القسم الأول من حكم لو انكسر المرهون .
و أما في الإنكسار فأبو حنيفة يضمن القيمة و كذلك أبو يوسف عند الاستواء في الوزن و القيمة و لا يريان الجعل بالدين أصلا و محمد يجعل بالدين لكن عند الإمكان بأن لا يؤدي ذلك إلى الضرر بالراهن و لا بالمرتهن و لا يؤدي إلى الربا فإن أدى إلى شيء مما ذكرنا فإنه لا يجعل بالدين أيضا .
و إذا كانت قيمة الرهن أكثر فأبو يوسف يجعل النقصان الحاصل بالانكسار شائعا في قدر الأمانة و المضمون فما كان في الأمانة يذهب بغير شيء و ما كان في المضمون يضمن المرتهن قيمته و يهلك من الرهن بقدره و محمد C يصرف النقصان إلى الزيادة .
و إذا كثر النقصان حتى انتقص من الدين يخير الراهن بين أن يفتكه و بين أن يجعله بالدين و من أصل أبي حنيفة أنه يجوز استيفاء الزيوف من الجياد حتى لو أخذ صاحب الدين الزيوف عن الجياد و لم يعلم به حتى هلك عنده سقط دينه و كذا عند محمد إلا أن محمدا ترك أصله في الرهن و عن أبي يوسف لا يسقط بل يرد مثل ما قبض و يأخذ مثل حقه فمن أصله أنه لا يجوز استيفاء الزيوف عن الجياد فهذه أصول هذه المسائل .
و أما تخريجها على هذه الأصول فنقول و بالله التوفيق : .
إذا كان الدين عشرة دراهم فرهن به قلب فضة فهلك أو انكسر في يد المرتهن فوزن القلب لا يخلو إما أن يكون مثل وزن الدين بأن كان عشرة أو إما أن يكون أقل من وزنه بأن كان ثمانية و إما أن يكون أكثر من وزنه بأن كان اثني عشر و كل وجه من هذه الوجوه يدخله الهلاك و الانكسار فإن كان وزن القلب مثل وزن الدين عشرة فإن كانت قيمته مثل وزنه فهلك يهلك بالدين بلا خلاف لأن في وزنه و قميته وفاء بالدين و لا ضرر فيه بأحد و لا فيه ربا فيهلك بالدين على ما هو حكم الرهن عندنا .
و إن انكسر و انتقص لا يجبر الراهن على الافتكاك بلا خلاف لأنه لو افتكه إما أن يفتكه بجميع الدين و إما أن يسقط شيء من الدين بمقابلة النقصان لا سبيل إلى الأول لأن فيه ضررا بالراهن لفوات حقه عن الجودة و الصناعة من غير عوض و لا سبيل إلى الثاني لأنه يؤدي إلى الربا لأن الدين و الرهن يستويان في الوزن و الجودة لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها فكانت ملحقة بالعدم شرعا فيكون إيفاء عشرة بثمانية فتكون ربا فيتخير إن شاء افتكه بجميع الدين و رضي بالنقصان و إن شاء ضمن المرتهن قيمته بالغة ما بلغت فكانت رهنا مكانه و يصير القلب ملكا للمرتهن بالضمان و هذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف و قال محمد : إن شاء افتكه بجميع الدين و إن شاء جعله بالدين و يصير ملك المرتهن بدينه .
وجه قول محمد : أن ضمان القيمة لا يناسب قبض الرهن لأن ذلك موجب قبض هو تعدي كقبض الغصب و قبض الرهن مأذون فيه فلا يناسب ضمان القيمة و يناسبه الجعل بالدين لأنه قبض استيفاء و في الجعل بالدين تقرير الاستيفاء .
وجه قولهما : أن جعل الرهن بالدين حال قيامه من أعمال الجاهلية جاء الإسلام و أبطله بقوله : لا يغلق الرهن و الجعل بالدين غلق الرهن فكان باطلا و به تبين أن ملك الرهن بالدين لا يجوز أن يكون حكم هذا التصرف و إن حكمه ملك اليد و الحبس لا ملك العين و الرقبة .
فأما ضمان القيمة فيصلح حكما له في الجملة ألا ترى أن محمدا يقول به عند تعذر الجعل بالدين على ما نذكر .
و إن كانت قيمته أقل من وزن الدين بأن كانت ثمانية فهلك يهلك بجميع الدين عند أبي حنيفة C لأنه يعتبر الوزن دون القيمة عند الهلاك و في وزنه وفاء الدين و عندهما لا يهلك بالدين و يضمن المرتهن قيمته من خلاف جنسه .
وجه قولهما : أنه لو هلك بالدين إما أن يهلك بوزنه و إما أن يهلك بقيمته لا سبيل إلى الأول لأن فيه ضررا بالمرتهن و لا وجه إلى الثاني لأنه يؤدي إلى الربا فيخير المرتهن بين أن يرضى بسقوط الدين و بين أن يضمن قيمة الرهن من خلاف جنسه فيكون رهنا مكانه و لأبي حنيفة C : إن قبض الرهن قبض استيفاء و الجيد و الرديء في الاستيفاء على السواء لأن استيفاء الزيوف عن الجياد جائز عنده و إن انكسر فالراهن بالخيار إن شاء افتكه بجميع الدين و إن شاء ضمن المرتهن قيمته من خلاف جنسه بالإجماع و ليس له خيار الجعل بالدين هنا بلا خلاف .
أما على أصل أبي حنيفة و أبي يوسف فلأنهما لا يريان الجعل بالدين أصلا و محمد C إن كان يرى ذلك لكن عند الإمكان و ههنا لا يمكن لأنه لو جعل الدين باعتبار الوزن يؤدي إلى الضرر بالمرتهن حيث يصير الرهن الذي قيمته ثمانية بعشرة و لو جعل باعتبار القيمة يؤدي إلى الربا فمست الضرورة إلى ضمان القيمة و الله تعالى أعلم .
و إن كانت قيمته أكثر من وزنه بأن كانت اثني عشر فهلك يهلك بالدين عند أبي حنيفة اعتبارا للوزن و كذلك عند محمد لأن الجودة هنا فضل فكان أمانة بمنزلة الفضل في الوزن .
أما على قول أبي يوسف فقيل : يضمن المرتهن قيمة خمسة أسداس القلب من الذهب و يرجع بدينه لأن الجودة عنده مضمونة و قيل : يهلك بالدين عنده أيضا لأنه يعتبر الوزن في الهلاك لا الجودة و إنما يعتبر الجودة في الانكسار و إن انكسر فالراهن بالخيار عند أبي حنيفة إن شاء افتكه بالدين مع النقصان و إن شاء ضمنه قيمته من خلاف جنسه فيكون رهنا مكانه لما ذكرنا فيما تقدم سواء كان النقصان الحاصل بالانكسار قدر درهم بأن عادت قيمته إلى أحد عشر أو قدر درهمين بأن عادت قيمته عشرة أو أكثر من ذلك بأن صارت قيمته ثمانية و عند أبي يوسف إن شاء افتكه بالدين و إن شاء ضمن المرتهن قيمته خمسة أسداس القلب من خلال جنسه فيصير خمسة أسداس الرهن ملك للمرتهن بالضمان و سدس الرهن مع خمسة أسداس القيمة رهنا بالدين لأن من أصله أن يجعل قدر النقصان الحاصل بالانعكاس شائعا في قدر الأمانة و المضمون و القدر الذي في الأمانة يذهب بغير شيء و القدر المضمون يضمن قيمة فيصير ذلك القدر من الرهن ملكا له .
و عند محمد : ينظر إلى النقصان إن كان قدر درهم أو درهمين لا ضمان على المرتهن و يجبر الراهن على الفكاك و إن زاد على ذلك يخبر بين الفكاك و بين الجعل بالدين كما لو كانت قيمة و وزنه سواء لأن من أصله أنه يصرف النقصان الحاصل بالانكسار إلى الجودة الزائدة إلا إذا كثر النقصان حتى عادت قيمة إلى ثمانية فله أن يجعله بالدين إن شاء و إن شاء افتكه و قيل : إن على قوله له أن يضمنه كما قال أبي حنيفة C لما في الجعل بالدين من إسقاط حقه عن الجودة .
هذا إذا كان و زن القلب مثل وزن الدين عشرة فأما إذا كان أقل من وزنه ثمانية فإن كانت قيمة مثل وزنه فهلك يهلك بمثل وزنه من الدين و هو ثمانية بالإجماع و إن انكسر فالراهن بالخيار إن شاء افتكه بالدين و إن شاء ضمن المرتهن قيمة من خلاف جنسه فكانت رهنا و القلب للمرتهن بالضمان عند أبي حنيفة أبي يوسف و عند محمد إن شاء افتكه بالدين و إن شاء جعله بمثل و زنه من الدين لما قلنا و إن كانت قيمتة أقل من وزنه سبعة فهلك بثمانية في قول أبي حنيفة اعتبارا للوزن و عندهما يضمن قيمة من خلاف جنسه لما بينا و إن انكسر ضمن قيمة من خلاف جنسه لما بينا و إن انكسر ضمن القيمة بالإجتماع .
أما على أبي حنيفة و أبي يوسف : فلأنهما لا يجيزان الجعل بالدين حال قيام الرهن أصلا و رأسا و محمد إن كان يجيزه لكن بشريطة انعدام الضرر و في الجعل بالدين هنا ضرر بالمرتهن و إن كانت قيمة أكثر من وزنه فكانت تسعة أو كانت مثل الدين عشرة فهلك يهلك بقدر وزنه ثمانية عند أبي حنيفة و عندهما يضمن القيمة و إن انكسر إن شاء افتكه بالدين و إن شاء ضمن القيمة بالإجماع لما ذكرنا .
و إن شاء كانت قيمة أكثر من الدين اثنى عشرة فهلك يهلك بثمانية عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف يضمن خمسة أسداس قيمة و إن انكسر فعند أبي حنيفة إن شاء افتكه بالدين و إن شاء ضمنه جميع القيمة و كانت قيمة رهنا و القلب ملكا للمرتهن و عند أبي يوسف يضمن خمسة أسداس قيمة و يكون سدس القلب مع خمسة أسداس قيمة رهنا عنده بالدين و عند محمد يصرف النقصان الحاصل بالانكسار بالأمانة إن قل النقصان بأن كان درهما أو درهمين و يجبر الراهن على الافتكاك و إن كان أكثر من ذلك يخير الراهن بين الافتكاك و بين الجعل بالدين .
هذا إذا كان وزن القلب أقل من وزن الدين ثمانية فأما إذا كان أكثر من وزنه اثنا عشرة فإن كانت قيمته مثل وزنه اثني عشر فهلك سقط الدين و الزيادة على الدين تهلك بلا أمانة خلاف و إن انكسر ضمن خمسة أسداسه في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد له أن يجعل خمسة أسداسه بالدين و إن كانت قيمته أقل من وزنه و أكثر من الدين بأن كانت أحد عشر فهلك سقط الدين بخمسة أسداسه و الزيادة تهلك أمانة عند أبي حنيفة و لا رواية عنهما في هذا الفصل .
و إن انكسر ضمن خمسة أسداس القلب عند أبي حنيفة لأنه لا يعتبر الجودة و لا يرى الجعل بالدين .
و عند أبي يوسف : يجب أن يكون هكذا و كذلك عند محمد لتعذر التمليك بالدين لما فيه من الضرر و إن كانت قيمته مثل وزن الدين عشرة فهلك يهلك خمسة أسداس بالدين عند أبي حنيفة لأنه يعتبر الوزن و عندهما : يضمن خمسة أسداسه و يرجع بحقه و إن انكسر ضمن خمسة أسداسه عند أبي حنيفة و عندهما يغرم جميع القيمة و لا يمكن الجعل بالدين عند محمد لأنه يؤدي إلى الربا .
و إن كانت قيمته أقل من الدين ثمانية فهلك ذهب خمسة أسداسه بالدين في قول أبي حنيفة و إن انكسر ضمن خمسة أسداسه و عندهما يغرم القيمة في الحالين و إن كانت قيمته خمسة عشر فهلك يهلك خمسة أسداسه بالدين في قول أبي حنيفة و إن انكسر ضمن خمسة أسداسه عند أبي حنيفة ثم في كل موضع ضمن المرتهن بعض القلب و هلك ذلك القدر بالضمان و صار شريكا فهذا شيوع طارئ .
فعلى جواب ظاهر الرواية : يقطع القلب فيكون الباقي مع القدر الذي غرم رهنا لأن الشيوع يمنع صحة الرهن مقارنا كان أو طارئا و على رواية أبي يوسف لا حاجة إلى القطع لأن الشيوع الطارئ لا يمنع بقاء العقد على الصحة .
و أما الرهن الفاسد فلا حكم له حال قيام المرهون حتى لا يثبت للمرتهن حق الحبس و للراهن أن يسترده منه فإن منعه حتى هلك يضمن مثله إن كان له مثله إن كان له مثل و قيمته إن لم يكن له مثل لأنه صار غاصبا بالمنع و المغصوب مضمون على الغاصب بالمثل أو بالقيمة و إن لم يوجد المنع من المرتهن حتى هلك الرهن في يده ذكره الكرخي C : إنه يهلك أمانة لأن الرهن إذا لم يصح كان القبض قبض أمانة لأنه قبض بإذن المالك فأشبه قبض الوديعة و حكى القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه ذكر في الجامع الكبير أن كل ما هو محل للرهن الصحيح فإذا رهنه رهنا فاسدا فهلك في يد المرتهن يهلك بالأقل من قيمته و من الدين و كل ما ليس بمحل للرهن الصحيح لا يكون مضمونا بالرهن الفاسد كالمدير و أم الولد و هذا يدل على أن الفساد كان لمعنى في نفس المرهون لا يكون مضمونا بل يكون أمانة و إن كان الفساد لمعنى في غيره يكون مضمونا .
و وجهه : أن المرهون مضمون بالقبض و لا فساد في القبض إلا أن شرط كون المقبوض مضمونا أن يكون مالا مطلقا متقوما كالمقبوض بالبيع الفاسد فإن وجد الشرط يكون مضمونا و إلا فلا هذا الذي ذكرنا حكم هلاك المرهون .
و أما حكم استهلاكه فنقول : المرهون لا يخلو إما أن يكون من بني آدم كالعبد و الأمة و أما إن كان من غير بني آدم من سائر الأموال فإن كان من غير بني آدم فاستهلكه أجنبي ضمن قيمته إن كان مما لا مثل له و مثله إن كان مما له مثل كما إذا لم يكن مرهونا و المرتهن هو الخصم في تضمينه و كان رهنا لأنه بدل المرهون .
ثم إن كان الضمان من جنس الدين و الدين حال استوفاه بدينه و إن كان الدين لم يحل حبس رهنا مكانه و كذلك لو استهلكه المرتهن لأنه لو أتلف مالا مملوكا متقوما بغير إذن مالكه فيضمن مثله أو قيمته كما لو أتلفه أجنبي و كان رهنا مكانه و إن استهلكه الراهن فإن كان الدين حالا يطالب بالدين لا فائدة في المطالبة بالضمان فيطالب بالدين و إن كان لم يحل أخذ المرتهن منه الضمان فأمسكه إلى أن يحل الدين .
و إذا كان في الرهن نماء كاللبن و الولد فاستهلكه المرتهن أو الراهن أو أجنبي بأن كان الرهن شاة قيمتها عشرة بعشرة فحلبت أو ولدت فعليه ضمانه أما وجوب الضمان على الأجنبي و المرتهن فظاهر لأن الزيادة ملك الراهن و إتلاف مال مملوك للغير بغير إذنه يوجب الضمان .
و أما وجوبه على الرهن فلأن المتلف و إن كان مملوكا له لكن للمرتهن فيه حق قوي فيلحق بالملك في حق وجوب الضمان و إذا وجب الضمان على المتلف كان الضمان مع الشاة رهنا عند المرتهن لأنه بدل المرهون فيقوم مقامه فإن هلك الضمان لا يسقط شيء من الدين لأنه بدل ما ليس بمضمون بالدين فكان حكمه حكم الأصل و الأصل لو هلك يهلك بغير شيء كذا البدل و إن هلكت الشاة سقطت حصتها من الدين لأنها مرهونة مقصودة فكانت مضمونة بالهلاك و يفتك الراهن ضمان الزيادة بقدرها من الدين لأن الزيادة تصير مقصودة بالفكاك فيصير لها حصة من الدين .
هذا إذا كان الاستهلاك بغير إذن فأما إذا كان بإذن بأن قال الراهن للمرتهن : احلب الشاة فما حلبت فهو حلال لك أو قال له : كل هذا الحمل فحلب و شرب و أكل حل له ذلك و لا ضمان عليه لأن الزيادة ملك الراهن فيصح إذنه بالأكل و الشرب و لا يسقط شيء من دين المرتهن حتى لو جاء الراهن يفتك الشاة يفتكها بجميع الدين لأن إتلاف المرتهن بإذن الراهن مضاف إلى الراهن كأنه أتلفه بنفسه و لو كان كذلك لكان لا يسقط شيء من الدين و كان عليه ضمان المتلف كذا هذا .
و إن لم يفتكها حتى هلكته تهلك بحصتها من الدين فيقسم الدين عليها و على لبنها أو ولدها على قدر قيمتها فما كان حصة الشاة يسقط و ما كان حصة الزيادة يبقى و يخاطب الراهن بقضائه لأن فعل المرتهن لما كان مضافا إلى الراهن كان مضمونا عليه كأنه فعل بنفسه فيصير للزيادة حصة من الدين فينظر إلى قيمة الزيادة فإن كان فيها خمسة كان فيها ثلث الدين و في الشاة ثلثاه فإذا هلكت الشاة ذهب ثلثا الدين و بقي الثلث و على الراهن قضاؤه و كذلك لو استهلكه أجنبي بإذن الراهن و المرتهن فالجواب فيه و في المرتهن إذا استهلكه بإذن الراهن سواء و قد ذكرناه .
و لو استهلكه الراهن بإذن المرتهن لا شيء عليه لأن الضمان لو وجب لحق المرتهن لا لحق نفسه لأنه ملكه و قد أبطل المرتهن حق نفسه بالإذن فلا يستحق الضمان و جعل كأن الزيادة هلكت بآفة سماوية و بقيت الشاة رهنا بجميع الدين و إن كان المرهون من بني آدم فجنى عليه فجملة الكلام في جنايات الرهن أنها ثلاثة أقسام : جناية غير على الرهن و جناية الرهن على غير الرهن و جناية الرهن على الرهن .
أما جناية غير الرهن على الرهن فلا يخلو إما إن كانت الجناية في النفس و إما إن كانت فيما دون النفس و كل ذلك لا يخلو : إما إن كان عمدا أو خطأ أو في معنى الخطأ و الجاني لا يخلو إما إن كان حرا أو عبدا فإن كانت في النفس عمدا و الجاني حر فللراهن أن يقتص إذا اجتمعا على الاقتصاص في قول أبي حنيفة و قال محمد : ليس له الاقتصاص و إن اجتمعا عليه و عن أبي يوسف روايتان كذا ذكر الكرخي C الاختلاف .
و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي : أنه لا قصاص على قاتله و إن اجتمع عليه الراهن و المرتهن و لم يذكر الخلاف .
وجه قول محمد : أن استيفاء القصاص لا بد له من ولي و الوالي هنا غير معلوم لأن ملك العين و الرقبة للراهن و ملك اليد و الحبس للمرتهن فكان العبد مضافا إلى الراهن من وجه و إلى المرتهن من وجه فصار الولي مشتبها مجهولا و جهالة الولي تمنع استيفاء القصاص كعبد المكاتب إذا قتل عمدا أنه لا يقتص من قاتله و إن اجتمع عليه المولى و المكاتب لما قلنا كذا هذا بخلاف العبد المشترك بين اثنين إذا قتل عمدا أن لهما الاقتصاص إذا اجتمعا عليه لأن هناك الولاية لهما ثابتة على الشركة لثبوت الملك لكل واحد منهما في النصف من كل وجه فكان الولي معلوما فأمكن القول بوجوب القصاص لهما على الشركة لاستوائهما في الملك .
وجه قول أبي حنيفة : أن الملك للراهن من كل وجه و إنما للمرتهن حق الحبس فقط و الملك سبب لثبوت الولاية فكان الولي معلوما و كان ينبغي أن لا تتوقف ولاية الاستيفاء على رضا المرتهن إلا أنه توقف لتعلق حقه به فإذا رضي فقد زال المانع بخلاف عبد المكاتب لأن الملك فيه للمولى من وجه و للمكاتب من وجه فلم يكن الملك فيه ثابتا للمولى مطلقا و لا للمكاتب مطلقا فأشبه الولي فامتنع الاستيفاء و إذا اقتص القاتل سقط الدين لأن العبد إنما كان رهنا من حيث إنه مال و قد بطلت ماليته بالقتل لا إلى بدل إذ القصاص لا يصلح بدلا عن المالية فسقط القصاص كما لو هلك بنفسه .
هذا إذا اجتمعا على القصاص فأما إذا اختلفا لا يقتص القاتل لأنه لا سبيل إلى اثبات الاقتصاص للمرتهن لعدم ملك الرقبة و لا للراهن لأن في استيفائه إبطال حق المرتهن و هو الدين من غير رضاه و هذا لا يجوز و على القاتل قيمة المقتول في ماله في ثلاث سنين و كانت القيمة رهنا و لو اختلفا فأبطل القاضي القصاص ثم قضى الراهن الدين فلا قصاص لأن حق المرتهن و إن بطل بالفكاك لكن بعدما حكم القاضي ببطلان القصاص فلا يحتمل العود و إن كانت الجناية خطأ أو شبه عمد فعلى عاقلة القاتل قيمته في ثلاث سنين يقبضها المرتهن فتكون رهنا لأن العبد و إن كان مضمونا من حيث إنه آدمي لا من حيث إنه مال على أصل أصحابنا رحمهم الله حتى لا تزاد ديته على دية الحر و لكنه مرهون من حيث إنه مال لا من حيث إنه آدمي فجاز أن تقوم قيمته مقامه و تكون رهنا عند المرتهن .
ثم إن كان الرهن مؤجلا كانت في يده إلى حل الأجل و إذا حل فإن كانت القيمة من جنس الدين استوفى الدين منها و إن بقي فيها فضل رده على الراهن و إن كانت أقل من الدين استوفى منها من الدين بقدرها بالفضل أي يرجع بالبقية على الراهن و إن كانت من خلاف جنس الدين حبسها في يده إلى وقت الفكاك و إن كان الدين حالا فالحكم فيه و فيما إذا كان مؤجلا فحل سواء و قد بيناه و تعتبر قيمة العبد في ضمان الاستهلاك يوم الاستهلاك و في ضمان الرهن يوم القبض لأن ضمان الاستهلاك يجب بالاستهلاك و ضمان الرهن يجب بالقبض فيعتبر حال وجود السبب حتى لو كان الدين ألف درهم و قيمة العبد يوم الرهن ألفا فانتقصت قيمته فتراجعت إلى خمسمائة فقتل غرم القاتل خمسمائة و سقط من الدين خمسمائة و إذا غرم خمسمائة بالاستهلاك كانت هذه الدراهم رهنا بمثلها من الدين و يسقط الباقي من الدين لأنه يصير مستوفيا كل الدين بها تعالى و لا يجوز استيفاء أكثر من خمسمائة بخمسمائة لما فيه من الربا و هذا بخلاف ما إذا قتله عبد أقل قيمة منه فدفع به لأن الدفع لا يؤدي إلى الربا لأنه لا يجوز استيفاء كل الدين من هذا العبد ألا ترى أنه لو باعه جاز و إن كان لا يساويه فلم يكن فيه ربا و كذلك لو قتله المرتهن يغرم قيمته و الحكم فيه و في الأجنبي سواء و قد ذكرناه و لو قتله الراهن فهذا و ما إذا كان الرهن من غير بني آدم سواء و قد ذكرناه فيما تقدم .
هذا إذا كان الجاني حرا أما إذا كان عبدا أو أمة يخاطب مولى القاتل بالدفع أو بالفداء بقيمة المقتول فإن اختار الدفع فإن كانت قيمة المقتول مثل قيمة المدفوع أو أكثر فالمدفوع رهن بجميع الدين و يجبر الراهن على الافتكاك بلا خلاف و إن كانت قيمته أقل من قيمة المقتول بأن كانت قيمة المقتول ألفا و الدين ألف و قيمة المدفوع مائة فهو رهن بجميع الدين أيضا و يجبر الراهن على الافتكاك بجميع الدين كما كان يجبر على افتكاك العبد المقتول لو كان حيا بجميع الدين في قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و قال محمد : إن لم يكن بقيمة القاتل وفاء بقيمة المقتول فالراهن بالخيار إن شاء افتكه بجميع الدين و إن شاء تركه للمرتهن بدينه فمحمد مر على أصله في الجعل بالدين عند تعذر الجبر على الافتكاك و هنا تعذر لما فيه من الضرر بالراهن و لأبي حنيفة و أبي يوسف : أنه لما دفع الثاني بالأول قام مقام الأول لحما و دما و الأول كان رهنا بجميع الدين و كان يجبر الراهن على الافتكاك بجميع الدين فكذا الثاني .
و كذلك لو كان العبد المرتهن نقص في السعر حتى صار يساوي مائة درهم فقتله عبد يساوي مائة درهم فدفع به فهو على الاختلاف هذا إذا كان اختار مولى القاتل الدفع فأما إذا اختار الفداء فإنه يفديه بقيمة المقتول و كانت القيمة رهنا عند المرتهن .
ثم ينظر إن كانت القيمة من جنس الدين استوفى دينه منها و إن كانت من خلاف الجنس حبسها رهنا حتى يستوفي جميع دينه و يجبر الراهن على الافتكاك عند أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد يخير الراهن بين الافتكاك بجميع الدين و بين الترك للمرتهن بالدين و قد مرت المسألة .
هذا إذا كانت الجناية في النفس فأما إذا كانت فيما دون النفس فإن كان الجاني حرا يجب أرشه في ماله فلأن العاقلة لا تعقل فيما دون النفس و أما التسوية بين الخطأ و العمد فلأن القصاص لا يجري بين الحر و العبد فيما دون النفس فاستوى فيه العمد و الخطأ في وجوب الأرش رهنا مع العبد لأنه بدل جزء مرهون و إن كان الجاني عبدا يخاطب مولاه بالدفع أو الفداء بأرش الجناية فإن اختار الفداء بالأرش كان الأرش مع المجني عليه رهنا و إن اختار الدفع يكون الجاني مع المجني عليه رهنا و الخصومة في ذلك كله إلى المرتهن لأن حق الحبس له و الجاني فوت الحبس عن بعض أجزاء الرهن فله أن يقيم بدل الفائت فيقيمه مقامه رهنا هذا الذي ذكرنا حكم جناية غير الرهن على الرهن و أما حكم جناية الرهن على غير الرهن فجنايته لا تخلو إما إن كانت على بني آدم و إما إن كانت على غير بني آدم من سائر الأموال فإن كانت على بني آدم فلا تخلو إما إن كانت عمدا و إما إن كانت خطأ أو في معناه فإن كانت عمدا يقتص منه كما إذا لم تكن رهنا لأن ملك الراهن لا يمنع وجوب القصاص ألا يرى أنه لا يمنع إذا لم يكن رهنا و إذا لم يكن الملك مانعا فحق المرتهن أولى لأنه دون الملك سواء قتل أجنبيا أو الراهن أو المرتهن لأن القصاص ضمان الدم و لا حق للمولى في دمه بل هو أجنبي عنه و كذا للمرتهن من طريق الأولى إذ الثابت له الحق و الحق دون الملك فصارت جنايته على الراهن و المرتهن في حق القصاص و جنايته على الأجنبي سواء و إذا قتل قصاصا سقط الدين لأن هلاكه حصل في ضمان المرتهن فسقط ديته كما إذا هلك بنفسه .
هذا إذا كانت جنايته عمدا فأما إذا كانت خطأ أو ملحقة بالخطأ فإن كانت شبه عمد أو كانت عمدا لكن القاتل ليس من أهل وجوب القصاص عليه بأن كان صبيا أو مجنونا أو كانت جنايته فيما دون النفس فإنه يدفع أو يفدي لأن هذه الجنايات من العبيد و الإماء توجب الدفع أو الفداء ثم ينظر إن كان العبد كله مضمونا بأن كانت قيمته مثل الدين أو دونه نحو أن تكون قيمة العبد ألفا و الدين ألفا أو كان الدين ألفا و قيمة العبد خمسمائة يخاطب المرتهن .
و لو بدئ بالراهن و خوطب بالدفع أو الفداء على ما هو حكم الشرع فربما يختار الدفع فيبطل حق المرتهن و يسقط دينه فكانت البداءة بخطاب المرتهن بالفداء أولى و إذا فداه بالأرش فقد استخلصه و استصفاه عن الجناية و صار كأنه لم يجن أصلا فيبقى رهنا كما كان و لا يرجع بشيء مما فدى على الراهن لأنه فدى ملك الغير بغير إذنه فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع كما لو فداه أجنبي و لأنه بالفداء أصلح الرهن باختياره و استبقى حق نفسه فكان عاملا لنفسه بالفداء فلا يرجع على غيره و ليس له أن يدفع لأن الدفع تمليك الرقبة و هو لا يملك رقبته .
و إن أبى الراهن أن يفدي يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء لأن الأصل في الخطاب هو الراهن لأن الملك له و إنما يبدأ بالمرتهن بخطاب الفداء صيانة لحقه فإذا أبى عاد الأمر إلى الأصل فإن اختار الدفع بطل الرهن و سقط الدين أما بطلان الرهن فلأن العبد زال عن ملكه بالدفع إلى خلف فخرج عن كونه رهنا و أما سقوط الدين فلأن استحقاق الزوال حصل بمعنى في ضمان المرتهن فصار كأنه هلك في يده و كذلك إن اختار الفداء لأنه صار قاضيا بما فدى المرتهن لأن الفداء على المرتهن لحصول الجناية في ضمانه إلا أنه لما أبى الفداء و الراهن محتاج إلى استخلاص عبده و لا يمكنه ذلك إلا بالفداء فكان مضطرا في الفداء فلم يكن متبرعا فكان له أن يرجع على المرتهن بما فدى و له على الراهن مثله فيصير قصاصا به .
و إذا صار قاضيا دين المرتهن مما فدى ينظر إلى ما فدى و إلى قدر قيمة العبد و إلى الدين فإن كان الفداء مثل الدين و قيمة العبد مثل الدين أو أكثر سقط الدين كله و إن كان الفداء أقل من الدين و قيمة العبد مثل الدين أو أكثر سقط من الدين بقدر الفداء و حبس العبد رهنا بالباقي و إن كان الفداء قدر الدين أو أكثر و قيمة العبد أقل من الدين يسقط من الدين قدر قيمة العبد و لا يسقط أكثر منها لأنه لو هلك العبد لا يسقط من الدين أكثر من قيمته فكذا عند الفداء و إن كان العبد بعضه مضمونا و البعض أمانة بأن كانت قيمة العبد ألفين و الدين ألفا فالفداء عليهما جميعا لأن نصفه مضمون و نصفه أمانة فكان فداء نصف الأمانة على الراهن فيخاطبان جميعا بالدفع أو بالفداء و المعنى من خطاب الدفع في جانب المرتهن الرضا بالدفع لا فعل الدفع لأن فعل الدفع ليس إليه .
ثم إذا خوطب بذلك إما إن اجتمعا على الدفع و إما إن اجتمعا على الفداء و إما إن اختلفا فاختار أحدهما الدفع و الآخر الفداء و الحال لا يخلو إما أن يكونا حاضرين و إما إن كان أحدهما غائبا فإن كانا حاضرين و اجتمعا على الدفع و دفعا فقد سقط دين المرتهن لأن الدفع بمنزلة الهلاك و إن اجتمعا على الفداء فدى كل واحد منهما بنصف الأرش و إذا فديا طهرت رقبة العبد عن الجناية و يكون رهنا كما كان و كان كل واحد منهما متبرعا حتى لا يرجع على صاحبه بما فدى لأن كل واحد منهما أدى ما عليه فكان مؤديا عن نفسه لا عن صاحبه و إن اختلفا فأراد أحدهما الفداء و الآخر الدفع فأيهما اختار الفداء فاختياره أولى .
أما المرتهن فلأنه بالفداء يستبقي حق نفسه و لا يسقط حق الرهن و الراهن بالدفع يسقط حق المرتهن فكان اختيار المرتهن أولى .
و أما الراهن فلأنه يستبقي ملك الرقبة بالفداء و المرتهن باختيار الدفع يريد إسقاط دينه و إبطال ملك الراهن فلم يكن له في اختيار الدفع نفع بل كان سفها محضا و تعنتا باردا فلا يلتفت إليه فكان للراهن أن يفدي .
ثم أيهما اختار الفداء فدى العبد بجميع الأرش و لا يملك الآخر دفعه ثم ينظر إن كان الذي اختار الدفع هو المرتهن ففدى بجميع الأرش بقي العبد رهنا كما كان لأنه طهرت رقبته عن الجناية بالفداء فصار كأنه لم يجن و يرجع المرتهن على الراهن بدينه و هل يرجع عليه بحصة الأمانة ؟ .
ذكر الكرخي فيه روايتين : في رواية لا يرجع بل يكون متبرعا و في رواية يرجع و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يرجع إلا بدينه خاصة و لم يذكر اختلاف الرواية .
وجه الرواية الأولى : أنه التزم الفداء باختياره مع قدرته على أن لا يلتزم لأنه لو لم يلتزم لخوطب الراهن فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع .
وجه الرواية الأخرى : أن المرتهن يحتاج إلى إصلاح قدر المضمون منه و لا يمكنه ذلك إلا بإصلاح قدر الأمانة فكان مضطرا فلم يكن متبرعا و إن كان الذي اختار الفداء هو الراهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا بل يكون قاضيا بنصف الفداء دين المرتهن ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل كل الدين سقط الدين كله و إن كان أقل منه سقط من الدين بقدره و رجع بالفضل على الراهن و يحبسه رهنا به هذا إذا كانا حاضرين فأما إذا كان أحدهما حاضرا فليس له ولاية الدفع أيهما كان سواء كان المرتهن أو الراهن .
أما المرتهن فلا شك فيه لأنه لا ملك له في العبد أصلا و الدفع تمليك فلا يتصور بدون الملك و أما الراهن فلأن الدفع إسقاط حق المرتهن و له ولاية الفداء بجميع الأرش فإن كان الحاضر هو المرتهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا في نصف الفداء عند أبي حنيفة و له أن يرجع على الراهن بدينه و بنصف الفداء لكنه يحبس العبد رهنا بالدين و ليس له أن يحبسه رهنا بنصف الفداء بعد قضاء الدين .
و عند أبي يوسف و محمد : كان المرتهن متبرعا في نصف الفداء فلا يرجع على الراهن إلا بدينه خاصة كما لو فداء بحضرة الراهن فهما سويا بين الغيبة و الحضرة و جعلاه متبرعا في الحالين جميعا و أبو حنيفة Bه فرق بين حال الحضرة و الغيبة فجعله متبرعا في الحضرة لا في الغيبة و إن كان الحاضر هو الراهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا في نصف الفداء بالإجماع بل يكون قاضيا بنصف الفداء دين المرتهن كما لو فداه الراهن بحضرة المرتهن وجه قولهما : أن المرتهن فدى ملك الغير بغير إذنه فكان متبرعا كما لو فداه أجنبي و لهذا كان متبرعا في حالة الحضرة كما في الغيبة .
و لأبي حنيفة Bه أنه في حال الحضرة التزم الفداء باختياره مع إمكان خطاب الراهن فكان متبرعا و الخطاب لا يمكن حالة الغيبة و هو محتاج إلى إصلاح قدر المضمون و لا يمكنه ذلك إلا بإصلاح قدر الأمانة فكان مضطرا فلم يكن متبرعا .
هذا الذي ذكرنا حكم جناية الرهن فأما حكم جناية ولد الرهن بأن قتل إنسانا خطأ فحكمه أنه لا فداء على المرتهن و يخاطب المولى بالدفع أو الفداء أما عدم وجوب الفداء على المرتهن فلأن خطابه بفداء الرهن مع أنه ليس ملكه لحصول الجناية من الرهن في ضمانه و لم يوجد في الولد لأنه ليس بمضمون أنه لو هلك يهلك بغير شيء .
و أما خطاب المولى بالدفع أو الفداء فلأن الملك له فإن دفعه خرج الولد عن الرهن و لم يسقط شيء من الدين .
أما خروجه عن الرهن فلزوال ملك الراهن عنه فيخرج عن الرهن كما لو هلك و أما عدم سقوط شيء من الدين فلأن الولد غير مضمون بالهلاك بخلاف الأم و إن فدى فهو رهن مع أنه على حاله فإن اختار الراهن الدفع فقال له المرتهن : أنا أفدي فله ذلك لأن الولد مرهون و إن لم يكن مضمونا ألا ترى أن الحكم الأصلي للرهن ثابت فيه و هو حق الحبس فكان الفداء منه إصلاحا للرهن فكان له ذلك .
هذا إذا جنى الرهن على أجنبي فأما إذا جنى على الراهن أو على المرتهن أما جنايته على نفس المرتهن جناية موجبة للمال أو على ماله فهدر لأن العبد ملكه و المولى لا يجب له على عبده دين بخلاف جناية العبد المغصوب على المغصوب منه أو على ماله على أصل أبي حنيفة C أنها معتبرة لأن المضمونات تملك عند أداء الضمان من وقت الغصب فتبين أن تلك الجناية لم تكن جناية العبد على مولاه .
و أما جنايته على نفس المرتهن فهدر عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد معتبرة يدفع أو يفدي إن رضي به المرتهن و يبطل الدين و إن قال المرتهن : لا أطلب الجناية لما في الدفع أو الفداء من سقوط حقي فله ذلك و بطلت الجناية و العبد رهن على حاله هكذا أطلق الكرخي .
و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي و فصل فقال : إن كان العبد كله مضمونا بالدين فهو على الاختلاف و إن كان بعضه مضمونا و بعضه أمانة فجنايته معتبرة بالاتفاق فيقال للراهن : إن شئت فادفع و إن شئت فافده فإن دفعه و قبل المرتهن بطل الدين كله و صار العبد كله للراهن و إن اختار الفداء فنصف الفداء على الراهن و نصفه على المرتهن فما كان حصة المرتهن يبطل و ما كان حصة الراهن يفدي و العبد رهن على حاله و اختلافهم في جناية الرهن على المرتهن نظير اختلافهم في جنايته عند الغصب على الغاصب أنها هدر عند أبي حنيفة و عندهما معتبرة .
وجه قولهما : أن هذه جناية وردت على عير المالك فكانت معتبرة كما إذا وردت على أجنبي و هذا لأن الأصل في الجنايات اعتبارها و سقوط الاعتبار لمكان عدم الفائدة و هنا في اعتبار هذه الجناية فائدة لأن موجبها الدفع و له فيه فائدة و هو الوصول إلى ملك العبد و إن كان فيه سقوط دينه و لأبي حنيفة : أن هذه الجناية وردت على غير المالك لكنها وجدت في ضمان المرتهن فورودها على غير المالك إن كان يقتضي أن تكون معتبرة فوجودها في ضمان المرتهن يقتضي أن لا تعتبر لأنها توجب الفداء عليه و ذلك غير ممكن لما فيه من إيجاب الضمان عليه له و أنه محال فوقع الشك و الاحتمال في اعتبارها فلا تعتبر .
هذا إذا جنى على نفس المرتهن فأما إذا جنى على ماله فإن كانت قيمته و الدين سواء و ليس في قيمته فضل فجنايته هدر بالإجماع لأنه لا فائدة في اعتبار هذه الجناية إذ ليس حكمها وجوب الدفع إلى المرتهن ليملكه بل تعلق الدين برقبته فلو بيع و أخذ ثمنه لسقط دينه فلم يكن في اعتبار هذه الجناية فائدة فلا تعتبر .
و إن كانت قيمته أكثر من الدين فعن أبي حنيفة C روايتان : في رواية تعتبر الجناية في قدر الأمانة و في رواية : لا يثبت حكم الجناية أصلا وجه الرواية الأولى : أن المانع من الاعتبار كون العبد في ضمان المرتهن و قدر الأمانة و هو الفضل على الدين ليس في ضمانه فأمكن اعتبار الجناية في ذلك القدر فلزم اعتبارها .
وجه الرواية الأخرى : أن ذلك القدر و إن لم يكن مضمونا فهو في حكم المضمون لثبوت حكم الرهن فيه و هو الحبس فيمنع الاعتبار و أما جناية الرهن على ابن الراهن أو على ابن المرتهن فلا شك أنها معتبرة لأن المانع من الاعتبار في حق الراهن هو كون العبد مملوكا له و في حق المرتهن كونه في ضمانه و لم يوجد شيء من ذلك هنا فكانت جنايته عليه و على الأجنبي سواء