باب الحكم في الساحر .
السحر : عزائم و رقى و عقد تؤثر في الأبدان و القلوب فيمرض و يقتل و يفرق بين المرء و زوجه و يأخذ أحد الزوجين عن صاحبه قال الله تعالى : { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه } و قال الله سبحانه : { قل أعوذ برب الفلق } إلى قوله : { و من شر النفاثات في العقد } يعني : السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن و ينفثن في عقدهن و لولا أن للسحر حقيقة لم يأمر بالاستعاذة منه وروت عائشة Bها : أن النبي صلى الله عليه و سلم سحر حتى أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء و لم يفعله و أنه قال لها ذات يوم : [ أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي و الآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للآخر : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم في مشط و مشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذي أروان ] رواه أحمد و البخاري و مسلم .
و تعلم السحر و العمل به حرام فإن فعله رجل وجب قتله إذا كان مسلما لما روي عن بجالة قال : كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر Bه قبل موته بسنة : أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة فقتلنا ثلاث سواحر في يوم رواه أحمد و أبوه داود و قتلت حفصة أمة لها سحرتها و رأى جندب بن كعب رجلا يعمل سحرا بين يدي الوليد بن عقبة فضربه بالسيف و أما ساحر أهل الكتاب فلا يقتل نص عليه أحمد و قال : الشرك أعظم من ذلك و قد سحر لبيد بن الأعصم النبي صلى الله عليه و سلم فلم يقتله .
قال أصحابنا : و يكفر بتعلم السحر و العمل به لقول الله تعالى : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } فدل هذا على أنه يكفر بتعلمه و هل يستتاب ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : لا يستتاب لأن الصحابة Bهم لم يستتيبوهم و لأن علم السحر لا يزول بالتوبة .
و الثانية : يستتاب فإن تاب قبلت توبته و خلي سبيله لأن دينه لا يزيد على الشرك .
و المشرك يستتاب و تقبل توبته فكذا الساحر و علمه بالسحر لا يمنع توبته بدليل ساحر أهل الكتاب إذا أسلم و لذلك صح إيمان سحرة فرعون و توبتهم .
فصل .
الكاهن - الذي له رئي من الجن - و العراف و قد نقل عن أحمد : أن حكمهما القتل أو الحبس حتى يتوبا لأنهما يلبسان أمرهما و ليس هو من أمر الإسلام قال أحمد : العراف طرف من السحر و الساحر أخبث لأنه شعبة من الكفر .
فصل .
فأما المعزم الذي يعزم على المصروع و يزعم أنه يجمع الجن و أنها تطيعه و الذي يحل السحر فذكرهما أصحابنا من السحرة الذين ذكرنا حكمهم و قد توقف أحمد لما سئل عن رجل يزعم أنه يحل السحر فقال : قد رخص فيه بعض الناس قيل : إنه يجعل في الطنجير ماء و يغيب فيه و يفعل كذا فنفض يده كالمنكر وقال ما أدري ما هذا ؟ قيل له : فترى أن يؤتى مثل هذا يحل السحر ؟ قال : ما أدري ما هذا .
و سئل ابن سيرين عن امرأة تعذبها السحرة فقال رجل : اخط خطأ عليها و اغرز السكين عند مجمع الخط و اقرأ عليها القرآن فقال محمد : ما أعلم بقراءة القرآن بأسا على حال و لا أدري ما الخط و السكين و سئل سعيد بن المسيب عن رجل يؤخذ عن امرأته يلتمس من يداويه قال : إنما نهى الله تعالى عما يضر و لم ينه عما ينفع إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل و هذا يدل على أن مثل هذا لا يكفر صاحبه و لا يقتل