناه ولأن عائشة Bها زارت قبر أخيها عبد الرحمن .
والثانية : يكره لأن النبي A قال : [ لعن الله زوارات القبور ] وهذا حديث صحيح فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهية ولأن المرأة قليلة الصبر فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله بخلاف الرجل .
فصل : .
ويستحب لم دخل المقابر خلع نعليه لما روى بشير بن الخصاصية قال : بينما أنا أماشي رسول الله A إذ حانت منه نظرة فإذا رجل يمشي بالقبور عليه نعلان فقال : [ يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك ] فنظر الرجل فلما عرف رسول الله ( ص ) خلعهما فرمى بهما رواه أبو داود فإن خاف الشوك إن خلع نعليه فلا بأس بلبسهما للحاجة ولا يدخل في هذا الخفاف لأن نزعها يشق وفي التمشكات ونحوها وجهان : .
أحدهما : هي كالنعل لسهولة خلعها .
والثاني : لا يستحب لأن خلع النعلين تعبد فيقصر عليهما .
فصل : .
وإن دعا إنسان لميت أو تصدق عنه أو قضى عنه دينا واجبا عليه نفعه ذلك بلا خلاف لأن الله تعالى قال : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } وقال سعد بن عبادة للنبي ( ص ) أينفع أمي إذا تصدقت عنها ؟ قال : [ نعم ] متفق عليه وإن فعل عبادة بدنية كالقراءة والصلاة والصوم وجعل ثوابها للميت نفعه أيضا لأنه إحدى العبادات فأشبهت الواجبات ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا