فصل : حكم ما لو جرح المحارب جرحا في مثله قصاص .
فصل : وإذا جرح المحارب جرحا في مثله قصاص فهل يتحتم فيه القصاص ؟ على روايتين : .
إحداهما : لا يتحتم لأن الشرع لم يرد بشرع الحد في حقه بالجراح فان الله تعالى ذكر في حدود المحاربين القتل والصلب والقطع والنفي فلم يتعلق بالمحاربة غيرها فلا يتحتم بخلاف القتل فانه حد فتحتم كسائر الحدود فحينئذ لا يجب فيه أكثر من القصاص .
والثانية : يتحتم لأن الجراح تابعة للقتل فيثبت فيها مثل حكمه ولأنه نوع قود أشبه القود في النفس والأولى أولى وإن جرحه جرحا لا قصاص فيه كالجائفة فليس فيه إلا الدية وإن جرح إنسانا وقتل آخر اقتص منه للجراح وقتل للمحاربة وقال أبو حنيفة : تسقط الجراح لأن الحدود إذا اجتمعت وفيها قتل سقط ما سوى القتل .
ولنا أنها جناية يجب بها القصاص في غير المحاربة فيجب بها في المحاربة كالقتل ولا نسلم أن القصاص في الجراح حد وإنما هو قصاص متمحض فأشبه ما لو كان الجرح في غير المحاربة وإن سلمنا أنه حد فإنه مشروع مع القتل فلم يسقط به كالصلب وكقطع اليد والرجل .
الحال الثالث : أخذ المال ولم يقتل فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى وهذا معنى قوله سبحانه : { من خلاف } وإنما قطعنا يده اليمنى للمعنى الذي قطعنا به يمنى السارق ثم قطعنا رجله اليسرى لتتحقق المخالفة وليكون أرفق به في إمكان مشيه ولا ينتظر اندمال اليد في قطع الرجل بل يقطعان معا يبدأ بيمينه فتقطع وتحسم ثم برجله لأن الله تعالى بدأ بذكر الأيدي ولا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يقطع منه غير يد ورجل إذا كانت يداه ورجلاه صحيحتين فأما إن كان معدوم اليد والرجل إما لكونه قد قطع في قطع طريق أو سرقه أو قصاص أو لمرض فمقتضى كلام الخرقي سقوط القطع عنه سواء كانت اليد اليمنى والرجل اليسرى أو بالعكس لأن قطع زيادة على ذلك يذهب بمنفعة الجنس إما منفعة البطش أو المشي أو كليهما وهذا مذهب أبي حنيفة وعلى الرواية التي تستوفي أعضاء السارق الأربعة يقطع ما بقي من أعضائه فإن كانت يده اليمنى مقطوعة قطعت رجله اليسرى وحدها ولو كانت يداه صحيحتين ورجله اليسرى مقطوعة قطعت يمنى يديه ولم يقطع غير ذلك وجها واحدا وهو مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا لأنه وجد في محل الحد ما يستوفى فاكتفي باستيفائه كما لو كانت اليد ناقصة بخلاف التي قبلها وإن كان ما وجب قطعه أشل فذكر أهل الطب أن قطعه يفضي إلى تلفه لم يقطع وكان حكمه حكم المعدوم وإن قالوا : لا يفضي إلى تلفه ففي قطعه روايتان ذكرناهما في قطع السارق .
الحال الرابع : إذا أخافوا السبيل ولم يقتلوا ولم يأخذوا مالا .
الحال الخامس : إذا تابوا قبل القدرة عليهم ويأتي ذكر حكمهما إن شاء الله تعالى