- الهدي أدناه شاة . وهو ثلاثة أنواع : الإبل والبقر والغنم يجزئ في ذلك الثني فصاعدا إلا من الضأن فإن الجذع منه يجزئ ولا يجوز في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها ولا مقطوع الذنب ولا اليد ولا الرجل ولا الذاهبة العين ولا العجفاء ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك .
والشاة جائزة في كل شيء إلا في موضعين : من طاف طواف الزيارة جنبا ومن جامع بعد الوقوف بعرفة فإنه لا يجوز إلا بدنة . والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة إذا كان كل واحد من الشركاء يريد القربة فإن أراد أحدهم بنصيبه اللحم لم يجزئ عن الباقين ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا ( 1 ) .
ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقت شاء ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم ولا يجب التعريف بالهدايا والأفضل في البدن النحر وفي البقر والغنم الذبح والأولى أن يتولى الإنسان ذبحها بنفسه إذا كان يحسن ذلك ويتصدق بجلالها وخطامها ولا يعطي أجرة الجزار منها ومن ساق بدنة فاضطر إلى ركوبها ركبها وإن استغنى عن ذلك لم يركبها وإن كان لها لبن لم يحلبها وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن ومن ساق هديا فعطب فإن كان تطوعا فليس عليه غيره وإن كان عن واجب فعليه أن يقيم غيره مقامه وإن أصابه عيب كبير أقام غيره مقامه وصنع بالمعيب ما شاء وإذا عطبت البدنة في الطريق فإن كان تطوعا نحرها وصبغ نعلها بدمها وضرب بها صفحتها ولا يأكل منها هو ولا غيره من الأغنياء وإن كانت واجبة أقام غيرها مقامها وصنع بها ما شاء ويقلد هدي التطوع والمتعة والقران ولا يقلد دم الإحصار ولا دم الجنايات .
_________ .
( 1 ) وقد صح أن النبي A أكل من لحمه هديه وشرب من مرقه وكان قارنا ففي حديث جابر الطويل ثم أمر من كل بدنة نصفه فجعلت في قدر فطبخت الحديث وكان في الهدي التطوع لأنه بلغ المائة إلا أنه أكل من هدي التطوع بعدما بلغ الحرم فإن لم يبلغ لم يجد لأنه في الحرم تتم القربة فيه بالإراقة وفي غير الحرم لا يحصل به بل بالتصدق فلو أكل منه أو من غيره مما لا يحل له الأكل منه ضمن ما أكله وهو مذهب الشافعي وأحمد وقال مالك لو أكل لقمة ضمته كله ويستحب أن يتصدق بثلثها ويهدي ثلثها كما في الضحايا وأما بقية الهدايا فلا يجوز وفي نهاية الحديث ( ولا تأكل أنت ولا رفقتك شيئا منها وحل بينها وبين الناس ) .
_________ .
باب الهدي .
لما دار ذكرى الهدي فيما تقدم من المسائل احتيج إلى بيانه وما يتعلق به ابن كمال . ويقال فيه : هدي - بالتشديد على فعيل - الواحدة هدية كمطية ومطى ومطايا . مغرب .
( الهدي ) لغة وشرعا : ما يهدى إلى الحرم من النعم للتقرب : وأدناه شاة وهو ) : أي الهدي ( من ثلاثة أنواع : الإبل والبقر والغنم ) لأن العادة جارية بإهداء هذه الأنواع ( يجزئ في ذلك ) ما يجزئ في الأضحية وهو ( الثني فصاعدا ) وهو من الإبل ما تم له خمس سنين ومن البقر سنتان ومن الغنم سنة ( إلا من الضأن فإن الجذع منه يجزئ ) والجذع - بفتحتين - ما دون الثني ( ولا يجزئ في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها ولا مقطوع الذنب ولا اليد ولا الرجل ولا الذاهبة العين ولا العجفاء ) كثيرة الهزال ( ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك ) بفتح السين وكسرها - الموضع الذي تذبح به النسائك صحاح لأنها عيوب بينة وهذا إذا كانت العيوب موجودة بها قبل الذبح أما إذا أصابها ذلك حالة الذبح بالاضطراب وانفلات السكين جاز لأن مثل هذا لا يمكن الاحتراز عنه .
( والشاة جائزة ) في الحج ( في كل شيء ) جناه في إحرامه ( إلا في موضعين ) وهو ( من طاف طواف الزيارة جنبا ) أو حائضا أو نفساء ( ومن جامع بعد الوقوف بعرفة ) وقبل الحلق كما مر ( فإنه لا يجوز ) في هذين الموضعين ( إلا بدنة ) كما تقدم ( والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة ) وما دونهما بالأولى ( إذا كان كل واحد من الشركاء يريد القربة ) ولو اختلف وجه القربة : بأن أراد أحدهم المتعة والآخر القران والآخر التطوع لأن المقصود بها واحد وهو الله تعالى ( فإن أراد أحدهم بنصيبه اللحم ) أو كان ذميا ( لم يجزئ عن الباقين ) لأنها لم تخلص لله تعالى ( ويجوز الأكل ) لصاحب الهدي بل يندب من هدي التطوع والمتعة والقران ) إذا بلغ الهدي محله لأنه دم نسك فيجوز الأكل منه بمنزلة الأضحية وما جاز الأكل منه لصاحبه جاز للغني وقيدنا ببلوغ المحل لأنه إذا لم يبلغ الحرم لا يحل الانتفاع منه لغير الفقير كما يأتي في آخر الباب ( ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا ) كدماء الكفارات والنذور وهدي الإحصار والتطوع إذا لم يبلغ محله .
( ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر ) وفي الأصل : يجوز ذبح دم التطوع قبل يوم النحر وذبحه يوم النحر أفضل وهذا هو الصحيح لأن القربة في التطوعات باعتبار أنها هدايا وذلك يتحقق ببلوغها إلى الحرم فإذا وجد ذلك جاز ذبحها في غير يوم النحر وفي أيام النحر أفضل لأن معنى القربة في إراقة الدم فيه أظهر . هداية ( ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقت شاء ) لأنها دماء كفارات فلا تختص بيوم النحر لأنها لما وجبت لجبر النقصان كان التعجيل بها أولى لارتفاع النقصان من غير تأخير بخلاف دم المتعة والقران لأنه دم نسك . هداية ( ولا يجوز ذبح الهدايا ) مطلقا ( إلا في الحرم ) لأن الهدي اسم لما يهدى إلى مكان ومكانه الحرم ) ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم ) لأن الصدقة قربة معقولة والصدقة على كل فقير قربة وعلى مساكين الحرم أفضل إلا أن يكون غيرهم أحوج . جوهرة ( ولا يجب التعريف بالهدايا ) وهو إحضارها عرفة فإن عرف بهدي المتعة والقران والتطوع فحسن لأنه يتوقت بيوم النحر فعسى ألا يجد من يمسكه فيحتاج إلى أن يعرف به ( ولأنه دم نسك ومبناه على التشهير بخلاف دماء الكفارات ) فإنه يجوز ذبحها قبل يوم النحر وسببها الجناية فالستر بها أليق .
( والأفضل في البدن النحر ) قياما وإن شاء أضجعها ( وفي البقر والغنم الذبح ) مضجعه ولا تذبح قياما لأن الذبح في حال الإضجاع أبين فيكون الذبح أيسر ( والأولى أن يتولى الإنسان ذبحها بنفسه إن كان يحسن ذلك ) لأنه قربة والتولي في القربات أولى لما فيه من زيادة الخشوع إلا أنه يقف عند الذبح إذا لم يذبح بنفسه ( ويتصدق بجلالها ) جمع جل وهو ككساء يقي الحيوان الحر والبرد . جوهرة . ( وخطامها ) يعني زمامها ( ولا يعطي أجرة الجزار منها ) لقوله A لعلي Bه : " تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط الجزار منها " ( ومن ساق بدنة فاضطر إلى ركوبها ) أو حمل متاعه عليها ( ركبها ) وحملها ( وإن استغنى عن ذلك لم يركبها ) لأنه خالصا لله جعلها فلا ينبغي أن يصرف لنفسه شيئا من عينها أو منافعها إلى أن تبلغ محلها وإذا ركبها أو حملها فانتقصت فعليه ضمان ما انتقص منها ( وإن كان لها لبن لم يحلبها ) لأن اللبن متولد منها وقد مر أنه لا يصرف لنفسه شيئا من عينها قبل محلها ( وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن ) عنها وهذا إذا قرب محلها وإلا حلبها وتصدق بلبنها كيلا يضر ذلك بها وإن صرفه لنفسه تصدق بمثله أو قيمته : لأنه مضمون عليه ( ومن ساق هديا فعطب ) أي هلك ( فإن كان تطوعا فليس عليه غيره ) لأن القربة تعلقت به وقد فات ولم يكن سوقه متعلقا بذمته ( وإن كان عن واجب فعليه أن يقيم غيره مقامه ) لأن الواجب باق بذمته حيث لم يقع موقعه فصار كهلاك الدراهم المعدة للزكاة قبل أدائها ( وإن أصابه عيب كبير ) بحيث أخرجه إلى الرداءة ( أقام غيره مقامه ) إبقاء الواجب في ذمته ( وصنع بالمعيب ما شاء ) لأنه التحق بسائر أملاكه ( وإذا عطبت البدنة في الطريق ) أي قاربت العطب بدليل قوله " نحرها " لأن النحر بعد حقيقة العطب لا يتصور ( فإن كانت ) البدنة ( تطوعا نحرها وصنع نعلها ) : أي قلادتها . هداية . ( بدمها وضرب بها ) : أي بقلادتها المصبوغة بدمها ( صفحتها ) : أي أحد جنبيها ( ولم يأكل منها هو ) : أي صاحبها ( ولا غيره من الأغنياء ) وفائدة ذلك أن يعلم الناس أنه هدي فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء وهذا لأن الإذن بتناوله معلق بشرط بلوغه محله فينبغي أن لا يحل قبل ذلك أصلا إلا أن التصدق على الفقراء أفضل من أن يترك جزرا للسباع وفيه نوع تقرب والتقرب هو المقصود . هداية ( وإن كانت ) البدنة ( واجبة أقام غيرها مقامها ) لأنها لم تبق صالحة لما عينه ( وصنع بها ) : أي التي عطبت ( ما شاء ) لأنها ملكه كسائر أملاكه ( ويقلد ) ندبا ( هدى التطوع ) والنذر ( والمتعة والقران ) لأنه دم نسك فيليق به الإظهار والشهرة تعظيما لشعائر الإسلام والمراد من الهدي الإبل والبقر وأما الغنم فلا يقلد . وكل ما يقلد يخرج به إلى عرفات وما لا فلا . جوهرة . ( ولا يقلد دم الإحصار ) لأنه لرفع لا حرام ( ولا دم الجنايات ) لأنه دم جير فالأولى إخفاؤها وعدم إظهارها