فصل : و أما الفرقة الرابعة .
و أما الفرقة الرابعة فمنكوحة الأب و أجداده من قبل أبيه و إن علوا أما منكوحة الأب فتحرم بالنص و هو قوله { و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } و النكاح يذكر و يراد به العقد و سواء كان الأب دخل بها أو لا لأن اسم النكاح يقع على العقد و الوطء فتحرم بكل واحد منهما على ما نذكر و لأن نكاح منكوحة الأب يفضي إلى قطيعة الرحم لأنه إذا فارقها أبوه لعله يندم فيريد أن يعيدها فإذا نكحها الابن أوحشه ذلك و أورث الضغينة و ذلك سبب التباعد بينهما و هو تفسير قطيعة الرحم و قطع الرحم حرام فكان النكاح سر سبب الحرام و أنه تناقض فيحرم دفعا للتناقض الذي هو أثر السفه و الجهل جل الله تعالى عنهما .
و أما منكوحة أجداده فتحرم بالإجماع و بما ذكرنا من المعنى لا بعين النص إلا على قول من يرى الجمع بين الحقيقة و المجاز في لفظ واحد عند عدم النافي ثم حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح و تثبت بالوطء الحلال بملك اليمين حتى أن من وطء جاريته تحرم عليها أمها و ابنتها و جداتها و إن علون و بنات بناتها و إن سفلن و تحرم هي على أب الواطئ و ابنه و على أجداد أجداد الواطئ و إن علوا و على أبناء أبنائه و إن سفلوا و كذا تثبت بالوطء في النكاح الفاسد و كذا بالوطء عن شبهة بالإجماع و تثبت باللمس فيهما عن شهوة و بالنظر إلى فرجها عن شهوة عندنا و لا تثبت بالنظر إلى سائر الأعضاء بشهوة و لا بمس سائر الأعضاء إلا عن شهوة بلا خلاف و تفسير الشهوة هي أن يشتهي بقلبه و يعرف ذلك بإقراره لأنه باطن لا وقوف عليه لغيره و تحرك الآلة و انتشارها هل هو شرط تحقيق الشهوة اختلف المشايخ فيه .
قال بعضهم : شرط .
و قال بعضهم : ليس بشرط هو الصحيح لأن المس و النظر عن شهوة ينحقق بدون ذلك كالعنين و المجبوب و نحو ذلك .
و قال الشافعي : لا تثبت حرمة المصاهرة بالنظر و له في المس قولان و تثبت حرمة المصاهرة بالزنا و المس و النظر بدون النكاح و الملك شبهته و عند الشافعي لا تثبت الحرمة بالزنا فأولى أن لا تثبت بالمس و النظر بدون الملك .
احتج الشافعي بقوله تعالى : { و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } حرم الربائب المضافةإلى نسائنا المدخولات و إنما تكون المرأة مضافة إلينا بالنكاح فكان الدخول بالنكاح شرط ثبوت الحرمة و هذا دخول بلا نكاح فلا تثبت به الحرمة و لا تثبت بالنظر أيضا لأنه ليس بمعنى الدخول ألا ترى أنه لا يفسد به الصوم و لا يجب به شيء في الإحرام و كذلك اللمس في قول و في قول يثبت لأنه استمتاع بها من وجه فكان بمعنى الوطء و لهذا حرم بسبب الإحرام كما حرم الوطء .
و روي عن عائشة Bها أن رسول الله A : سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما أينكح ابنتها أو يتبع البنت حراما أينكح أمها فقال : [ لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان نكاحا حلالا ] و التحريم بالزنا تحريم الحرام الحلال .
و لنا : قوله تعالى : { و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } و النكاح يستعمل في العقد و الوطء فلا يخلو إما أن يكون حقيقة لهما على الإشتراك و إما أن يكون حقيقة لأحدهما مجازا للآخر و كيف ما كان يجب القول بتحريمهما جميعا إذ لا تنافي بينهما كأنه عز و جل : { و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } عقدا و وطأ .
و روي عن رسول الله A أنه قال : [ من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها و لا ابنتها ] .
و روي : [ حرمت عليه أمها و ابنتها ] و هذا نص في الباب لأنه ليس فيه ذكر النكاح .
و روي عنه A أنه قال [ ملعون من نظر إلى فرج امرأة و ابنتها ] و لو لم يكن النظر الأول محرما للثاني و هو النظر إلى فرج ابنتها لم يلحقه اللعن لأن النظر إلى فرج المرأة المنكوحة نكاحا صحيحا مباح فكيف يستحق اللعن فإذا ثبتت الحرمة بالنظر فبالدخول أولى و كذا باللمس لأن النظر دون اللمس في تعلق الأحكام بهما .
ألا ترى أنه يفسد الصوم بالإنزال عن اللمس و لا يفسد بالإنزال عن النظر إلى الفرج و في الحج يلزمه بالمس عن شهوة الدم أنزل أو لم ينزل و لا يلزمه شيء بالنظر إلى الفرج عن شهوة أنزل أو لم ينزل فلما ثبتت الحرمة بالنظر فبالمس أولى و لأن الحرمة إنما تثبت بالنكاح لكونه سببا داعيا إلى الجماع إقامة للسبب مقام المسبب في موضع الاحتياط كما أقيم النوم المفضي إلى الحدث في إنقاض الطهارة احتياطا لأمر الصلاة و القبلة و المباشرة في التسبب و الدعوة أبلغ من النكاح فكان أولى بإثبات الحرمة و لأن الوطء الحلال إنما كان محرما للبنت بمعنى هو موجود هنا و هو أنه يصير جامعا بين المرأة و بنتها في الوطء من حيث المعنى لأن وطء إحداهما يذكره وطء الأخرى فيصير كأنه قاص وطره منهما جميعا و يجوز أن يكون هذا معنى قول النبي A : [ ملعون من نظر إلى فرج امرأة و ابنتها ] و هذا المعنى موجود في الوطء الحرام .
و أما الآية فلا حجة له فيها بل هي حجة عليه لأنها تقضي حرمة ربيبته التي هي بنت امرأته التي دخل بها مطلقا سواء دخل بها بعد النكاح أو قبله بالزنا و اسم الدخول يقع على الحلال و الحرام أو يحتمل أن يكون المراد الدخول بعد النكاح و يحتمل أن يكون قبله فكان الاحتياط هو الأول بالحرمة و غذا احتمل هذا و احتمل هذا فلا يصح الاحتجاج به مع الإحتمال على أن هذه الآية إثبات الحرمة بالدخول في النكاح و هذا ينفي الحرمة بالدخول بلا نكاح فكان هذا احتجاجا بالمسكوت عنه و أنه لا يصح على أن في هذه الآية حجتنا على إثبات الحرمة بالمس لأنه ذكر الدخول بهن و حقيقة الدخول بالشيء عبارة عن إدخاله في العورة إلى الحصن فكان الدخول بها هو إدخالها في الحصن و ذلك بأخذ يدها أو شيء منها ليكون هو الداخل بها فأما بدون ذلك فالمرأة هي الداخلة بنفسها فدل أن المس موجب للحرمة أو يحتمل الوطء و يحتمل المس فيجب القول بالحرمة احتياطا .
و أما الحديث فقد قيل : إنه ضعيف ثم هو خبر واحد مخالف للكتاب و لئن ثبت فنقول : بموجبه لأن المذكور فيه هو الاتباع لا الوطء و اتباعها أن يراودها عن نفسها و ذا لا يحرم عندنا إذ المحرم هو الوطء و لا ذكر له في الحديث و الله عز و جل الموفق