القضاء لغة الأحكام وشريعة إسقاط الواجب بمثل ما عنده ( والترتيب بين الفائتة ) القليلة وهي ما دون ست صلوات ( و ) بين ( الوقتية ) المتسع وقتها مع تذكر الفائتة لازم ( و ) كذا الترتيب ( بين ) نفس ( الفوائت ) القليلة ( مستحق ) أي لازم لأنه فرض عملي يفوت الجواز بفوته والأصل في لزوم الترتيب قوله A " من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو يصلي مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليقض التي تذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام " وهو خبر مشهور وتلقنه العلماء بالقبول فيثبت به الفرض العملي ورتب النبي A قضاء الفوائت يوم الخندق ( ويسقط ) الترتيب ( بأحد ثلاثة أشياء ) الأول ( ضيق الوقت ) عن قضاء كل الفوائت وأداء الحاضرة للزوم العمل بالمتواتر حينئذ لأن العمل بالمشهور يستلزم إبطال القطعي وهو لا يعمل به إلا مع إمكان الجمع بينهما بسعة الوقت وليس من الحكمة إضاعة الموجود في طلب المفقود بضيق الوقت ( المستحب ) لأنه لا يلزم من مراعاة الترتيب وقوع حاضرة ناقصة فيتغير به حكم الكتاب فيسقط بضيق الوقت المستحب الترتيب ولا يعود بعد خروجه ( في الأصح ) مثاله لو اشتغل بقضاء الظهر يقع العصر أو بعضه في وقت التغير فيسقط الترتيب في الأصح والعبرة لضيقه عند الشروع فلو شرع في الوقتية متذكر الفائتة وأطالها حتى ضاق الوقت لا تجوز إلا أن يقطعها ثم يشرع فيها ولو شرع ناسيا والمسألة بحالها فتذكر عند ضيق الوقت جازت الوقتية ولو تعددت الفائتة والوقت يسع بعضها مع الوقتية سقط الترتيب في الأصح كما أشرنا إليه لأنه ليس الصرف إلى هذا البعض من الفوائت أولى منه للآخر كما في الفتح ( و ) الثاني ( النسيان ) لأنه لا يقدر على الإتيان بالفائتة مع النسيان لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولأنه لم يصر وقتها موجودا بعدم تذكرها فلم تجتمع مع الوقتية ( و ) الثالث ( إذا صارت الفوائت ) الحقيقية أو الحكمية ( ستا ) لأنه لو وجب الترتيب فيها لوقعوا في حرج عظيم وهو مدفوع بالنص والمعتبر خروج وقت السادسة في الصحيح لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار وروى بدخول وقت السادسة لأن الزائدة على الخمس في حكم التكرار ومثال الكثرة الحكمية سنذكرها لصلاته خمسا متذكرا فائتة لم يقضها حتى خرج وقت السادسة من المؤديات متذكرا وكما سقط الترتيب فيما بين الكثيرة والحاضرة سقط فيما بين أنفسها على الأصح وقيدناها بكونها ستا ( غير الوتر فإنه لا يعد مسقطا ) في كثرة الفوائت بالإجماع أما عندهما فظاهر لقولهما بأنه سنة ولأنه فرض عملي عنده وهو من تمام وظيفة اليوم والليلة والكثرة لا تحصل إلا بالزيادة عليها من حيث الأوقات أو من حيث الساعات ولا مدخل للوتر في ذلك بوجه ( وإن لزم ترتيبه ) مع العشاء والفجر وغيرهما كما بيناه ( ولم يعد الترتيب ) بين الفوائت التي كانت كثيرة ( بعودها إلى القلة ) بقضاء بعضها لأن الساقط لا يعود في أصح الروايتين وعليه الفتوى وترجيح عود الترتيب ترجيح بلا مرجح ( ولا ) يعود الترتيب أيضا ( بفوت ) صلاة ( حديثة ) أي جديدة تركها ( بعد ) نسيان ( ست قديمة ) ثم تذكرها ( على الأصح فيهما ) أي الصورتين لما ذكرنا وعليه الفتوى ثم فرع غلى لزوم الترتيب في أصل الباب بقوله ( فلو صلى فرضا ذاكرا الفائتة ولو ) كانت ( وترا فسد فرضه فسادا موقوفا ) يحتمل تقرر الفساد ويحتمل رفعه بينه بقوله ( فإن ) صلى خمس صلوات متذكرا في كلها تلك المتروكة وبقيت في ذمته حتى ( خرج وقت الخامسة مما صلاه بعد المتروكة ذاكرا لها ) أي للمتروكة ( صحت جميعها ) عند أبي حنيفة C لأن الحكم وهو الصحة مع العلة وهي الكثرة يقترنان والكثرة صفة هذا المجموع لأن الفاسد في حكم المتروك فكانت المتروكات ستا حكما واستندت الصفة إلى أولها فجازت كلها كتعجيل الزكاة يتوقف كونها فرضا على تمام الحول وبقاء بعض النصاب فإذا تم على نمائه كان التعجيل فرضا وإلا كان نفلا ( فلا تبطل ) الخمس التي صلاها متذكرا للفائتة ( بقضاء ) الفائتة ( المتروكة بعده ) أي بعد خروج وقت الخامسة لسقوط الترتيب مستندا .
( وإن قضى ) الفائتة ( المتروكة قبل خروج وقت الخامسة ) مما صلاه متذكرا لها ( وبطل وصف ) لا أصل له ( ما صلاه متذكرا ) للفائتة ( قبلها ) أي قبل قضائها ( و ) لا يبقى متصفا بأنه فرض بل ( صار ) الذي صلاه ( نفلا ) عند أبي حنيفة وأبي يوسف وهذه هي التي يقال فيها واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا فالمتروكة تفسد الخمس بقضائها في وقت الخامسة من المؤديات بتقرير الفساد والسادسة من المؤديات تصحح الخمس قبلها وفي الحقيقة خروج وقت الخامسة هو المصحح لها ولكن لما كان من لازم الخروج دخول وقتية وتأديتها غالبا أقيم ذكر أدائها مقام ذلك ( وإذا كثرت الفوائت يحتاج لتعيين كل صلاة ) يقضيها لتزاحم الفروض والأوقات كقوله أصلي ظهر يوم الإثنين ثامن عشر جمادى الثانية سنة أربع وخمسين وألف وهذا فيه كلفة ( فإن أراد تسهيل الأمر عليه نوى أول ظهر عليه ) أدرك وقته ولم يصله فإذا نواه كذلك فيما يصليه يصير أولا فيصح بمثل ذلك وهكذا ( أو ) إن شاء نوى ( آخره ) فيقول أصلي آخر ظهر أدركته ولم أصله بعد فإذا فعل كذلك فيما يليه يصير آخرا بالنظر لما قبله فيحصل التعيين ويخالف هذا ما قاله في الكنز في مسائل شتى أنه لا يحتاج للتعيين وهو الأصح على ما قاله في القنية من يقضي ليس عليه أن ينوي أول صلاة كذا أو آخر فينوي ظهرا علي أو عصرا أو نحوهما على الأصح انتهى . وإن خالفه تصحيح الزيلعي فقد اتسع الأمر باختلاف التصحيح فليرجع للكنز فإنه واسع والله رؤوف رحيم واسع عليم .
( وكذا الصوم ) الذي عليه ( من رمضانين ) إذا أراد قضاءه يفعل مثل هذا ( على أحد تصحيحين مختلفين ) صحح الزيلعي لزوم التعيين وصحح في الخلاصة عدم لزوم التعيين وإن كان من رمضان واحد لا يحتاج لتعيين ( ويعذر من أسلم بدار الحرب ) فلم يصم ولم يصل ولم يزك وهكذا ( بجهله الشرائع ) أي الأحكام المشروعات مدة جهله لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله ولم يوجد بخلاف المسلم بدار الإسلام وألزمه زفر بها كما يلزمه الأيمان . قلنا دليل وجود الصانع ظاهر عقلا فلا يعذر بجهله ولا دليل عنده على وجود فرض الصلاة ونحوها فيعذر به