باب صلاة الخوف .
تجوز صلاة الخوف في كل قتال مباح كقتال الكفارة والبغاة والمحاربين ولا تجوز في محرم لأنها رخصة فلا تستباح بالمحرم كالقصر .
والخوف على ضربين شديد وغير فغير الشديد يجوز أن يصلي بهم على الصفة التي صلاها رسول الله A قال أحمد Bه : الأحاديث التي جاءت في صلاة الخوف كلها أحاديث جياد صحاح وهي تختلف فأقول : إن ذلك كله جائز لمن فعله إلا أن حديث سهل بن أبي خيثمة أنكى في العذر فأنا أختاره وقال ستة أو سبعة : يروى فيها كلها جائز فتذكر الوجوه التي بلغنا .
فالوجه الأول : منها ما روى صالح بن خوات عن من صلى مع النبي A يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم متفق عليه فهذا حديث سهل الذي اختاره أحمد .
ويشترط أن يكون في المسلمين كثرة يمكن تفريقهم طائفتين كل طائفة ثلاثة فأكثر .
ويقرأ الإمام في حال الانتظار ويطيل حتى يدركوه لأن الصلاة ليست محلا للسكوت وتكون الطائفة الأولى في حكم الائتمام قبل مفارقته إن سها لحقهم حكم سهوه وسجدوا له وإن سهوا لم يلحقهم حكم سهوهم لأنهم مأمومون فإذا فارقوه صاروا منفردين لا يلحقهم سهوه وإن سهوا سجدوا لأنهم منفردون فأما الطائفة الثانية فلحقها سهو إمامها في جميع الصلاة ما أدركوه معه وما لم يدركوه كالمسبوق ولا يلحقهم حكم سهوهم في شيء من صلاتهم لأنهم إن فارقوه فهم مؤتمون به حكما لأنهم يسلمون بسلامه فإذا قضوا ما عليهم فسجد إمامهم سجدوا معه فإن سجد قبل إتمامه سجدوا معه لأنه إمامهم فلزمهم متابعته ولا يعيدون السجود بعد فراغهم من التشهد لأنهم لم ينفردوا عن الإمام فلا يلزمهم من السجود أكثر مما يلزمه بخلاف المسبوق .
فصل : .
الوجه الثاني : أن يقسمهم طائفتين يصلي بكل طائفة صلاة كاملة كما روى أبو بكرة قال : ( صلى رسول الله A في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بازاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله ( ث ) أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين ) رواه أبو داود .
فصل : .
الوجه الثالث : أن يصلي بهم كالتي قبلها إلا أنه لا يسلم إلا في آخر الأربع كما روى .
جابر قال : أقبلنا مع رسول الله A حتى إذ كنا بذات الرقاع فنودي بالصلاة فصلى رسول الله A بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله A أربع ركعات وللقوم ركعتان رواه البخاري .
فصل : .
الوجه الرابع : ما روى عبد الله بن عمر قال : صلى رسول الله A صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا و جاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة متفق عليه فهذا الوجه جوز أحمد Bه الصلاة به واختار حديث سهل لأنه أشبه بظاهر الكتاب وأحوط للصلاة وأنكى في العدو وأما الكتاب فقول الله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية وقوله : { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } ظاهره أن جميع صلاتها معه وأن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها ولا يتحقق هذا في هذا الوجه وأما الاحتياط للحرب فإن كل طائفة تنصرف بعد الفراغ من صلاتها وتتمكن من الضرب والكلام و التحريض وغيره وفي هذا الوجه تنصرف كل طائفة وهي في حكم الصلاة لا تتمكن من ذلك ولا يخلو من أن تمشي أو تركب وذلك عمل كثير يفسدها .
فصل : .
الوجه الخامس : إذا كان العدو في جهة القبلة بحيث لا يخفى بعضهم على المسلمين ولم يخافوا كمينا صلى بهم كما روى جابر قال : شهدت مع رسول الله A صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله A وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي A السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع رسول الله A وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى النبي A السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجد ثم سلم النبي A وسلمنا جميعا أخرجه مسلم .
فهذه الأوجه الخمسة جائزة لمن فعلها ولا نعرف وجها سادسا غير ما روى ابن عباس قال : صلى النبي A بذي قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفا خلفه وصفا موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم فكانت لرسول الله A ركعتان ولهم ركعة ركعة رواه الأثرم فكلام أحمد Bه يقتضي كون هذا من الوجوه الجائزة إلا أن أصحابه قالوا : لا تأثير للخوف في عدد الركعات فيدل على أن هذا ليس بمذهب له .
فصل : .
فإن صلى المغرب على حديث سهل صلى بالطائفة الأولى ركعتين وتتم لأنفسها ركعة تقرأ فيها الحمد لله وبالثانية ركعة وتتم لأنفسها ركعتين تقرأ فيها بالحمد لله وسورة و تفارقه الأولى حين يقوم إلى الثالثة في أحد الوجهين لأن الانتظار في القيام أولى لكثرة ثواب القيام واستحباب تقصير التشهد وفي الآخر تفارقه حين يفرغ من تشهده الأول فتقوم ويثبت هو جالسا لتدرك الثانية جميع الركعة الثالثة ويطيل التشهد حتى تجيء الطائفة الثانية فينهض ثم تكبر الطائفة وتدخل معه فإذا جلس للتشهد الآخر نهضت لقضاء ما فاتها ولم تتشهد معه لأنه ليس بموضع تشهدها ويحتمل أن تتشهد معه إذا قلنا : إنها تقضي ركعتين متواليتين لئلا يفضي إلى وقوع جميع الصلاة بتشهد واحد .
فصل : .
ويجوز صلاة الخوف للمقيمين لعموم قوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية ولأنها حالة خوف فأشبهت حالة السفر ويصلي بكل طائفة ركعتين وتتم الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة والطائفة الأخرى بالحمد لله وسورة وفي موضع مفارقة الطائفة الأولى له وجهان على ما ذكرنا في المغرب وإن صلى بطائفة ثلاث ركعات وبالأخرى ركعة أو صلى المغرب بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين جاز لأنه لم يزد على انتظارين ورد الشرع بهما .
وإن فرقهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة أو ثلاث فرق في المغرب صحت صلاة الأولى والثانية لأنهما فارقتاه لعذر وبطلت صلاة الإمام لزيادته انتظارا لم يرد الشرع بمثله وصلاة الثالثة والرابعة لإقتدائهما بمن صلاته باطلة وقال ابن حامد : إن لم يعلما ببطلان صلاته صحت صلاتهما للعذر فأشبه من صلى وراء محدث يجهل هو والإمام حدثه .
فصل : .
إذا صلى صلاة الخوف من غير خوف لم تصح لأنها لا تنفك من مفارق إمامه أو تارك متابعته أو قاصر مع إتمام إمامته أو قائم للقضاء قبل سلامه وكل ذلك مبطل إلا مع العذر إلا أن يصلي بكل طائفة صلاة تامة على حديث أبي بكرة .
فصل : .
قال أصحابنا : لا يجوز حمل السلاح في صلاة الخوف لأنه لو وجب لكان شرطا كالسترة ويستحب أن يحمل ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين ويكره ما يثقله كالجوشن وما يمنع إكمال السجود كالمغفر وما يؤذي به غيره كالرمح متوسطا فإن كان في حاشية لم يكره ولا يجوز حمل نجس ولا ما لا يخل بركن الصلاة إلا أن يخاف وقوع السهام و الحجارة ونحوها به فيجوز للضرورة ويحتمل وجوب حمل السلاح للأمر به بقوله تعالى : { وليأخذوا أسلحتهم } وقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم } فيدل على الجناح عند عدم ذلك .
فصل : .
الضرب الثاني : الخوف الشديد مثل التحام الحرب والقتال ومصيرهم إلى المطاردة فلهم أن يهلكوا كيفما أمكنهم رجالا وركبانا يومون بالركوع والسجود على قدر الطاقة ويتقدمون يتأخرون ويضربون ويطعنون ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها وصلاتهم صحيحة وإن هرب هربا مباحا من عدو أو سيل أو سبع أو نار لا يمكنه التخلص إلا بالهرب أو كان أسيرا يخاف الكفار إن صلى أو مختفيا في موضع يخاف أن يظهر عليه صلى كيفما أمكنه قائما أو قاعدا أو مستلقيا إلى القبلة وغيرها بالإيماء في السفر والحضر فإن أمن في صلاته أتمها صلاة أمن وإن ابتدأها آمنا فعرض له الخوف أتمها صلاة خائف لأنه يبني على صلاة صحيحة فجاز كبناء صلاة المرض على صلاة الصحة .
وإن رأى سوادا فظنه عدوا فصلى صلاة الخوف ثم بان أنه غير عدو أو بينه وبينه ما يمنع العبور أعاد لأنه لم يوجد المبيح فأشبه من ظن أنه متطهر فصلى ثم علم بحدثه قال أصحابنا : ويجوز أن يصلوا في شدة الخوف جماعة رجالا وركبانا ويعفى عن تقدمهم الإمام لأجل الحاجة كما عفي عن العمل الكثير وترك الاستقبال