باب قدر النفقة .
يجب للمرأة من النفقة قدر كفايتها بالمعروف لقول النبي A لهند : [ خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف ] متفق عليه ولأن الله قال : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } والمعروف : قدر الكفاية ولأنها نفقة واجبة لدفع الحاجة فتقدرت بالكفاية كنفقة المملوك فإذا ثبت أنها غير مقدرة فإنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم فيفرض لها قدر كفايتها من الخبز والأدم وقال القاضي : هي مقدرة برطلي خبز بالعراقي وما يكفيها من الأدم لأن الواجب للمسكين في الكفارة رطلان ويجب لها في القوت الخبز لأنه المقتات في العادة وقال ابن عباس في قوله تعالى : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } الخبز والزيت وعن ابن عمر : الخبز والسمن والخبز والزيت والخبز والتمر ومن أفضل ما تطعمهم : الخبز واللحم ويجب لها من الأدم بقدر ما تحتاج إليه من أدم البلد من الزيت والشيرج والسمن واللبن واللحم وسائر ما يؤتدم به لأن ذلك من النفقة بالمعروف وقد أمر الله تعالى ورسوله به .
فصل : .
ويختلف ذلك بيسار الزوج وإعساره لقول الله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } وتعتبر حال المرأة أيضا لقول النبي A : [ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ] فيجب للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد وأدمه بما جرت به عادة مثلها ومثله وللفقير تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدمه على قدر عادتهما وللمتوسط تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا ما بينهما على كل حسب عادته لأنه إيجاب نفقة الموسرين على المعسر وإنفاق الموسر نفقة المعسرين ليس من المعروف وفيه إضرار بصاحبه وحكم المكاتب والعبد حكم المعسر لأنهما ليسا بأحسن حالا منه ومن نصفه حر إن كان معسرا فهو كالمعسرين وإن كان موسرا فهو كالمتوسطين .
فصل : .
فإن دفع إليها قيمة الخبز والأدم أو الحب والدقيق لم يلزمها قبوله لأنه طعام وجب في الذمة بالشرع فلم يجب أخذ عوضه كالكفارة وإن اتفقا على ذلك جاز لأنه حق آدمي فجاز أخذ عوضه باتفاقهما كالقرض .
فصل : .
ويجب لها ما تحتاج إليه من المشط والدهن لرأسها والماء والسدر لغسله وما يعود بنظافتها لأنه يراد للتنظيف فيجب عليه كما يجب على المستأجر كنس الدار وتنظيفها ولا يلزمه ثمن الخضاب لأنه للزينة فأشبه الحلي ولا ثمن الدواء وأجرة الطبيب لأنه ليس من النفقة الراتبة وإنما يحتاج إليه لعارض وأما الطيب فما يراد منه لقطع السهك والريح الكريهة والعرق لزمه لأنه يراد للتنظيف وما يراد للتلذذ والاستمتاع لم يلزمه لأن الاستمتاع حق له فلا يجب عليه .
فصل : .
وتجب الكسوة للآية والخبر ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام فلزمته كالنفقة ويجب للموسرة تحت الموسر من مرتفع ما يلبس في البلد من الإبريسم والخز والقطن والكتان وللفقيرة تحت الفقير من غليظ القطن والكتان وللمتوسطة تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا ما بينهما على حسب عوائدهم في الملبوس كما قلنا في النفقة وأقل ما يجب سراويل ومقنعة ومداس للرجل وجبة للشتاء لأن ذلك من الكسوة بالمعروف وملحفة أو كساء أو مضربة محشوة للنوم وبساط ولبد أو حصير للنهار ويكون ذلك في المرتفع للأولى ومن الأدون للثانية وفي المتوسط للثالثة لأنه من المعروف .
فصل : .
ويجب لكل مسكن لأنا لا تستغني عنه للإيواء والاستتار عن العيون للتصرف والاستمتاع ويكون ذلك على قدرهن كما ذكرنا في النفقة .
فصل : .
وإن كانت ممن لا تخدم نفسها لكونها من ذوات الأقدار أو مريضة وجب لها خادم لقول الله : { وعاشروهن بالمعروف } وإخدامها في العشرة بالمعروف ولا يجب لها أكثر من خادم لأن المستحق خدمتها في نفسها وذلك يحصل بخادم واحد ولا يجوز أن يخدمها إلا امرأة أو ذا رحم محرم أو صغيرا وهل يجوز أن تكون كتابية ؟ فيه وجهان : بناء على إباحة النظر لهن فإن قلنا بجوازه : فهل يلزم المرأة قبولها ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : يلزمها قبولها لأنهم يصلحون للخدمة .
والثاني : لا يلزمها لأن النفس تعافهم وإن قالت المرأة : أنا أخدم نفسي وآخذ أجرة الخادم لم يلزم الزوج لأن القصد بالخدمة ترفيهها وتوفيرها على حقه وذلك يفوت بخدمتها وإن قال : أنا أخدمك بنفسي ففيه وجهان : .
أحدهما : يلزمها الرضى به لأن الكفاية تحصل به .
والثاني : لا يلزمها لأنها تحتشمه فلا تستوفي حقها من الخدمة ولا يلزمه أن يملكها خادما بل إن كان له أو استأجره جاز وإن كان مملوكا لها فاتفقا على خدمته لزمه نفقته بقدر نفقة الفقيرين في القوت والأدم والكسوة ولا يجب له مشط ولا سدر ولا دهن للرأس لأنه يراد للتنظيف والزينة ولا يراد ذلك من الخادم ويجب للخادمة خف إذا كانت تخرج إلى الحاجات لحاجتها إليه .
فصل : .
وعليه دفع نفقتها إليها كل يوم إذا طلعت الشمس لأنه أول وقت الحاجة فإن اتفقا على تعجيلها أو تأخيرها أو تسليفها النفقة لشهر أو عام أو أكثر جاز لأن الحق لا يخرج عنهما فجاز فيه ما تراضيا عليه كالدين فإن دفع إليها نفقة يوم فبانت فيه لم يرجع بما بقي لأنها أخذت ما تستحقه وإن أسلفها نفقة أيام ثم بانت رجع عليها لأنه غير مستحق لها وذكر القاضي : ما يدل على أن حكم ذلك حكم الرجوع في معجل الزكاة على ذكر في موضعه فأما إن غاب عن زوجته زمنا لم ينفق عليها فإنها ترجع عليه بنفقة ما مضى لما روي عن عمر Bه : أنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم إن طلقوا : أن يبعثوا بنفقة ما مضى ولأنه حق لها عليه بحكم العوض فرجعت به عليه كالدين وعنه : لا ترجع عليه إلا أن يكون الحاكم قد فرضها لها لأنها نفقة فأشبهت نفقة الأقارب .
فصل : .
وعليه كسوتها في كل عام مرة في أوله لأنه العادة فإن تلفت في الوقت الذي يبلى فيه مثلها لزمه بدلها لأن ذلك من تمام كسوتها وإن بليت قبله لم يلزمه بدلها لأنه لتفريطها فأشبه ما لو أتلفتها وإن مضى زمن يبلى فيه مثلها ولم تبل ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يلزمه بدلها لأنها غير محتاجة إلى الكسوة .
والثاني : يجب لأن الاعتبار بالمدة بدليل أنها لو تلفت قبل انقضاء المدة لم يلزمها بدلها وإن كساها ثم أبانها ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يرجع لأنه دفع ما تستحق دفعه فلم يرجع به كنفقة اليوم .
والثاني : يرجع لأنه دفع لزمن مستقبل أشبه ما لو أسلفها النفقة ثم أبانها .
فصل : .
وإذا دفع إليها النفقة فلها أن تتصرف فيها بما شاءت من بيع وصدقة وغيرهما لأنها حق لها فملكت التصرف فيها كالمهر إلا أن يعود ذلك عليها بضرر في بدنها ونقص في استمتاعها فلا تملكه لأنه يفوت حقه وكذلك الحكم في الكسوة في أحد الوجهين وفي الآخر : ليس لها التصرف فيها بحال لأنه يملك استرجاعها بطلاقها بخلاف النفقة .
فصل : .
وإن نشزت المرأة سقطت نفقتها لأنها تستحقها في مقابلة التمكين من استمتاعها وقد فات ذلك بنشوزها وإن كان لها ولد لم تسقط نفقته لأن ذلك حق له فلا تسقط بنشوزها