مسألة وفصول أحكام القصاص في السن .
مسألة : قال : والسن بالسن .
أجمع أهل العلم على القصاص في السن للآية وحديث الربيع ولأن القصاص فيها ممكن لأنها محدودة في نفسها فوجب فيها القصاص كالعين وتؤخذ الصحيحة بالصحيحة وتؤخذ المكسورة بالصحيحة لأنه يأخذ بعض حقه وهل يأخذ مع القصاص أرش الباقي ؟ فيه وجهان ذكرناهما فيما مضى .
فصل : ولا يقتص إلا من سن من اتغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت يقال لمن سقطت رواضعه ثغر فهو مثغور فإذا نبت قيل أثغر وأتغر لغتان وإن قلع سن من لم يثغر لم يقتص من الجاني في الحال وهذا قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي لأنها تعود بحكم العادة فلا يقتص منها كالشعر ثم إن عاد بدل السن في محلها مثلها على صفتها فلا شيء على الجاني كما لو قلع شعرة نبتت وإن عادت مائلة عن محلها أو متغيرة عن صفتها كان عليه حكومة لأنها لو لم تعد ضمن السن فإذا عادت ناقصة ضمن ما نقص منها بالحساب ففي ثلثها ثلث ديتها وفي ربعها ربعها وعلى هذا وإن عادت والدم يسيل ففيها حكومة لأنه نقص حصل بفعله وإن مضى زمن عودها ولن تعد سئل أهل العلم بالطب فإن قالوا قد يئس من عودها فالمجني عليه بالخيار بين القصاص أو دية السن فإن مات المجني عليه قبل الإياس من عودها فلا قصاص لأن الاستحقاق له غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درئه وتجب الدية لأن القلع موجود والعود مشكوك فيه ويحتمل أنه إذا مات قبل مجيء وقت عودها أن لا يجب شيء لأن العادة عودها فأشبه ما لو حلق شعره فمات قبل نباته فأما إن قلع سن من قد أثغر وجب القصاص له في الحال لأن الظاهر عدم عودها وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال القاضي : يسأل أهل الخبرة فإن قالوا : لا تعود فله القصاص في الحال وإن قالوا : يرجى عودها إلى وقت ذكروه لم يقتص حتى يأتي ذلك الوقت وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنها تحتمل العود فأشبهت سن من لم يثغر وإذا ثبت هذا فإنها إن لم تعد بعد فلا كلام وإن عادت لم يجب قصاص ولا يدة وهذا قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر : لا يسقط الأرش لأن هذه السن لا تستخلف عادة فإذا عادت كانت هبة مجددة ولذلك لا ينتظر عودها في الضمان .
ولنا أنها سن عادت فسقط الأرش كسن من لم يثغر وندرة وجودها لا يمنع ثبوت حكمها إذا وجدت فعلى هذا إن كان أخذ الأرش رده وإن كان استوفى القصاص لم يجز قلع هذه قصاصا لأنه لم يقصد العدوان وإن عادت سن الجاني دون سن المجني عليه ففيه وجهان : أحدهما : لا تقلع لئلا يأخذ سنين بسن واحدة وإنما قال الله تعالى : { السن بالسن } والثاني تقلع وإن عادت مرات لأنه قلع سنة وأعدمها فكان له إعدام سنه ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين .
فصل : وإن قلع سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانية فلا شيء عليه لأن سن المجني عليه لما عادت وجب للجاني عليه دية سنة فلما قلعها وجب على الجاني ديتها للمجني عليه فقد وجب لكل واحد منهما دية سن فيتقاصان .
مسألة : قال : وإن كسر بعضها برد من سن الجاني مثله .
وجملته أن القصاص جار في بعض السن ل [ أن الربيع كسرت سن جارية فأمر النبي A بالقصاص ] ولأن ما جرى القصاص في جملته جرى في بعضه إذا أمكن كالأذن فيقدر ذلك بالأجزاء فيؤخذ النصف والثلث بالثلث وكل جزء بمثله ولا يؤخذ ذلك بالمساحة كيلا يفضي إلى أخذ جميع سن الجاني ببعض سن المجني عليه ويكون القصاص بالمبرد ليؤمن أخذ الزيادة فإنا لو أخذناها بالكسر لم نأمن أن تنصدع أو تنقلع أو تنكسر من غير موضع القصاص ولا يقتص حى يقول أهل الخبرة إنه يؤمن انقلاعها أو السواد فيها لأن توهم الزيادة يمنع القصاص في الأعضاء كما لو قطعت يده من غير مفصل فإن قيل : فقد أجزتم القصاص في الأطراف مع توهم سرايتها إلى النفس فلم منعتم منه لتوهم السراية إلى بعض العضو ؟ قلنا : وهم السراية إلى النفس لا سبيل إلى التحرز منه فلو اعتبرناه في المنع لسقط القصاص في الأطراف بالكلية فسقط اعتباره أما السراية إلى بعض العضو فتارة نقول إنما منع القصاص فيها احتمال الزيادة في الفعل لا في السراية مثل من يستوفي بعض الذراع فإنه يحتمل أن يفعل أكثر مما فعل به وكذلك من كسر سنا ولم يصدعها فكسر المستوفي سنة وصدعها أو قلعها أو كسر أكثر مما كسر فقد زاد على المثل والقصاص يعتمد المماثلة وتارة نقول : إن السراية في بعض العضو إنما منع إذا كانت ظاهرة ومثل هذا يمنع في النفس ولهذا منعناه من الإستيفاء بآلة كالة أو مسمومة وفي وقت افراط الحرارة أو البرودة تحرزا من السراية .
فصل : ومن قلع سنا زائدة وهي التي تنبت فضلة في سمت الأسنان خارجة عنها إما إلى داخل الفم وإما إلى الشفة وكانت للجاني مثلها في موضعها فللمجني عليه القصاص أو أخذ حكومة في سنة وإن لم يكن له مثلها في محلها فليس للمجني عليه إلا الحكومة وإن كانت إحدى الزائدتين أكبر من الأخرى ففيه وجهان : أحدهما : لا تؤخذ الكبرى بالصغرى لأن الحكومة فيها أكبر فلا يقلع بها ما هو أقل قيمة منها .
والثاني : تؤخذ لأنهما سنان متساويان في الموضع قتؤخذ كل واحدة منهما بالأخرى كالأصليتين ولأن قول الله تعالى : { والسن بالسن } عام فيدخل فيه محل النزاع وإن قلنا يثبت القياس في الزائدتين بالاجتهاد فالثابت بالاجتهاد معتبر بما ثبت بالنص واختلاف القيمة لا يمنع القصاص بدليل جريانه بين العبيد وبين الذكر والأنثى في النفس والأطراف على أن كبر لا يوجب كثرة قيمتها فإن السن الزائدة نقص وعيب وكثرة العيب زيادة في النقص لا في القيمة ولأن كبر السن الأصلية لا يزيد قيمتها فالزائدة كذلك