باب الكتابة .
وهو مندوب إليه في حق من يعلم فيه خيرا لقول الله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } يعني : كسبا وأمانة في قول أهل التفسير .
وعنه : رواية أخرى أنها واجبة إذا دعا العبد الذي فيه خير سيده إليها لظاهر الآية ولأن عمرا أجبر أنسا على كتابة سيرين والأول ظاهر المذهب لأنه إعتاق بعوض فلم يجب كالاستسعاء والآية محمولة على الندب وقول عمر يخالفه فعل أنس فأما من لا كسب له ففيه روايتان : .
إحداهما : تكره كتابته لأنه يصير كلا على الناس .
والثانية : لا تكره لعموم الأخبار في فضل الإعتاق وإذا دعا هذا سيده إلى الكتابة لم يجبر رواية واحدة وإن دعا السيد عبده إلى الكتابة لم يجبر عليها لأنه إعتاق على مال لم يجبر عليه كغير الكتابة .
فصل .
ولا تنعقد إلا بالقول وتنعقد بقوله : كاتبتك على كذا لأنه لفظها الموضوع لها فانعقدت به كلفظ النكاح فيه ويحتمل أن يشترط أن يقول : إذا أديت إلي فأنت حر لأنه إعتاق معلق على شرط فاعتبر ذكره والأول أولى .
فصل .
ولا تصح إلا من جائز التصرف مسلما كان أو كافرا لأنها تصرف في المال فأشبهت البيع فأما المميز من الصبيان فيصح أن يكاتب عبده بإذن وليه ولا يصح بغير إذنه كما في بيعه ويحتمل أن لا تصح بحال لأنه إعتاق وإن كاتب السيد عبده المميز صح لأن إيجاب سيده له إذن منه في قبولها وإن كاتب عبده المجنون أو الطفل فهو عقد باطل وجوده كعدمه إلى أن القاضي قال : يعتقد بالأداء لأن الكتابة تعليق الحرية بالأداء فإن بطلت الكتابة كان عتقهما بحكم الصفة المحضة وقال أبو بكر : لايعتق لأن الكتابة ليست بصفة ولا يعتبر ذكر الصفة فيها بحال .
فصل : .
ولا تصح إلا علىعوض لأنها عقد معاوضة فأشبه البيع ومن شرطه أن يكون مؤجلا لأن جعله حالا يفضي إلى العجز عن أدائه وفسخ العقد بذلك فيفوت المقصود وأن يكون منجما نجمين فصاعدا في قول أبي بكر وظاهر كلام الخرقي لأن عليا قال : الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني وقال ابن أبي موسى : يجوز جعل المال كله في نجم واحد لأن عقد شرط في التأجيل فجاز على نجم واحد كالسلم ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ويحصل ذلك في النجم الواحد والأحوط نجمان فصاعدا ويجب أن تكون النجوم معلومة ويعلم في كل نجم قدر المؤدى وأن يكون العوض معلوما بالصفة لأنه عوض في الذمة فوجب فيه العلم بذلك كالسلم ولا تصح إلا على عوض يصح السلم فيه لما ذكرنا وذكر القاضي : أنه يحتمل أن يصح على عوض مطلق بناء على قوله في النكاح والخلع والصحيح ما قدمنا .
فصل : .
وتجوز الكتابة على المنافع لأنها تثبت في الذمة بالعقد فجازت الكتابة عليها كالمال وتجوز على مال أو خدمة لأن كل واحد منهما يصح أن يكون عوضا منفردا فصح في الآخر كالمالين فإن كاتبه على خدمة شهر أو شهرين متواليين فهو كالنجم الواحد لأنها مدة واحدة فإن قال على أن تخدمني شهرا ثم تخدمني عقيبه شهرا آخر صح لأنهما نجمان وإن قال : على خدمة شهر ودينار بعده بيوم صح لأنهما نجمان فإن جعل الدينار مع انقضاء الشهر أو في أثنائه صح لأن الخدمة بمنزلة العوض الحال فصار كالأجلين ويحتمل أن لا يصح لأنهما في مدة واحدة فكانا نجما واحدا وإن جعل الدينار حالا عقيب العقد لم يصح لأنه عوض حال معجوز عنه بخلاف الخدمة فإنها وإن كانت في منزلة الحال فهو قادر عليها .
فصل : .
والكتابة عقد لازم لا يملك العبد فسخها بحال .
وعنه : أنه يملكه ولا يملك السيد فسخها قبل عجز المكاتب لأنه أسقط حقه منه بالعوض فلم يملك ذلك قبل العجز عنه كالبيع وللعبد الامتناع من الأداء لأنه جعل شرطا في عتقه فلم يلزمه كدخول الدار ولا تبطل بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه ولا جنون العبد لأنه عقد لازم فأشبه البيع وينتقل بموت السيد إلى ورثته لأنه مملوك لمورثهم فانتقل إليهم كالقن فإذا أدى إليهم عتق وولاؤه لمكاتبه لأن السبب وجد منه ولا يجوز شرط الخيار في الكتابة لأن الخيار شرع لدفع الغبن عن المال والسيد دخل على بصيرة : أن الحظ لعبده فلا معنى للخيار وإن اتفقا على الفسخ جاز لأنه عقد يلحقه الفسخ بالعجز عن المال فجاز فسخه بالتراضي كالبيع .
فصل : .
ويجوز بيع المكاتب لأن بريرة قال لعائشة : يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني على كتابتي فقال النبي A لعائشة : [ اشتريها ] متفق عليه ولأنه سبب يجوز فسخه فلم يمنع البيع كالتدبير .
وعنه : لا يجوز بيعه لأن سبب العتق ثبت له في كل وجه لا يستقل السيد برفعه فمنع البيع كالاستيلاد والأول أظهر فإن باعه لم تبطل الكتابة لأنها عقد لازم فلم تبطل ببيعه كالنكاح ويكون في يد مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته فإذا أدى عتق وولاؤه له وإن عجز فله الفسخ ويعود رقيقا له لأن البائع نقل ماله من الحق فيه إلى المشتري فصار بمنزلته وإن لم يعلم المشتري أنه مكاتب فله الخيار بين فسخ البيع وأخذ ما بينه سليما ومكاتبا لأنه عيب فأشبه سائر العيوب والحكم في هبته والوصية به كالحكم في بيعه لأنه نقل للملك فيه ولا يجوز وقفه لأنه معرض لزوال الرق فيه والوقف يجب أن يكون مستقرا .
فصل : .
وإن اشترى المكاتب مكاتبا آخر صح سواء اشتراه من سيده أو من أجنبي لأن المشتري أهل للشراء والمبيع محل له فصح كما لو اشترى عبدا فإن عاد المبيع فاشترى سيده لم يصح لأنه لا يصح أن يملك مالكه والله أعلم